مدينة التناقضات تستعد للاحتفال بذكرى انشائها

سان بطرسبرج - من إيفا-ماريا مستر
عجوز روسية تحاول بيع السجائر للسائحين بشوارع المدينة

يجري العمل على قدم وساق في شارع نيفسكي بروسبكت الرائع الذي يمر في مدينة سان بطرسبرج، إذ حفرت الارصفة وارتفعت السقالات حول العديد من القصور الفخمة، ويزداد الطلب على البناءين والرسامين وغيرهم من المختصين في الوقت الذي تتأهب المدينة للاحتفال بمرور 300 عام على إقامتها في عام 2003.
وكانت مدينة سان بطرسبرج منذ انشائها مسرحا لتطورات الحياة السياسية في روسيا، فقد كانت عاصمة قياصرة روسيا، ثم كانت المدينة التي شهدت احد اشهر معارك الحرب العالمية الثانية.
وتمتد المباني ذات الطراز الباروكي إلى جانب الابنية الكئيبة التي شيدت في العهد الشيوعي في ذلك الشارع الذي تجلس فيه النساء البدينات لبيع الخضار، في مزيج من جو الانفتاح الجديد والماضي المليء بالاسرار الذي يجعل من سان بطرسبرج مدينة التناقضات.
ويعد شارع نيفسكي بروسبكت عالم صغير تلتقي فيه الاشياء المتنافرة. ويتواجد مصممو الازياء أمثال برادا وفالنتينو في هذه المدينة منذ فترة طويلة. وتقول المترجمة ناتاشا أن أحد دور الازياء كان "إبان حكم القياصرة يعرف باسم «قاتل الازواج» لاسعاره المرتفعة".
وأضافت ناتاشا أن ذلك الواقع قائم حتى الان. فأسعار محلات الجيل الجديد من المصممين تتجاوز ميزانيات معظم الاشخاص. وتقول "إننا نشترى ملابس مستعملة".
ويوصف مطعم يليسييف في 65 شارع نيفسكي بروسبكت بأنه اجمل المطاعم في أوروبا نظرا لديكوره الفني الرائع.
غير أن السكان المحليين لا يقفون في طوابير أمام المحل. فنحو 1.2 مليون من سكان المدينة البالغ عددهم 4.7 مليون نسمة متقاعدون. وهم الخاسرون الماليون في اطار التغييرات الاجتماعية الهائلة التي حدثت في السنوات الاخيرة.
وعلى بعد محطتي مترو فقط من شارع نيفسكي عند محطة فلاديميرسكايا تجد حياه عادية بمدينة سان بطرسبرج في سوق كوسنيشني ريوك. فهناك اللحوم والنقانق المعروضة بكميات كبيرة على ألواح من الرخام المبرد تنتظر الزبائن.
وتعرض السيدات البدينات ايضا في ذلك السوق المخلل، بينما يحاول التجار القادمون من منطقة القوقاز جذب الزبائن بالمزاح. وقالت مترجمتنا "هنا تحصل على أفضل النوعيات بأسعار معقولة".
ويوجد بجوار السوق، المنزل الذي عاش فيه الكاتب الروسي الشهير فيودور دويستويفسكي حتى وفاته في عام 1881. وعلى بعد بضعة منازل كان يعيش المؤلف الموسيقي بيتر تشايكوفسكي الذي توفي أيضا في مدينة سان بطرسبرج.
ويطل أحد جوانب جراند أوتيل يوروب الذي يعد من أشهر الفنادق التقليدية الفاخرة في المدينة، على شارع نيفسكي بروسبكت وأعيد افتتاحه نهاية عام 1991 من قبل سلسلة فنادق ومنتجعات كيمبنسكي.
ويقدم هذا الفندق عرضا خاصا للاقامة في فصل الشتاء يطلق عليه اسم "الايام البيضاء"، حيث تبلغ قيمة الاقامة في غرفة مزدوجة لمدة ثلاثة ليالي نحو 500 دولار أميركي (573 يورو).
الا أنه يمكن لاصحاب الميزانيات الاصغر أن يحصلوا على انطباع عن سان بطرسبرج القديمة بتناول الشاي في ردهة الفندق.
ويعتبر متحف "القطب الشمالي والجنوبي" المجاور والواقع عند 24 ايه شارع أوليزا ماراتا، بالقرب من محطة مترو ماياكوفسكيا، عالم مختلف عن واقع اشتراكي. ويبدو أن الزمن توقف هنا. ويرتدي موظفو المتحف أزياء رمادية اللون ويطبقون نظاما صارما.
وتعطي معروضات المتحف انطباعا بأن القطبين اكتشفا من جانب علماء سوفييت فقط. كما أن للمتحف الذي افتتح في عام 1937 سحر خاص لكونه أقيم في كنيسة سابقة.
ومعظم الكنائس في سان بطرسبرج مملوكة للدولة ومن بينها كاتدرائية نيفسكي وكنيسة قيامة المسيح بشارع جريبوييدوف قنال 2-إيه وهي الكنيسة الوحيدة بقباب على الطراز الروسي. وكان بطرس الاكبر مؤسس المدينة قد منع إقامة القباب الروسية.
وقد بنيت كنيسة قيامة المسيح في عام 1883 في الموقع الذي شهد مقتل القيصر إسكندر الثاني قبل ذلك بعامين. ورسوم دخول كافة الكنائس والمتاحف والمسارح أعلى بكثير للاجانب منها للروس.
ومن غير المرجح إزالة التناقضات الموجودة في سان بطرسبرج بحلول الاحتفال بالذكرى الثلاثمائة للمدينة العام المقبل. ولكن المدينة ستكون في صورة جديدة. فاستثمارات الدولة والقطاع الخاص لاقامة مشروعات البنية الاساسية هذا العام تبلغ نحو ملياري دولار (2.3 مليون يورو).
وتشمل الخطط توسيع المطار وإقامة طرق جديدة حسبما ذكرت لودميلا بوتكينا نائبة رئيس لجنة السياحة بالمدينة. وستستمر الاحتفالات بهذه المناسبة على مدار العام وتتضمن إقامة حفلات موسيقية ومعارض ومهرجانات ثقافية.