محمد دحلان ما بين البحث عن دور واستعادة دور

العلاقات العائلية والعشائرية في الضفة من جهة، وخراب غزة وصعوبة تقديم الكثير لها من جهة أخرى، يجعلان تولي دحلان قيادة فتح و/أو السلطة شيئا مستبعدا.

محمد دحلان الرجل الأكثر إثارة للجدل في الساحة السياسية الفلسطينية وربما على مستوى الإقليم منذ صدامه مع الرئيس أبو عمار أثناء محاصره هذا الأخير في المقاطعة في رام الله (2002-2004) ثم صدامه مع الرئيس أبو مازن بعد شهر عسل وعلاقات وطيدة خلال تولي أبو مازن رئاسة الوزراء وخلال السنوات الأولى لرئاسته.

كان دحلان يستمد قوته ونفوذه من شخصيته الكارزمية الصدامية ومن المناصب الرسمية التي تولاها في زمن قياسي: رئاسة جهاز الأمن الوقائي، وزيراً للداخلية، مستشاراً للأمن القومي، عضواً للجنة المركزية لحركة فتح، عضواً في المجلس التشريعي. هذه المناصب وغالبيتها ذات طبيعة أمنية ساعدته على نسج علاقات أمنية ومخابراتية مع الأجهزة الأمنية في الدول الأخرى كما أغرته للتعجل في السعي للرئاسة والزعامة بتشجيع من واشنطن وأنظمة عربية كانت غير راضية عن الرئيسين، أبو عمار الذي قرر أن يموت شهيداً ومن بعده أبو مازن الذي قرر أن يموت رئيساً.

خروج دحلان من الضفة، بعد فصله من اللجنة المركزية لفتح في حزيران/يونيو 2011 ومتابعته قضائياً بملفات ما زالت عالقة واحتضان دولة الإمارات له لم يبعده كلياً عن المشهد الفلسطيني بل وظف تواجده في الإمارات للعب أدوار اقليمية ذات طبيعة أمنية، ومراكمة ثروة وظف جزءاً منها لتعزيز نفوذه في الضفة وغزة وفي التجمعات الفلسطينية خارج الأراضي المحتلة وخصوصا في مخيمات الشتات، ومساعدة المحتاجين في غزة، كما أستغل أزمة حركة حماس المالية والسياسية بعد انهيار حكم الإخوان المسلمين في مصر عام 2013 ليعزز من تواجده في غزة من خلال عودة كثيرين من أنصاره للقطاع وسماح حماس لهم بالعمل السياسي، بالرغم من التاريخ الدموي بينهم، حيث بررت حماس انقلابها على السلطة عام 2007 بانه حسم مع جماعة دحلان والأمن الوقائي وليس مع الرئيس والسلطة، ومفارقة اخرى أن هذا التقارب مع حماس الإخوانية جاء في وقت كان دحلان على رأس جبهة عالمية ضد جماعة الإخوان وجماعات الاسلام السياسي!

في مواجهة محاولة الرئيس ابو مازن ابعاده عن حركة فتح شكل محمد دحلان تيار الإصلاح الديمقراطي في فتح وأسند أمره لسمير المشهراوي وتزايد نشاط التيار بعد التعثر في استنهاض منظمة التحرير وحركة فتح واستمرار الخلافات داخل مركزية فتح أيضاً مع استمرار أزمة السلطة ومحاولات اسرائيل اضعافها واستمرار الانقسام، وتم تداول أخبار عن اتصالات ومحاولة تنسيق مواقف وسياسات بين دحلان وشخصيات من حركة فتح والسلطة من المعارضين للرئيس أبو مازن، مثل ياسر عبد ربه وسلام فياض وناصر القدوة وحتى مع مروان البرغوثي.

مع الحرب الأخيرة على غزة والتي تتجاوز في أهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى غزة الى تصفية القضية الوطنية برمتها أو على الأقل تغيير بنية السلطة ووظيفتها وتكريس فصل غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية، ومع انكشاف مأزق المقاومة في غزة وخصوصاً حماس، ومأزق السلطة والقيادة في الضفة، وغياب كثيرين من منافسيه التقليديين ممن غيبهم الموت أو تراجعت مكانتهم ونفوذهم، برز اسم دحلان مجدداً وخصوصا مع الحضور القوي لدولة الإمارات في المشهد الفلسطيني والاقليمي والحديث عن دور إماراتي إقليمي يحل مجل الدور القطري، حيث تم تداول اسمه في موضوع الميناء وإدخال المساعدات وغزة بعد الحرب، وأهالي القطاع في ظروفهم الراهنة لم يعودوا يهتمون بالشعارات التي يرفعها السياسيون ولا ببرامجهم السياسية ولا بتاريخهم النضالي بل يحتاجون الى من ينقذهم من الموت وحالة الجوع وفقدان الأمل بالحاضر والمستقبل، أياً كان هذا المنقذ، فبالأحرى إن كان منهم وممن عرفوه وخبروه.

