ماذا ستحقق الجولة التاسعة عشرة من آستانا؟

ذهب زمان الدعم التركي للمجموعات الإرهابية في شمال سوريا بعد أن تحول الأكراد إلى تهديد حقيقي للأتراك.

مع تأكيد انعقاد الجولة التاسعة عشرة من آستانا في 22 و23 من الشهر الجاري، من حق أي متابع للشأن السوري أن يتساءل ماذا حقق "مسار آستانا" على صعيد الأزمة السورية؟ وهل تستطيع الدول الثلاث تحقيق أي تقدم مع الاختلاف في الأهداف؟ وكيف يمكن للتصريحات التركية الجديدة والايجابية تُجاه سوريا أن تؤثر على هذه الجولة؟ وهل ستكون مختلفة عن سابقاتها؟ وهل العلاقات الروسية التركية المتنامية وإشادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام منتدى فالداي في السابع والعشرين من شهرتشرين أول/أكتوبر الماضي واعتباره شريكاً "ثابتاً وموثوقاً" سينعكس أيضاً على هذه الجولة؟ وماذا عن تفجير تقسيم في اسطنبول وانعكاسه على هذه الجولة أيضاً؟ وما تأثير الملف السوري على الاستعدادات الجارية للانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا العام القادم؟

بداية ولنكن غير متفائلين كثيراً، فإن من يعرف طبيعة شخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يستطيع أن يثق بكلامه على عكس ما صرح به الرئيس بوتين في منتدى فالداي الأخير، فالرئيس أردوغان لديه اعتقاد واحد وهو أن تركيا ليست "جمهورية أتاتورك" ولا يجب أن تنحصر حدودها داخل الحدود التي رسمتها اتفاقية لوزان في العام 1923 وإنما يجب أن تعود تركيا إلى عهدها العثماني، وإن لم يكن "العثماني" ففي الحد الأدنى إلى "الميثاق الملي" وهو الخط الذي رسمه "مجلس المبعوثان العثماني" – النواب - في العام 1920 واعتبر الحدود التركية مع سوريا والعراق تمتد من شمال اللاذقية مروراً بإدلب وحلب والرقة والحسكة لتصل إلى كل من كركوك وأربيل. ولذلك نرى أن أغلب عمليات تركيا في السنوات الأخيرة جرت في تلك المناطق سواء في سوريا أو العراق.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى يسعى أردوغان عبر وجود جيشه في سوريا لإجراء عملية تغيير ديمغرافي حقيقية في الشمال السوري من خلال تهجير المواطنين العرب والأكراد وبناء وحدات استيطانية لإسكان العنصر التركماني فقط (مشروع المليون وحدة سكنية) وحتى من ناحية دعم الميليشيات الإرهابية التي تنضوي تحت ما يُسمى "الجيش الوطني" فهو عمل على حصر قيادة هذه المليشيات بالعنصر التركماني، وبقادة تركمان يكنون الولاء لـ "الدولة العلية".

أما بالعودة إلى السؤال الأول، وهو: هل ستحقق هذه الجولة ما لم تحققه الجولات السابقة؟ أنا أعتقد أنَّ هذا يعود إلى مدى تطور العلاقات الثنائية ما بين كل من تركيا وروسيا والأدق ما بين كل من أردوغان وبوتين، ومن ثم ما بين الدول الثلاث روسيا وتركيا وإيران وعداء الدول الثلاث للولايات المتحدة حيث لاحظنا كيف رفضت تركيا قبول تعزية السفارة الأميركية بتفجير تقسيم معتبرة أن الولايات المتحدة هي من تدعم حزب العمال الكردستاني (الإرهابي) وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تتبع له ميليشيا قسد. وهنا نكون قد توقفنا عند أهم مفصل في الجولة القادمة، وهي أن تركيا تريد أن تجيّر تنامي علاقاتها مع موسكو وطهران للتوصل إلى تقدم في المحادثات الاستخباراتية مع سوريا لتصل إلى مستوى علاقات دبلوماسية تكون نتيجتها تعديل "اتفاقية أضنة" الموقعة بين البلدين في العام 1998 وبالتالي تأخذ بالسياسة ما لم تأخذه في الحرب، في مقابل المطلب السوري بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية، والاتفاق على تفكيك المجموعات الإرهابية بداية من "جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام" وانتهاءً بما يُسمى "الجيش الوطني" في حين ستعمل جميع أطراف آستانا على محاصرة قسد واعتبارها فصيلاً يسعى للانفصال، ما يهدد أمن كل من تركيا وسوريا والعراق وحتى إيران، مع دعم واضح من موسكو. وبالتالي لا بد للولايات المتحدة أن ترفع دعمها عن هذا الفصيل بعينه وقد تنسحب في يوم ما، كما فعلت في أفغانستان، وهنا لا بد أيضاً أن يكون هناك اتفاق ما بين سوريا وتركيا وإيران على ملء الفراغ بالتنسيق مع موسكو.

