محمد بركة يبني قصصيا 'عرشا على الماء'

الرواية تتناول قصة داعية دينية يسيئ استخدام مكانته الروحية في قلوب مريديه وجمهوره ليظهر وجها نهما للمال و النساء و السلطة والوجاهة الاجتماعية كما أنه يتورط في أدوار سياسية مشبوهة ربما تضعه ضمن خونة الأوطان.

 صدرت عن دار أقلام عربية بالقاهرة رواية "عرش على الماء" للكاتب المصري محمد بركة والتي تتناول قصة صعود  شخصية "مشهور الوحش" ، كداعية دينية  يسيئ استخدام مكانته الروحية في قلوب مريديه وجمهوره ليظهر وجها نهما للمال و النساء و السلطة والوجاهة الاجتماعية كما أنه يتورط في أدوار سياسية مشبوهة ربما تضعه ضمن خونة الأوطان.

يعود النص إلى طفولة " الوحش" وكيف يكتشف سحر تأثير الزي الديني على المصريين لكنه يتعرض إلى طعنة غادرة حين يجد حبيبته تخونه جسديا مع الغرباء ما يصنع أزمة نفسية ثقيلة الوطأة تحدد علاقته بالنساء طوال حياته. وتكشف الرواية عن جذور التطرف الديني في مصر ومحاولات تغيير هوية المصريين و توجيه بوصلتهم  من التسامح إلى التشدد تحت مسميات واهية وشعارات مختلفة ترفع شعار "القداسة المزيفة".

المدهش في تلك الشخصية أن القارئ لا يستطيع اتخاذ موقف محدد ونهائي منها للوهلة الأولى فهى نموذج إنساني مكتوب برهافة على نحو يكشف تناقضات الرجل وصراعاته الداخلية كشخص يطمع في ملامسة سماء التصوف والتجليات لكنه قدميه تغوصان في وحل الشهوة والماديات.

تقع الرواية في 321 صفحة تتوزع على 40 "ابتهالا " أو فصلا حيث يستهل المؤلف كل فصل بابتهال جديد على لسان الشخصية الرئيسية . و اللافت هنا أن الابتهالات لا تكشف عن حالة من السكينة و الإيمان و الزهد بل تبوح بما يعتري البطل من رغبات دنيوية تؤرقه كما في الابتهال الثاني " يا من جعلت الرعد همسك والبرق عصاك، أسألك بكل أدب وتوقير: لماذا خلقت قلبي شمعة واهنة تتقاذفها رياح النسوة؟" أو الابتهال السادس "اللهم بحق اسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، أسألك أن تجعل لي من اسمي نصيبًا فيعرفني القوم كما يعرفون سعد زغلول ومنيرة المهدية".

وبقول محمد بركة "لا أصادر رؤية المتلقي الذي له كامل الحق في تلقي النص وتفسيره كما يشاء، لكني فقط كمؤلف ونيابة عن دار النشر أؤكد أننا ننظر إلى نموذج إنساني عام وأن للقارئ كل الحق في تفسير الواقع وإسقاطه كيفما يشاء".

ومن أجواء الرواية نقرأ:

" ارمِ بياضك يا جدع.

أتذكرها الآن دون سابق إنذار، البدوية التي فاجأتني يومًا وأنا على الطريق الزراعية عائدًا من دمياط في زيارة لقريتنا:

أشوف الودع وأبيَّن زين.

 انتفضتُ فجأة كأني أدافع عن شرف الأمة:

كذب المنجمون ولو صدقوا.

 قالت بغنج، بوشوم مهنة قراءة الطالع التي تزين وجهًا بادي الحسن:

ومن قال إني من الجماعة المنجمين؟ أنا حميدة جلابة الحظوظ السعيدة.

 أحرجتني وهي تفرش منديلها المليء بالقواقع والأصداف والعملات المعدنية.

ارم بياضك يا جدع من قيمتك ومن توبك، البنت مهما غوت تعشق هوى كعوبك.

 كبرنا فسرقت الأيام براءتنا وعرفت أن "البياض" ليس فقط دراهم معدودات تعلقها في رقبة الريح وتمضي لحال سبيلك. البياض الحقيقي هو عربون النجاح الذي ترشو به الحياة. حصوة ملح تلقيها في عين الزمن" .

 ومحمد بركة كاتب روائي و قاص مصري يعمل بمؤسسة "الأهرام" الصحفية، صدرت له العديد من الأعمال الروائية مثل " حانة الست" التي تتناول القصة المحجوبة للسيدة أم كلثوم و " أشباح بروكسل" و " في العالم الآخر" و " الفضيحة الإيطالية. يصنفه النقاد ضمن أصوات التجديد على خارطة الإبداع العربي و تحظى أعماله باهتمام بالغ. وكان " بركة" أصغر الفائزين سنا في أول مسابقة للقصة القصيرة تنظمها صحيفة " أخبار الأدب" المصرية تحت رئاسة الكاتب الراحل جمال الغيطاني تحت سن 35 عاما  بحضور أديب نوبل نجيب محفوظ عام  1994 وخرجت الصحيفة يومها بعنوان تاريخي " عشرون كاتبا هديتنا إلى مصر".