ما اشبه مايو 2018 بمايو 1967

ملفتة تلك السخونة التي يشهدها الشرق الاوسط مع بدء شهر ايّار – مايو 2018. لا يشبه هذا الشهر سوى ايّار – مايو 1967 الذي كانت الاحداث التي شهدها مدخلا لهزيمة حزيران – يونيو التي لم تشف المنطقة من نتائجها الى يومنا هذا بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان وسيناء في غضون ايّام قليلة. وحدها مصر استعادت ارضها المحتلة بفضل رجل وطني وشجاع اسمه أنور السادات. حصل ذلك في وقت اعتمد حافظ الأسد على سياسة اللاحرب واللاسلم والهرب الى خارج الحدود بهدف وحيد هو ضمان استمرار نظامه الاقلّوي في مقابل بقاء إسرائيل في الجولان.

امّا الفلسطينيون الذين ارتكبوا خطأ السير في لعبة القرار العربي القاضي باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، فقد سقطوا في فخّ الشعارات التي لا تطعم خبزا ولا تعيد ارضا. لم يرتكبوا جريمة الدخول في مواجهة مع الأردنيين قبل 1970 ثم مع اللبنانيين بين 1969 و1982 فحسب، بل انتزعوا ايضا من الأردن القدرة على استخدام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك القرار 242، لاسترجاع الأرض المحتلة في 1967. في النهاية، كانت الضفة والقدس تحت السيادة الأردنية عندما احتلتهما إسرائيل. باتت اسرائيل تعتبر الضفّة \"ارضا متنازعا عليها\" منذ استبعاد الأردن من المفاوضات الدولية من اجل استرجاعها. حجتها، من اجل تبرير جريمة الاحتلال واغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني، ان الأرض لم تكن تحت السيادة الفلسطينية في الرابع من حزيران - يونيو 1967. انتهى الامر بان سار الأردن في الخط الذي يحفظ له مصالحه ويحافظ له على ارضه ومياهه. سار على خطى مصر فوقّع في 1994 اتفاق سلام مع إسرائيل من اجل الحفاظ على نفسه ووقف المتاجرة والمزايدة اللتين اتقنهما النظام السوري.

استطاعت إسرائيل خوض حرب 1967 في ظل تواطؤ أميركي. كان افضل مثل على ذلك قصفها لسفينة التجسس \"يو. اس. ليبرتي\" واغراقها مع الذين كانوا فيها من دون حصول رد من واشنطن. كانت تلك السفينة تراقب من البحر ما يدور من اتصالات وتحركات في مرحلة ما قبل الحرب. ارادت إسرائيل بكل بساطة طمس أي اثر لعدوانها الذي باشرت به يوم الخامس من حزيران – يونيو من تلك السنة.

ليس سرّا ان إسرائيل تعرف ما الذي تريده، لكنّ ما لا يمكن تجاهله ان المنطقة كلّها كانت تغلي في الشهر الذي سبق الحرب. لا يزال موقف الاتحاد السوفياتي الى اليوم غامضا. لماذا لم يلجم الكرملين جمال عبدالناصر ويفهمه ان لا مصلحة لديه في التصعيد الذي كان افضل تعبير عنه لجوء مصر الى اغلاق مضائق تيران والى سحب المراقبين الدوليين الذين كانوا مرابطين في سيناء. هل يمكن ان ينطلي على احد ان الاتحاد السوفياتي، الذي كان يمتلك مئات الجواسيس في الداخل الإسرائيلي، لم يكن على علم بموازين القوى العسكرية في المنطقة وبانّ الجيش المصري كان عاجزا عن التصدي لايّ عدوان إسرائيلي وان الجيش السوري لم يكن يصلح سوى للانقلابات العسكرية التي أوصلت ضباطا بعثيين الى السلطة بينهم حافظ الأسد وزير الدفاع منذ العام 1966. كان \"الجيش العربي\"، أي الجيش الأردني الوحيد الذي قاتل دفاعا عن القدس في معركة غير متكافئة لم يكن مستعدا لها اجبرته المزايدات المصرية والسورية على خوضها.

