محمود حرشاني ينفتح على واقع المجتمع في 'مرايا الروح'
الرواية تتناول قصة شاب يحلم منذ صغره بان يكون صحفيا ان يأتي اليوم الذي يستطيع ان يصدر فيه جريدته الخاصة ولكنه يصدم بعراقيل كثيرة ويواجه عديد الاحباطات ولكنه يصر على ضمان النجاح لمشروعه.
الثلاثاء 2024/02/27
ابوزينب
تونس
صدرت للكاتب والصحفي التونسي محمود حرشاني رواية جديدة تحمل عنوان "مرايا الروح" .بطل رواية مرايا الروح للكاتب محمود حرشاني هو شاب يحلم منذ صغره بان يكون صحفيا ان يأتي اليوم الذي يستطيع ان يصدر فيه جريدته الخاصة ولكنه يصدم بعراقيل كثيرة ويواجه عديد الاحباطات ولكنه يصر على ضمان النجاح لمشروعه، "الصحافة مهنة صعبة تأكل أبناءها كما القطط تماما عندما تجوع. وكم التهمت هذه الصحافة في تونس والعالم العربي من رجالاتها الذين اخلصوا لها. ومنحوها أعمارهم فكانت أجسامهم تذوب كالشمعة جراء الجهد الذي يبذلونه ساعات طويلة من الليل والنهار" .ص9
انور لا يبالي بالتعب ويتنقل من مسقط رأسه في بداية كل شهر الى العاصمة للاشراف وطباعة العدد الجديد من مجلته التي يعود بها بعد طباعتها الى مدينته في الوسط التونسي ويترك جزءا منها لدى الموزع في العاصمة وجزءا آخر تتكفل المطبعة باصاله الى وزارة الثقافة لتوزيعه على المكتبات العمومية. وكلما جاء الى العاصمة لابد ان يتردد على مقاه معروفة في شارع الحبيب بورقيبة حيث يلتقي رموز الأدب والفكر ويحاورهم وهي يتردد على هذه المجالس الادبية مثل مجالس ابوزيان السعدي وومجالس توفيق بكار ومجالس الميداني بن صالح.
"كم مرة شاهد في هذا المقهى صباحا الناقد الأدبي الكبير توفيق بكار مع عدد من الأدباء الكبار والصحافيين المحيطين به" ويقول في موقع اخر عن مجلس أبوزيان السعدي المشهور في أحد مقاهي العاصمة "هو يأتي الى هذا المكان كل يوم بداية من الساعة الخامسة مساء يمكن ان تعدل علية الساعة مجلسه الادبي يبدا من الساعة الخامسة في نفس المكان تقريبا ويستمر الى حدود الساعة السابعة والنصف" كم مرة شاهد في هذا المقهى ابوزيان السعدي يدلف الى المقهى من الباب الكبير في نفس الموعد تقريبا كل صباح وبعد ان يأخذ مكانه الذي اعتاد الجلوس فيه يفتح جريدة الصباح التي يكون قد وضعها أمامه بائع الصحف. ويسحب علبة سجائر العشرين مارس الحمراء ويشعل السيجارة الاولى ويضعها بين شفتيه ولا يتفطن الى نهايتها الا عندما يشعر بلسعة النار بين شفتيه.
ولكنه مع التردد على هذه المجالس نجده وفيا لعادة المشي صباحا على طول شارع الحبيب بورقيبة والجلوس على الارائك الخشبية مساء. والتمشي في الأزقة والانهج الخلفية التي نجد لها وصفا رائعا في الرواية فخي شرايين الحياة فبي العاصمة كما يأخذنا الكاتب الى ازقة المدينة العتيقة ونهج جامع الزيتونة حيث تكاد رائحة اليخور تتسلل للقارئ بين الاوراق كما ياخذا الى ساحة القصبة ومبنى وزارة الثقافة حيث يلتقي بالوزير في لقاء تاريخي كان يحتاجه "خرج انور من مكتب الوزير لا تكاد تسعه الدنيا..فلقد استمع من الوزير الى كلام لم يسمعه من قبل واعتبر ان ما يقوم به من نشاط دون ان يدفعه احد الى ذلك بل يقوم به من منطلق إيمانه وقناعته بدور المثقف في محيطها أمر يستحق التكريم" وهذا اللقاء يعيد له الايمان بقناعاته بدور المثقف ورسالة الاعلامي في المجتمع "كان طول حياته مؤمنا بأن لا قيمة لدور المثقف اوالمبدع اذا لم يحقق الإضافة التي ينتظرها منه المجتمع".
