ما الممكن وما المستحيل في عمليات زرع الأعضاء

تحسين صورة الناس لها اعتبارات أخلاقية

باريس - شهدت الفترة الاخيرة عمليات زرع ملفتة طبعت الاذهان منها لعضو ذكري ووجه للمرة الثانية الا ان بعض عمليات الزرع الاخرى لا تزال بعيدة المنال.

ثلاثة انجازات غير مسبوقة

ففي الولايات المتحدة اجريت اول عملية زرع لعضو ذكري وكيس الخصيتين نهاية مارس/اذار وامل المشرفون عليها ان يتمكن الجندي الذي اصيب في افغانستان \"من استعادة وظائفه الجنسية والبولية بشكل شبه طبيعي\".

وفي 17 ابريل/نيسان ظهر الفرنسي جيروم امون للمرة الاولى علنا بعد ثلاثة اشهر على ثاني عملية زرع للوجه يخضع لها. وهو مصاب بمرض جيني وسبق له ان خضع لعلمية زرع في العام 2010 واضطر للخضوع لثانية بعدما نبذ جسمه العضو المزروع.

ويشكل نبذ الجسم للعضو المزروع نقطة الضعف الرئيسية لعمليات الزرع. وقد تجنب الفرنسي فرانك دوفورمانتيل المصاب بحروق على 95% من جسمه اثر حادث في سبتمبر/ايلول 2016 هذا الامر. فقد تبرع له شقيقه التوأم اريك بجلده من دون ان يكون هناك اي احتمال لحصول عملية نبذ اذ انهما يتمتعان بالمخزون الجيني نفسه. وهما اصدرا كتابا بهذا الخصوص للتو.

معضلة

منذ اولى عمليات زرع الكلى في الخمسينات، اجتاز الطب طريقا طويلا. لكن ثمة حدودا يبدو من المستحيل حتى الان تجاوزها، ومنها زرع الدماغ لاسباب تقنية واخلاقية في آن.

ويوضح الجراح ديفيد نصرالله من جامعة اكسفورد لوكالة فرانس برس \"الاعضاء الاكثر تعقيدا في عمليات الزرع هي تلك المرتبطة بالجهاز العصبي. لذا فان عمليات زرع العيون والدماغ غير ممكنة راهنا\".

في نوفمبر/تشرين الثاني، قال الاخصائي الايطالي سيرجو كانافيرو انه زرع رأس جثة على اخرى. وهو يريد على المدى الطويل ان يأخذ رأس مريض حي يعاني من الشلل ويزرعه على جسم شخص متوف. والهدف من ذلك جعل شخص مشلول يستعيد القدرة على المشي.

وهذه الامكانية تذكر اكثر بفرانكشتاين منه بالجراح الجنوب افريقي كريستيان برنارد صاحب اول عملية زرع قلب في العام 1967. وقد اثارت ردود فعل مشككة كثيرة وانتقادات عديدة. فهي تطرح مسائل اخلاقية جدية.

وكتب خبيران في الاخلاقيات الحيوية انتو كارتولوفني وانطونيو سبانيولو في مجلة \"سورجيكل نورولوجي انترناشونال\" ان \"ذكرى الدور الذي كان يقوم به الجسم السابق في هوية المريض قد تدخل في صراع مع الجسم الجديد\". واضافا \"نرى ذلك في عمليات زرع اليدين والوجه، لان ذلك قد يؤدي الى مشاكل نفسية خطرة قد تصل الى حد الجنون او الموت\".

قلب الاسد

ويقول الاستاذ اوليفيه باستيان من الوكالة الفرنسية للطب الحيوي لوكالة فرانس برس ان \"الجانب الاكبر لعمليات الزرع غير الممكنة راهنا، يتعلق بالطعوم المغايرة اي اعضاء مأخوذة من حيوانات\".

والهدف من ذلك تعويض النقص في المتبرعين. الا ان مسألة نبذ العضو لا تزال من دون جواب حتى الان.

ويوضح باستيان \"لقد حصلت محاولات في الخمسينات والستينات مع زرع كلى شمبانزي على سبيل المثال. الا ان الفشل كان فوريا\".

لكن ثمة باحثين يحاولون تعديل جينات حيوانات مانحة، لتجنب عمليات النبذ.

وهنا ايضا تدخل المسائل الاخلاقية الى المعادلة.

ويؤكد الاخصائي \"يجب التحقق من عدم نقل امراض حيوانية غير موجودة لدى الانسان\". ويتساءل \"الى اي حد يمكن تعديل النظام المناعي لدى الحيوان\" في سبيل استئصال اعضاء منه، ما يعرضه لامراض\".

حدود اخرى؟

وامتنع جراح الجندي الاميركي الذي زرع له عضو ذكري وكيس للخصيتين عن زرع خصيتين له لاسباب اخلاقية... مع ان ذلك ممكن من الناحية التقنية.

ويقول البروفسور باستيان ان \"الامر سيكون بمثابة مساعدة على الانجاب بشكل مبطن كما لو اننا نزرع مبيضا لامرأة\".

فلو ان هذا الرجل الذي تلقى الخصيتين انجب طفلا فسيكون عبر المادة الجينية للمتبرع المتوفي الذي سيكون عندها الاب البيولوجي للطفل.

والمسائل كهذه تكثر مع \"الثورة الهادئة\" التي يشهدها مجال عمليات زرع الاعضاء على ما اكد الخبيران الاميركيان ارثر كابلان ودانكن بورفس في مقال نشر العام المنصرم.

وكانت عمليات الزرع في الماضي محصورة باعضاء حيوية مثل القلب والكبد والرئة والكلى لكنها قد تشمل الان اعضاء اخرى لتحسين حياة المرضى من وجه ويدين ورحم وعضو ذكري. غير ان هذه العمليات الاخيرة لا تشكل سوى جزء ضئيل من المجموع.

يضاف الى ذلك ان العلاجات القوية المثبطة للمناعة التي تحارب عمليات نبذ الجسم للعضو المزروع لها اثار جانبية لا يستهان بها قد تصل الى حد الاصابة بالسرطان. فاذا كان الوضع مبررا عندما يتعلق الامر باعضاء حيوية، هل ينطبق ذلك على الحالات الاخرى؟

ويؤكد ارثر كابلان ودانكن بورفس \"ينبغي اعادة التفكير بالاطار الاخلاقي الذي بنيت عليه عمليات زرع الاعضاء\".