مخاوف في سوريا على مصير الحريات رغم محاولات الطمأنة
دمشق - تعيش سوريا على وقع حذر شديد من إمكانية استهداف الحريات الحالية خاصة مع تعرض بعض الملاهي والأماكن الثقافية لهجمات متشددين.
ومع وصول السلطة الجديدة ذات التوجّه الإسلامي الى دمشق، توقفت عشتار عن الغناء في الأماكن العامة. لكنها بعد ستة أشهر، عادت الى تقديم أغنيات باللغة الأجنبية أمام جمهور صفّق لها بحرارة، رغم حالة الحذر السائدة بعد تكرار حصول إشكالات.
في دمشق، وبعد الإطاحة بحكم بشار الأسد الذي مارس قمعا وتسلطا على مدة عقود، تتحوّل المقاهي والمطاعم والحانات في العاصمة الى مساحات لنقاش مفتوح حول الحريات السياسية والفردية وقضايا كانت تعدّ من المحرمات، كملفات المفقودين والسجون.
داخل قصر النعسان المبني على الطراز الدمشقي القديم في باب شرقي، تقول عشتار (26 عاما)، وسط إشادة الحاضرين بصوتها، "أّغلقت حانات ومطاعم وواجهت أخرى مشاكل في الترخيص.. لكن الحمدلله أننا عدنا اليوم لنعمل من جديد".
ورغم أن السلطة لم تفرض رسميا قيودا على الحريات والسلوك الاجتماعي، لكن بعض الإجراءات وانتهاكات غالبا ما تُصنّف "فردية"، تثير قلقا وخشية من فرض قيود على الحريات الشخصية.
وتوضح عشتار، خريجة الهندسة التي تستخدم اسمها الفني، "أوقف التغيير (في السلطة) بشكل عام جميع أنشطتنا. وأصبحنا نخشى الغناء بحرية في أي مكان".
وفي الشهر الماضي، أثار اعتداء مقاتلين من مجموعة تابعة للسلطة على روّاد ملهى ليلي، ثم مقتل سيدة بعد أيام بهجوم مسلحين مجهولين على ملهى آخر، المخاوف في مجتمع متعدّد الانتماءات الدينية والاجتماعية. ثم أعلنت السلطات توقيف المتورطين في الهجوم الأول.
ويحضّ المجتمع الدولي السلطة على احترام الحريات كافة وحماية الأقليات وإشراك كافة المكونات والنساء في إدارة المرحلة الانتقالية. وتحاول السلطة، على وقع الانتقادات، أن تقدّم نموذج حكم يتسم بالانفتاح والمرونة.
وتقول عشتار التي تهوى المزج بين أنماط موسيقية مختلفة "لا نرغب بحصول تفرقة، وأن ينقسم المجتمع بين نصفين، واحد يريد (التنوع) وآخر يحاربه".
وتبدي الموظفة المتقاعدة ريما شاشاتي تفاؤلها بالمرحلة المقبلة. وتعرب عن اعتقادها بأن "التصرفات السلبية التي تحصل تكون فردية بشكل عام"
وتقول بتأثر "يلزمنا أن نجتمع معا ونحبّ بعضنا البعض"، مضيفة "يليق بنا الفرح بعد حرب" دامت نحو 14 عاما وأودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص وفرّقت شمل العائلات.
يلزمنا أن نجتمع معا ونحبّ بعضنا البعض
بين الحين والآخر، توثّق مقاطع فيديو يتم تداولها شبانا يطلقون هتافات دينية أو يطالبون بإقفال حانات تقدّم الكحول في أحياء دمشق القديمة. وينفّذ عناصر أمن مداهمات تباعا، يغلقون خلالها حانات لعدم حيازتها رخصة لتقديم الكحول، رغم أنها مفتوحة منذ سنوات.
ويشرح مالك حانة قديمة لوكالة فرانس برس من دون الكشف عن هويته "اعتاد النظام السابق إغلاق حانات لا تملك ترخيصا، ليُعاد فتحها بعد دفع غرامات أو رشاوى. لكن اليوم، يبدو أنها تُغلق نهائيا".
وعلى غرار حانات ومطاعم تمتلك ترخيصا، تستقبل حانته الزبائن حتى ساعات متأخرة ليلا. وتمر دوريات أمن أمامها من دون إشكالات.
ويروي شاب، متحفظا عن ذكر اسمه، أن عنصر أمن سأله عن عبوة ويسكي لاحظ وجودها في سيارته لدى عودته متأخرا من زفاف صديقه. وحاول مصادرتها بحجة أن تناولها "ممنوع". لكن بعد أخذ ورد، سمح له بإكمال طريقه.
على الإنترنت، تتداول حسابات صور ومقاطع فيديو، تهاجم فتيات بثياب البحر أو حفلات راقصة. وتتحدث أخرى عن "تنقيب" طالبات جامعيات. في الشوارع، تجول سيارات تحضّ على الالتزام بتعاليم الإسلام والصلاة. ويثير كل ذلك انقساما عريضا بين مؤيد ومنتقد بشدة.
كما تمّ تداول منشورات عن فصل بين الجنسين في وسائل النقل العام. لكن مراسلين لم يلحظوا أي فصل في محطة رئيسية للحافلات. إلا أن راكبة قالت إن سائق الحافلة طلب منها قبل أيام الابتعاد عن مقعد صديقها في حال أوقفت نقطة أمنية الحافلة في طريقها الى شمال البلاد.
وفي معرض يستحضر لافتات رفعها متظاهرون ضد السلطة خلال سنوات النزاع الأولى في محطة الحجاز، يروي عبدالرحمن اللحام (29 عاما) أن شابا بزي عسكري اعترض على ارتدائه سروالا قصيرا بينما كان يطلب منه عدم التدخين في المعرض.
ويقول "سألني هل تعلم أن لباسك ممنوع وحرام"، ما أدى الى سجال بينهما تدخّل عدد من الحاضرين لانهائه. وفي أنشطة رياضية عدة سواء محترفة أم في مساحات عامة، يندر رؤية فتيات يرتدين سراويل قصيرة.
وفي الأول من يونيو/حزيران، بدأت إعادة افتتاح المسابح في دمشق. وقد أبقى بعضها الحال على ما هو عليه لناحية حرية اللباس والاختلاط، بينما لم يحسم بعضها الآخر قراره.
ومنع فندق معروف الزبائن غير النزلاء من ارتياد مسابحه، بينما أحجم فندق آخر عن تقديم الكحول في مطاعمه، لكنه ما زال متوفرا عبر خدمة الغرف، كما أكد نزلاء.
في هذا الوقت، يؤكد كثيرون أنهم فرحون بسوريا الجديدة، مثل مجد النعسان (33 عاما) الذي عاد الى دمشق مطلع العام بعد عشر سنوات في النمسا.
ويقول الشاب الذي ينظم حفلات موسيقية وفنية "ثمة قلق، لكنه لا يتعلق بالحكومة فقط، بل بكوننا ما زلنا على طريق استتباب الأمن". ويضيف "ثمة قلق في دمشق، لكن هناك أيضا إرادة حياة".
وخلال توقيع كتاب في مقهى دمشقي شهير، يقول محمّد مأمون الحمصي، وهو سياسي سابق ومعارض بارز لحكم الأسد الذي سجنه لسنوات، لفرانس برس "مهما صدرت آراء قد نختلف عليها، لكن في النهاية ستنتصر دمشق". ويضيف "أثبتت دمشق أنه لا يمكن اختطافها، دمشق للجميع".