في ظلّ التغييرات الكبيرة التي تشهدها واشنطن حيث خلف مايك بومبيو ركس تيلرسون في الخارجية وجون بولتون هربرت مكماستر في موقع مستشار الامن القومي، لم يعد مستغربا ان تجد إسرائيل نفسها مطمئنة الى انّ لا اعتراض اميركيا على أي عمل يمكن ان تقدم عليه.

امّا ايران التي تلعب الدور المطلوب منها إسرائيليا، فهي تبرّر سلفا أي عدوان إسرائيلي، خصوصا انّها لا تدرك ان مشكلتها الحقيقية ليست في الملفّ النووي ولا في الاتفاق في شأن هذا الملف الذي قد يمزّقه دونالد ترامب في الثاني عشر من الشهر الجاري.

تكمن مشكلة ايران، بنظامها الحالي، في انّها لم تعد قادرة على ان تكون دولة طبيعية في المنطقة. تتخيّل انّها ورثت حجم جمال عبدالناصر عربيا وانّها ملأت الفراغ الذي خلفه غياب حافظ الاسد وسقوط صدّام حسين وانّها قادرة على ان تكون دولة متوسطّية أيضا. هل هذا مسموح لها بالمنطق الدولي وحتّى الاقليمي؟

ما يمكن التخوّف منه ان تكون ايران تتجاهل موازين القوى في المنطقة والعالم عن سابق تصوّر وتصميم. تعتقد انّ في استطاعتها ان تكون اكثر بكثير من ايران، أي التحكّم بالعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحث في الوقت نفسه عن صفقة تعقدها مع اميركا التي كانت الى الامس القريب \"الشيطان الأكبر\"... ومع \"الشيطان الأصغر\" الاسرائيلي. ما يمكن ان يدفع ايران الى الذهاب بعيدا في رهاناتها كونها تمارس لعبتها مستخدمة عراقيين وسوريين ولبنانيين ويمنيين. دماء هؤلاء رخيصة جدا بالنسبة اليها، بل لا تعني شيئا ما دامت خسائرها في صفوف مواطنيها محدودة الى حدّ كبير.

لا تعي ايران ان لا افق للعبتها باستثناء إيصال المنطقة الى ما يشبه حرب 1967. ما يمكن ان يشجعها على ذلك عدم ادراكها انّ لا مكان لها في سوريا ولا حتّى في لبنان، في المدى الطويل. المؤسف انّها أوصلت نفسها الى مرحلة لم تعد امامها خيارات كثيرة، خصوصا ان انسحابها من سوريا ستكون له انعكاساته في الداخل الايراني حيث يعاني النظام من ازمة عميقة سياسية واقتصادية واجتماعية زاد من حدّتها تقدّم \"المرشد\" علي خامنئي في العمر.

ان تطالب ايران اميركا والبلدان الأخرى في مجموعة الخمسة زائدا واحدا بالتزام الاتفاق في شأن ملفّها النووي دليل ضعف وليس دليل قوّة. ليس امامها سوى الاعتراف بانّ ليس امامها سوى الانسحاب المنظّم من سوريا وفي مرحلة لاحقة من لبنان، ولكن بعد الحاق خسائر ضخمة بهذا البلد الصغير. ايران ليست دولة متوسطية ولا تستطيع ان تكون كذلك. كلّ ما تستطيعه هو لملمة أوضاعها كي لا تأخذ الشرق الاوسط الى حرب جديدة معروف كيف تبدأ وليس معروفا كيف ستنتهي باستثناء انّها ستكون كارثة على الجميع من جهة ولن تخرج منها رابحة من جهة أخرى. ما اشبه ايّار – مايو 2018 بمايو – أيار 1967 حين لا يعود مكان لسياسة يسود فيها العقل والتعقّل والمنطق والواقعية.