ليبيا بحاجة غاندولوجيين!

ليبيا كانت ولا زالت وستستمر مجتمع ما قبل الدولة.

أصبحت كل الحلول المنطقية غير ممكنة، فقد استعصت الأزمة الليبية، وفاقت جميع التوقعات، وتجاوزت كل مألوف، إذ لا زالت ليبيا كما وصفها هيرودوت منذ 2500 عام، قبائل بدو رحل متحالفة لغاية، أو متناحرة لغاية، وإن اختلف ترحلهم وتنوع اليوم عن سابقه، وصار ترحلاً فكرياً ومزاجياً وولائياً، بعدما كان مجرد ترحل مكاني.

ليبيا كانت ولا زالت وستستمر مجتمع ما قبل الدولة، ولا يمتلك الليبيون مقومات وأسس وثقافة الدولة، وجميعهم مصابون بأنيميا المدنية، التي لم يعهدوها من قبل. والأدهى والأمر، أنهم لم يعودوا يمتلكون حتى مقومات القبيلة، وأفرغوها عنوة من مزاياها وسماتها وخلعوا عنها ديباجها، وسلبوها قيمتها، ورموا بها في وحل البراغماتية، وجعلوها معقلاً للمارقين وملجأ آمناً للصوص والمهربين والقتلة والمخربين، وحصناً للعابثين بأرزاق الليبيين، وأحالوها إلى منبر أميري للشعبوية، ودهليز خفي للسلطة، وسوط لتشريع الظلم وقهر الضعفاء والفقراء، وأداة لمصادرة الحرية والآراء، ومؤسسة لتوطين اللاعدالة والتمييز والإقصاء.

ما يحدث في ليبيا منطقي وفق معطياتها، والصراعات والنزاعات ذات الظاهر السياسي- السلطوي تمثل أعراض ومضاعفات تغيير، لم يتجهز له الليبيون ولم يألفوه وفاجأهم ولم يأتِ حسب ذائقتهم، ولم يوجدوا له أرضية مدنية سياسية اجتماعية ثقافية تناسبه، وتمكن من إدارته وتوجيهه، لأن العقم المدني مزمن لديهم، والنخب لم تجرؤ على تجاوز مضارب القبيلة، وتأنس المدن، وتخلع جلابيب الأسلاف، فعادوا إلى سيرتهم الأولى، ووظفوا غنائم ومزايا التغيير الذي كافحوه لتوليد ماضٍ مشوه وملوث ومتخم بالأكاذيب.

تحولت مقاومة الليبيون للتغيير إلى نزاع اجتماعي تقوده قوى براغماتية مدثرة بأردية رثة لوطنية ملطخة بشيطنات بدائية صدئة، وتأثر بنسبية الوعي والانتماء العشائري وأزمة الضمير والهوية، وحوله الانفجار الكارثي للقوى القبلية والمناطقية إلى مشروع مراكمة كراهية لانهائي، لم يعد بالإمكان ضبطه.

قد أمسى الليبيون بحاجة لعصا موسى، تشق لهم الدرب، وتأكل الإفك، وتتلقف أفاعي الفتن، ولا يمانعون أن توفر لهم مائدة ديمقراطية فاخرة بثمن بخس أو مجانية، ولا تكلفهم حتى غسل أيديهم من الماضي وتغيير جلستهم.

إن وجد الليبيون العصا، يظل عليهم إيجاد سلطويون غاندولوجيون (ذوي فكر ينسب لغاندي)، لا صلة رحم ولا تراحم يربطهم بالبراغماتية أو البيروقراطية أو الثيوقراطية أو البلوتوقراطية أو الأوليغارشية أو الشوفينية أو الفاشية بأنواعها، مصابون بعمى العنصرية فلا يميزون بين أبيض وأسود أوبين رجل وامرأة، قطعوا حبالهم السرية الظاهرة والخفية التي تربطهم بالشمبانزي العتيق، ولم يعرفوا من قبل لاكي لوسيانو ولا موسيليني ولا الزير ولا عروة القزويني، ولم يسمعوا بالسُليك بن السلكة أو نيت لاف أو كلوديا فيليكس، ولم تأوِ ذاكرتهم صرخات بكر، ونحيب أبو عبدالله الصغير، وزفرة العربي الأخيرة، ولا أمهات لهم ولا قبائل ولا عشائر سوى ليبيا، وهم ثلة أسطورية لا يأتون إلا بمعجزة، ولن يقنع بهم الليبيون، ويثقون فيهم إلا بمعجزة تردف المعجزة.