في واقع الأمر فإن قلة ظهور محمد دحلان في المشهد خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحرب في وقت كَثُر فيه اللاعبون في الساحة من فلسطينيين وعرب وغيرهم وهو الرجل الذي كان محل اتهام بضلوعه في أكثر من قضية سياسية على مستوى الإقليم، أثار تساؤلات كثيرة، ما إن كان اعتزل السياسة كما صرح سابقا لإحدى وسائل الإعلام؟ أو ينتظر الفرصة المناسبة، ليس كباحث عن دور ومكانة، بل لاستعادة دور ومكانة، سواء على مستوى إدارة قطاع غزة وهو دور كان مُعدا له ويشتغل عليه قبل سيطرة حماس على القطاع عام 2007، أو دور ومكانة على المستوى الوطني يتجاوز دويلة غزة إن توصل لقواسم مشتركة مع حركة حماس وناصر القدوة وربما قيادات في مركزية فتح وخارجها، وهو بهذا يستعيد دورا كان يطمح له في ظل ظروف لم تكن مساعدة له وخصوصا قوة حضور وشخصية الرئيس أبو مازن.

مع استمرار الرئيس أبو مازن على رأس السلطة ومع مؤشرات على أن إسرائيل تسعى لإضعاف حركة حماس الى أقصى حد دون القضاء عليها نهائيا، ورفضها لحل الدولتين بالمنظور الوطني أي دولة مستقلة في الضفة وغزة، ومع واقع أن تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد مصطفى دون توافق وطني مع استمرار الكيان اليهودي برفض مد ولاية السلطة للقطاع مما يجعل عمل الحكومة مقتصرا على الضفة الغربية أو ما تبقى منها وربما يتم تفويت بعض الأموال التي ستخصص للإعمار لحكومة محمد مصطفى لتمويل بعض المشاريع كما كان يجري مع الحكومات السابقة... في ظل هكذا أوضاع فإن أزمة السلطة والنظام السياسي ستبقى على حالها بل ستتفاقم، وخصوصا أن إسرائيل تعمل على استمرار فصل قطاع غزة عن الضفة وعن الدولة الفلسطينية المنشودة، وستستمر في مساعيها لإيجاد قيادة محلية تتولى إدارة أمور القطاع وتوزيع المساعدات والتكفل بمشاريع إعادة الإعمار تحت إشراف إسرائيلي ودولي وعربي.

من المؤكد أن التحدي الأكبر للشعب الفلسطيني هو الاحتلال ومحاولة تصفية القضية، ولكن هناك تحدي آخر سيواجه النظام السياسي والسلطة بعد الغياب القسري للرئيس أبو مازن عن المشهد بالوفاة أو بالعجز عن القيام بمهامه قبل إنجاز وحدة وطنية في إطار منظمة التحرير، ولأن المخرج الوطني الوحيد للخروج من الأزمة الداخلية هو الانتخابات العامة الشاملة وهو مستبعد أو مستحيل في ظل الظروف الراهنة، ومع تقديرنا لبعض الشخصيات الوطنية المؤهلة لقيادة الشعب، فإن القيادة الجديدة للشعب والقضية لن تكون بإرادة وطنية خالصة بل سيكون لواشنطن وتل أبيب ودول الإقليم دورا كبيرا في تشكيلها وضبط ممارساتها.

في اعتقادي أن عودة محمد دحلان للعب دور على المستوى الوطني العام والحلول محل الرئيس أبو مازن في المقاطعة لن يكون بالأمر السهل لأسباب متعددة منها: بقايا قيادات فتحاوية في الضفة تربطها علاقات مقبولة مع إسرائيل وواشنطن والأردن، والطبيعة العشائرية والعائلية للمجتمع في الضفة الغربية لن يسمح بأن يُولي عليهم شخصا من غزة، كما نستبعد عودة دحلان للقطاع في ظل الخراب والدمار الذي لحق بالقطاع وخصوصا في ظل استمرار السيطرة العسكرية على القطاع، ولكن سيُسمح لأنصاره بالعمل في القطاع في ظل أية تشكيلة سياسية وسيكون ذراعه الأيمن سمير المشهراوي مكلفاً بترتيب وتنسيق العلاقة مع القوى السياسية الفلسطينية وبكثير من الملفات وسيكون هو مجرد رئيس شرفي وممول للتيار الإصلاحي.

وفي النهاية علينا الاعتراف بكل ألم، إن من سيحكم قطاع غزة بعد الحرب وفي حالة انسحاب جيش الاحتلال هو من ستختاره إسرائيل أو ترضى عنه في ظل توافق أميركي إقليمي.