يمكن القول: إن الجولة التاسعة عشرة من آستانا القادمة سيكون أمامها مفاوضات شاقة وصعبة تكون نتيجتها إما تقارب سوري تركي ينتهي بالاتفاق على تعديل "اتفاقية أضنة" بما يضمن انسحاب تركيا من سوريا، وتفكيك المجموعات الإرهابية، والاتفاق على إعادة اللاجئين، ومحاربة "ميليشيا قسد" وتعطيل مشروعها الانفصالي، ولاسيما أن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو صرح علناً أن بلاده لا تقبل التعزية من السفارة الأميركية بتفجير اسطنبول وترفضها، متهماً الولايات المتحدة بدعم الإرهاب في شمال سوريا، ومشدداً على أن المرأة التي نفذت الهجوم جاءت من شمال سوريا، وأخذت التعليمات من "وحدات حماية الشعب الكردية" ومن قيادة "حزب العمال الكردستاني" في مدينة عين العرب شمالي سوريا.

أما في حال فشل الجولة فستعود تركيا للتهديد بعملية عسكرية ضد "قسد" وتقوية المجموعات الإرهابية في مواجهة الدولة السورية، وهذا الاحتمال مستبعدٌ لكونه لا يصب استراتيجياً في مصلحة تركيا ولا في مصلحة أردوغان شخصياً، أو في مصلحة حزب العدالة والتنمية، ولاسيما أن تركيا مقبلة على انتخابات حاسمة قد تُخرج أردوغان من الحياة السياسية التركية بشكل كامل، وتُقصي حزب العدالة والتنمية عن تشكيل الحكومة في حال اجتمع جناحا المعارضة، الجناح الذي يقوده "حزب الشعب الجمهوري"، والجناح الذي يقوده "حزب الشعوب الديمقراطي". أما في حال لم يتفقا على مرشح رئاسي واحد وتنسيق عالي المستوى، فستكون الغلبة لأردوغان وحِكمُه سيستمر خمس سنوات قادمة، بحسب المادة (101) من دستور تركيا الحالي، وهو ما تتمناه كل من روسيا وإيران وتخشاه الولايات المتحدة المتعطشة لاستلام حزب الشعب الجمهوري الحكم في تركيا.

أما بالنسبة للدولة السورية فهي أمام خيارين. الأول، التعامل مع أردوغان باعتباره أمراً واقعاً في حال فوزه وحزبه. أما الخيار الثاني، فهو خسارة أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وبالتالي استلام حزب الشعب الجمهوري الحكم، وعندها ستكون الأمور أفضل لأن من أساسيات الحملة الانتخابية لحزب الشعب الجمهوري ترحيل اللاجئين السوريين وعودة الجيش التركي إلى داخل تركيا باعتبار حزب الشعب الجمهوري لا يتبنى سياسة التوسع العثمانية التي ينتهجها أردوغان ومقتنع بحدود تركيا الحالية التي أقرتها "معاهدة لوزان" باعتباره هو من وقع عليها ورسم حدود تركيا الحالية.