محاولة لتفكيك لغم انتخابات 4 جويلية 2019 في الجزائر!

الانتخابات القادمة يجب ان تكون مقدمة للبحث عن حلول وليس مناسبة دستورية لتأجيلها.

كثرت في الآونة الأخيرة الاتهامات المتبادلة بين أطراف مختلفة، سواء عن حسن نية أو بسوء نية، حول اجراء الانتخابات الرئاسية في الجزائر والمحددة يوم 4 جويلية 2019، بين من يرى أنها مناسبة لنيل الشرعية ولو كانت منقوصة تسمح للرئيس المنتخب أن يباشر الاصلاحات الضرورية والتغيير المطلوب، ويفوت بذلك الفرصة على المتآمرين في الداخل والخارج، وبين من يراها مناسبة أخرى لتجديد الواجهة والتلاعب بمصير الشعب والاستمرار في الحكم وتمديد كيان الدولة العميقة الذي تم غرسه في مؤسسات الدولة، ولهذا وجب علينا تفكيك بعض الألغام التي زرعت في الطريق حتى نأمن شرها وشرّ من وضعوها، ونجنب شعبنا الجزائري والوطن مزيدا من التعفين وتضييع فرصة تاريخية للتغيير قد لا تتكرر بعد أجيال.

يجب التمييز أولا بين الانتخابات في الوضع الطبيعي العادي والانتخابات في الوضع غير الطبيعي وغير العادي. فالانتخابات في الوضع الطبيعي العادي هي وسيلة حضارية لنيل شرعية التمثيل الحقيقي،أما في الوضع غير الطبيعي وغير العادي،هي وسيلة لنيل شرعية منقوصة ووهمية تُسيّر الأزمة ولا تعالجها.

دعونا نطرح أسئلة يطرحها المنطق والعقل ويطرحها الواقع بالعين المجردة بعيدا عن التهم المعلبة والكلام الملبّس والمدلّس، والكلام المعسول الذي يعتبر في حد ذاته استراتيجية لتأجيل الحلول، وسياسة التخوين والتشويه التي تطال المعارضين لفكرة الانتخابات في موعد 4 جويلية 2019 عن حسن نية، أو في المقابل الذين يخونون كل من ينادي بضرورة اجراء الانتخابات في الموعد المذكور بنفس التهم،وقد احتار الكثيرون من أصحاب النوايا الحسنة أي طريق يسلكونه في ظل التلبيس والتدليس والدسائس والمقالب والخوف من مصير مجهول.

من هي الجهة التي كانت تشرف عن الانتخابات منذ 1992 والى غاية اليوم؟

من الذي جاء بمحمد بوضياف بعد أن انقلب على ارادة الشعب في انتخابات حرة وأقال الشاذلي؟ وأوصل اليمين زروال الى سدة الحكم؟ ومن الذي دفعه للمغادرة؟ ومن الذي عين عبدالقادر بن صالح في المجلس الاستشاري بعد الانقلاب على الارادة الشعبية سنة 1992؟ ومن الذي عينه في البرلمان وفي مجلس الأمة قبل أن يعين في منصب رئيس الدولة في 2019؟

من الذي عين أحمد قايد صالح قائدا للأركان في 2004 مكان محمد العماري؟

هل كان أحمد قايد صالح معارضا لسياسة بوتفليقة منذ تعيينه والى غاية ترشيحه في 2019 قبل أن يعلنوا رسميا عن خلعه في شكل استقالة؟

من الذي عين أحمد بن بيتور وعلي بن فليس وعبدالمجيد تبون وأويحيى وسلال، في عهد بوتفليقة ومن أزاحهم؟

من هي الجهة التي كانت ترفض تأجيل الانتخابات الرئاسية بعقد ندوة وطنية تسمح بتغيير ولو أنه لا يلبي طموحات الشعب كاملة؟

أليست هي الجهة التي كانت تريد وقف العهدة الخامسة واجراء الانتخابات في موعدها يوم 18 أفريل 2019 دون بوتفليقة؟ وتحت اشراف أحمد أويحيى وتطالب بتطبيق المادة 102 من الدستور ثم رفضتها بعد إزاحة أحمد أويحيى؟

ما الفرق بين إجراء الانتخابات التي كان سيشارك فيها علي غديري وعبدالعزيز بلعيد ووووو في 18 أفريل 2019 ومقري وبن فليس وووو والانتخابات التي ستجري في 4 جويلية بنفس الوجوه مع عملية التزيين؟

