ما هي استراتيجية الحرب الإسرائيلية الحالية؟
يُعتبر النزاع بين إسرائيل وقوات المقاومة في فلسطين ولبنان أحد أكثر الصراعات تعقيداً وتقلّباً في المنطقة على مدار العقود الماضية.
ولكن منذ السابع من أكتوبر، ومع بدء عملية "طوفان الأقصى" من قِبل الفصائل الفلسطينية، بدأت تظهر علامات على تغيّر جذري في نهج إسرائيل تجاه هذا النزاع. هذا التغيّر لا يقتصر على ساحة المعركة والسياسات العملياتية فحسب، بل يمتدّ ليشمل رؤية أوسع للنظام الإسرائيلي تجاه الأمن القومي والبقاء، وكذلك المفاهيم التقليدية للقوة.
كانت إسرائيل على مدار السنوات الماضية تُظهر حساسية شديدة تجاه خسائر جنودها. فعلى سبيل المثال، كانت استعادة جثث الجنود، أو حتى أسر جندي واحد، تُستخدم كذريعة لشنّ عمليات واسعة ضد المقاومة الفلسطينية أو حزب الله اللبناني. هذه الحساسية كانت جزءاً من استراتيجيات تهدف إلى الحفاظ على التماسك الاجتماعي ورفع معنويات الجنود، وكانت تحمل أهمية خاصة في السياسات الدفاعية الإسرائيلية.
ولكن بعد السابع من أكتوبر تغيّرت هذه المعادلة، فلم تعد إسرائيل تنظر إلى خسائر جنودها على أنها مسألة فردية، بل باتت تراها ضمن إطار أكبر يتعلق بالأمن القومي وبقاء النظام. في حين كانت خسارة جندي واحد في السابق تستدعي ردود فعل سريعة وعنيفة. أصبحت إسرائيل الآن، في مواجهة تهديدات تطال وجودها بالكامل، أكثر تحملاً للخسائر البشرية.
هذا التغيّر يعكس أولوية الأمن القومي الإسرائيلي على أي اعتبار آخر.
حتى وصلت إسرائيل إلى مرحلة تجعل فيها اغتيال قادة حماس وحزب الله أولوية لها بلا تردد. وعلى الرغم من أنها تعلم جيداً أن من سيخلف هؤلاء القادة قد يكون أكثر تطرفاً، إلا أن إسرائيل لم تعد تخشى تبعات هذه الاغتيالات. هذا التغيّر يشير إلى تخطي إسرائيل الخوف التقليدي من إحداث فراغ في السلطة يعزز من قوة التيارات المتشددة، بدلاً من السعي لفتح مساحة للحوار الدبلوماسي أو تخفيف التوترات، اصبحت تتجه إسرائيل نحو إزالة قادة المقاومة جسدياً. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى تقليص القدرة التنظيمية والعملياتية لحماس وحزب الله على المدى القصير، إلا أن عواقبها على المدى الطويل قد تكون خطيرة، من بينها تعزيز التيارات المتشددة وتفاقم العنف.
ومن أبرز الدلائل على تغيّر نهج إسرائيل في هذا النزاع هو تجاوزها للخطوط الحمراء والقواعد التقليدية للصراع. في السابق، كانت هناك قواعد غير مكتوبة تنظم النزاع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية واللبنانية، مثل تحديد الأهداف وتجنب استهداف المناطق المدنية. ولكن إسرائيل الآن تتخلى تدريجياً عن هذه القواعد وتتجه نحو استراتيجية شاملة تهدف إلى إزالة التهديدات بشكل كامل.
هذا التحول في النهج الإسرائيلي يطرح سؤالاً جوهرياً: أين تتوقف إسرائيل؟ وهل ستكتفي بحماية حدودها أم تسعى للقضاء على كافة التهديدات الإقليمية؟
بالنظر إلى هذه التحولات الكبرى، فأن من الممكن أن يتجه الصراع في المنطقة نحو تعقيد أكبر وزيادة في خطورته. فتجاوز إسرائيل للقواعد غير المكتوبة وزيادة الخسائر في كلا الجانبين قد يؤديان إلى تصاعد حدة التوتر والعنف. ويمكن استشراف عدة نتائج رئيسية لهذه التحولات:
1. تعزيز التيارات الأكثر تطرفاً في المنطقة: اغتيال قادة المقاومة وسياسات إسرائيل قد يؤديان إلى صعود قادة أكثر تشدداً. هذا التطور سيجعل من الصعب تحقيق أي تسوية دبلوماسية أو وقف لإطلاق النار مستقبلا.
2. توسيع نطاق الصراع: بالنظر إلى الاستراتيجيات الجديدة التي تتبناها إسرائيل، هناك احتمال كبير أن يمتد نطاق الصراع إلى مناطق أوسع داخل لبنان وربما خارجها. هذا التوسّع قد يؤدي إلى تورط دول مجاورة وقوى دولية.
كما يجب الأخذ في الاعتبار أن هذا المسار سيستمر على الأقل حتى الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة في عام 2024. وفي حال فوز دونالد ترامب في هذه الانتخابات، ستتلقى إسرائيل دعماً أكبر بكثير من الولايات المتحدة. فخلال فترة رئاسته السابقة، أظهر ترامب دعماً كاملاً لإسرائيل واستعداده لتأييد سياساتها العدوانية. لذا مع انتخابه مجدداً، من المتوقع أن تتصرف إسرائيل بجرأة أكبر وتطرف أكثر، مما قد يؤدي إلى زيادة حدة الصراع.
3. زيادة الضغوط الدولية: رغم الدعم الغربي المستمر لإسرائيل، فإن تجاوز الخطوط الحمراء والهجمات الواسعة على البنى التحتية والمناطق المدنية قد يؤدي إلى تصاعد الضغوط الدولية عليها.
وقد تجبر هذه الضغوط إسرائيل على إيقاف تصعيدها أو على الأقل تعديل استراتيجياتها.
بشكل عام، هذه التحولات تشير إلى أن النزاع بين إسرائيل وفلسطين ولبنان قد دخل مرحلة جديدة وخطيرة قد تؤدي إلى عواقب غير متوقعة. ومع تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء والقواعد السابقة، يظل السؤال المحوري هو: هل هناك أي حدود لهذا الصراع؟