مساحيق تجميل أوروبية للعقوبات الأميركية

هناك عصا أميركية مرفوعة في وجه إيران وهناك جزرة أوروبية تنطوي هي الأخرى على حل.

ما تعهد به الاوروبيون أمام إيران لا يمكن أن يكون حقيقيا في قدرته على مقاومة العقوبات الأميركية. وهو ما تعرفه إيران جيدا غير أنها تمني النفس بمعجزة، من شأن وقوعها أن يخفف من تأثير تلك العقوبات التي سيبدأ تنفيذها في الشهر القادم.

لا يملك الاوربيون الكثير من الحرية على مستوى اتخاذ القرار في مجالي تصدير النفط والغاز الإيرانيين وحركة الأموال من إيران وإليها. كلا الامرين مرتبطان بما تقرره الإدارة الأميركية من خلال آليات عمل باتت تقليدية وليس أمام أوروبا سوى الانصياع لتنفيذها.

ذلك واقع يمليه تاريخ من المصالح الاقتصادية المشتركة التي لا يمكن لأحد -كائنا من كان- أن يفكر في إمكانية التفريط بها من أجل انقاذ النظام الإيراني الذي لا يملك سجلا مشرفا على الكثير من الأصعدة، ومنها خرقه الدائم لحقوق الإنسان والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عديدة ودعم وتمويل جماعات ومنظمات متهمة بالإرهاب.

الأهم من ذلك كله أن من السذاجة الاعتقاد أن أوروبا تثق بالنظام الإيراني إلى درجة الوقوف في وجه الولايات المتحدة دفاعا عن مصداقية، لم يثبت النظام الإيراني أنه يتصف بها في مجال علاقاته بالآخرين.

ربما حاولت أوروبا من خلال عروضها تقريب النظام الإيراني من الحقيقة. حقيقة أن على ذلك النظام من أجل الخروج من فك طوق العقوبات الأميركية عن رقبته أن يقوم بالاستجابة للمطالب الأميركية الاثني عشر التي عرضها وزير الخارجية الأميركي بومبيو شرطا للاستمرار في الاتفاق النووي الذي صارت الولايات المتحدة تعتبره جزءا من الماضي.

في المقابل فإن أوروبا لا يسعها أن تضغط على الولايات المتحدة من أجل تليين موقفها. لا لأنها لا تستطيع وهو أمر مؤكد بل لأنها لا ترغب في القيام بذلك، بسبب اقتناعها بالموقف الأميركي.

فأوروبا حين تعرض على النظام الإيراني حزمة من الاقتراحات التي تبدو كما لو أنها نوع من الحماية فإنها لا تفعل ذلك دفاعا عن سياسات ذلك النظام، سواء ما يتعلق منها ببرنامجه التسليحي أو ما يتعلق بنشاطاته العدوانية في المنطقة بل حفاظا على مصالح شركاتها التي تعمل في إيران أو التي تتعامل معها تجاريا.

غير أنه من المؤكد أن الأسباب الأوروبية لن تكون مقنعة للولايات المتحدة بما يكفل تراجعها عن فرض عقوبات على الشركات العالمية التي تستمر في التعاون مع إيران بعد موعد البدء بتطبيق العقوبات.

الشركات العالمية العملاقة فهمت تلك النقطة الحرجة وبدأت في الاستجابة لما تتطلبه من إجراءات تضمن لها الانسحاب بأمان تجنبا للعقوبات المؤكدة. لا يتعلق الامر بالشركات الأوروبية وحدها بل وأيضا بالشركات الصينية التي لا تملك السلطات الصينية المتعاطفة مع إيران إمكانية أن تمنعها من ممارسة حقها في الحفاظ على مصالحها.

من هذا المنطلق يمكن النظر إلى ما تطرحه أوروبا على إيران من جهة كونه نوعا من التهدئة المؤقتة التي تهدف إلى احتواء الذعر الإيراني ودفع النظام الإيراني إلى استيعاب تفاصيل وضعه الحرج.

تنص الرسالة الاوروبية في مضمونها على أن هناك مَن لا يرغب في الحاق الأذى بإيران إذا ما استجابت للشروط الأميركية. وهو موقف لا يختلف كثيرا عن الموقف الأميركي إلا على مستوى التعبير عنه.

كانت الاقتراحات الأوروبية عبارة عن مساحيق تجميل للعقوبات الأميركية. فأوروبا التي عرضت على إيران استمرارها في تصدير النفط والغاز وضمان حصولها على الأموال لا يمكنها في أية حال من الأحوال أن توافق على استمرار إيران في برنامج أسلحة الدمار الشامل وسياساتها التوسعية في منطقة الشرق الأوسط.

هناك عصا أميركية مرفوعة في وجه إيران وهناك جزرة أوروبية تنطوي هي الأخرى على حل. في الحالين فإن النظام الإيراني يدرك أن المطلوب منه هو أن يتراجع وينكفئ على نفسه ويتفرغ لأزماته الداخلية.