الرواية هي جزء من السيرة الذاتية لصاحبها وقصته مع الصحافة التي دخلها هاويا وتألق في سلم درجاتها واوصلته الى ما كان يخلم به من شهرة ونجاح كما نجد احتفاء بتجارب صحفية اخرى مثل تجربة مجلة الفن السابع ومجلة قصص ومجلة الكشفية وغيرها من التجارب الصحفية التونسية الاخرى.
واهم اللحظات التي يعيشها انور هي لحظات تكريمه من قبل رئيس الجمهورية في قصر قرطاج بعد أن تقرر منحه اعلى درجات وسام الثقافة. رواية مرايا الروح تخرج من دائرة السيرة الذاتية لكاتبها تنفتح على قضايا أخرى مثل قضية الاتجار بالبشر في علاقة نورهان برجل الامن المتقاعد الذي يحاول توظيفها لجمع معلومات وفي علاقة نورهان بالمحامي المتعطش لممارسة الجنس ويحاول استغلال ظروف نورهان وحاجتها للعمل بعد طلاقها لاستغلالها وممارسة الجنس معها في مكتبة دون احترام لحرمة المكتب كما تنفتح الرواية على عالم المهمشين والشواذ الذيم لا يخلومنهم اي مجتمع مثل قعمورة وكرموسة والمسمار وحمصة الذين يشتغلون في الممنوعات والاتجار في المخدرات وسرقة المحلات مستغلين غياب أصحابها وكذلك القيام بالبراكجات واستعمال العنف لافتكاك ارزاق الناس والاعتداء على المارة ومحاولة ترهيبهم ونخويفهم وهي ممارسات اوجدها الانسياب والانفلات بعد الثورة واوجدت طبقة من الأثرياء الفاسدين..
شخصيات نسائية مجروحة
ونعتقد ان الكاتب محمود حرشاني نجح في تعرية هذا الواقع المؤلم في هذه الرواية حيث نلتقي ايضا بنماذج لشخصيات نسائية مهزوزة تعاني اغلبهن مثل شخصية الهام النادلة في المقهى والقادمة من احدى مدن الجنوب بعد الانفصال عن زوجها المصاب بمرض خطير وشخصية سنية الموظفة بمؤسسة اعلامية وتعاني من البرود الجنسي والعاطفي لزوجها "قل لي ما الذي ينقصني انا حتى يخونني مع واحدة من بنات الشارع وبائعات الهوى لا يعرف لها أصلا ولا فصلا".
وعندما لا تجد تجاوبا منه ومع قصتها التي ترويها له تقول له "كلكم على نفس الشاكلة ما ان تضحك لكم احداهن من سقط المتاع حتى تنسون زوجاتكم.. لماذا تفعلن هذا لماذا تبيحون لأنفسكم انتم ايها الرجال ما لا تبيحونه اوترضونه لزوجاتكم".
لماذا تعمد الكاتب محمود حرشاني ان تكون المراة في روايته مرايا الروح امراة مجروحة ومطعونة في كرامتها وفي شرفها. لماذا لم يقدم لنا نماذج للمراة المنتصرة .لماذا نجده متعاطفا مع الهام النادلة في المقهى والتي قدمت الى العاصمة من احدى مدن الجنوب بعد المرور بتجربة زواج فاشلة لم تستمر طويلا؟
حضور المكان في الرواية
ما يلفت النظر في رواية مرايا الروح للكاتب والصحفي محمود حرشاني هو حضور المكان والاحتفاء به مكونا أساسيا من مكونات الرواية مثل حضور المقاهي مقهى الانترناسيونال ومقهى تونس ومقاهي شارع باب بنات والمطاعم الشعبية مثل مطاعم نهج القاهرة مطاعم المدينة العتيقة .لماذا اختار الكاتب ان يحتفي بالمكان كانه يرسم من ثنايا الرواية بطاقة بريدية لمعالم تونس مثل جامع الزيتونة المعمور ومداخل المدينة العتيقة وباعة الزرابي والشواشين وأشجار شارع الحبيب بورقيبة والحركة التي لا تهدا في هذا الشارع.
عموما يمكن القول ان رواية مرايا الروح للكاتب محمود حرشاني.. هي إضافة متميزة في عالم الكتابة الروائية توفرت فيها كل عناصر الجودة المطلوبة لنجاح اي عمل ابداعي..