هل الشعب الجزائري يطالب بتغيير الرئيس أم بتغيير النظام؟

هل الشعب في غالبيته قدم مرشحا ينال ثقته وهو الآن ينشط له على أرض الميدان؟

إذا كان الشعب في الواقع يطالب بتغيير النظام فما هي الاليات التي يطالب بها الشعب؟ هل هي نفس الآليات التي ألفها الشعب؟

هل الشعب يثق في حكومة بدوي وهي التي كانت تشرف على الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 18 أفريل 2019؟ وهل الشعب يثق في بن صالح ويثق في الادارة؟ وفي نفس الوقت يطالب بتغيير النظام؟

المنطق نفسه يطرح السؤال الآتي: هل نحن في وضع طبيعي أم في وضع غير طبيعي إذا؟ وعليه - وجب تفكيك هذه الألغام:

فيه أربعة أطراف: طرف ماكر يريد البقاء في السلطة ويمسك بزمام الأمور يتخفى بقناع طرف يريد الانتخابات يوم 4 جويلية 2019 عن حسن نية. وطرف ماكر يريد العودة للسلطة، ويتخفى بقناع طرف آخر يريد تأجيلها عن حسن نية، حتى يمهد له الأرضية.

الشعب الجزائري في غالبيته يريد تغيير النظام بمن فيه الطرف عن حسن نية من الذين آمنوا بالانتخابات في موعد 4 جويلية 2019، كما سبق وأن شرحت، والشيء الذي يجمع هذا الطرف عن حسن نية والطرف الآخر الذي يريد تأجيلها عن حسن نية كذلك هو الخوف المشترك على أمن البلاد وكلاهما ليست لهما القوة.

طرف يخشى تدهور الوضع ويريد أن يجعل من محطة 4 جويلية يوما للإنتصار ويوما لنيل الشرعية التي تسمح للرئيس الجديد بمواصلة تفكيك الدولة العميقة حسبه،وطرف يرى أن يوم 4 جويلية يوم للإلتفاف على مطالب الشعب، ويوم للمراوغة وإعطاء شرعية مزيفة لرئيس واجهة،وتضييع فرصة تاريخية.

طرف يرفض الانتخابات يوم 4 جويلية 2019، لا يرفض الانتخابات في جوهرها كوسيلة حضارية لنيل الشرعية عبر الصناديق، ولا يرفض الارادة الشعبية المعبر عنها بطرق شفافة وصادقة، وإنما يرفض تزوير الارادة الشعبية في انتخابات لم يستشر فيها ولم تتوفر الشروط الموضوعية لا جرائها وانجاحها بشكل يعبر فيها الشعب عن ارادته.

وطرف يرفض الانتخابات يوم 4 جويلية 2019 حتى يزيد من طول المدة لانهاك الشعب ويهيئ الاوضاع لتعفينها لان التغيير لا يخدمه وسيهدم الأصنام التي صنعها ويحطم مخططاته، تسنده أقلية منبوذة شعبيا تعمل على المحاصصة لأنها تفتقد الى قاعدة شعبية.

الذين رفضوا العهدة الخامسة من الطرف الذي يرفضها عن حسن نية كانوا يسعون الى حلّ جذري هم أنفسهم من يرفضون اليوم الانتخابات الشكلية التي ستجري يوم 4 جويلية 2019 والتي ستكون بلا شك انحرافا خطيرا لو حصل لأن الذين يدفعون اليها عنوة من الطرف الذي يريدها عن سوء نية، لا يقيمون في الحقيقة وزنا للإرادة الشعبية، وإنما يريدونها مناسبة أخرى لاستعمال الهروب الى الأمام متخفين بالحراك الشعبي.

وعليه: على الطرف الذي يؤيد اجراء الانتخابات يوم 4 جويلية 2019 حبا في الشعب والوطن وعن حسن نية والذين يرفضون الانتخابات يوم 4 جويلية حبا في الشعب والوطن وعن حسن نية أن يجدا حلا توافقيا يمكنهم من تغيير النظام ولا يسمح للطرفان الآخران أن يستعملاهما للبقاء في السلطة أو العودة والوصول اليها بالمكر والدسائس والمؤامرات،وعلى الشرفاء داخل الجيش والشعب أن يتفطنوا لهذه القضية قبل فوات الأوان.

ما ندعو اليه منذ سنوات هو عقد مؤتمر الجزائر للخروج من الأزمة بشروط وضمانات والمصادقة على ميثاق والنهوض بالوطن بعيدا عن تصفية الحسابات وتكرير المأساة، وتفاصيل المؤتمر في كتاب الجزائر نحو جمهورية جديدة لمن أراد مطالعته.