مشاركة شخصيات معارضة وتيارات سياسية في انتخابات مجلس الأمة الكويتي

لوحظ في الدعاية الانتخابية الحالية قلة الإنفاق والتوجه نحو الإعلام الاجتماعي والعمل الميداني في الخيام والدواوين، وذلك عكس حملات سابقة كانت تشهد إنفاقا كبيرا من قبل المرشحين.

الكويت - مع اقتراب بدء التصويت لاختيار أعضاء مجلس الأمة المقرر الخميس، يحتدم سباق الدعاية الانتخابية للمرشحين، حيث تنتشر الخيام التي يلقي فيها المرشحون خطاباتهم المليئة بالوعود لجلب الناخبين.

لكن لوحظ في الدعاية الانتخابية الحالية قلة الإنفاق والتوجه نحو الإعلام الاجتماعي والعمل الميداني في الخيام والدواوين، وذلك عكس حملات سابقة كانت تشهد إنفاقا كبيرا من قبل المرشحين.

وجاء التوجه الجديد خلال الحملات الانتخابية للمرشحين بتقليص الإنفاق لعدة عوامل، أبرزها الرقابة الصارمة من قبل الدولة، ومحاولة تكوين خطاب جديد للشعب.

وسعى المرشحون للانتخابات المقبلة إلى التعريف بأنفسهم وبرامجهم الانتخابية عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الشخصية المعروفة لدى الكثيرين.

ويتوجّه الناخبون الكويتيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس الأمة الجديد، بعد شهرين من حل البرلمان ووعد حاكم الدولة الخليجية النفطية التي تتمتع بحياة برلمانية استثنائية مقارنة مع جيرانها، بعدم التدخل في عمل المجلس.

وتهزّ البلاد التي تقع بالقرب من إيران والعراق أزمات سياسية متكرّرة تشمل الحكومة وشخصيات من الأسرة الحاكمة والبرلمان الذي تم حله مرات عدة. وغالبا ما يكون السبب مطالبة نواب بمساءلة وزراء من العائلة الأميرية على خلفية قضايا تشمل الفساد.

والكويت من أكبر مصدّري النفط الخام في العالم وهي أول دولة خليجية تعتمد نظاما برلمانيا في 1962.

وتشارك في انتخابات الخميس وهي الثامنة عشرة في تاريخ الحياة السياسية والسادسة في عشر سنوات، شخصيات معارضة وتيارات سياسية قاطعت الاقتراع منذ عقد متّهمة السلطات التنفيذية بالتأثير على عمل البرلمان.

وقال المرشح عن "حركة العمل الشعبي" التي قاطعت الانتخابات خلال السنوات الماضية محمد مساعد الدوسري لوكالة فرانس برس إن سبب هذه العودة هو مضمون الخطاب الذي ألقاه ولي عهد الكويت نيابة عن أمير البلاد في حزيران/يونيو الماضي.

وأضاف "تضمن تعهدات والتزامات صريحة وواضحة بعدم التدخل في الانتخابات وحماية الديموقراطية".

يقول الخبير والإعلامي الكويتي علي السند، للأناضول، إن المرشحين للانتخابات الكويتية يستخدمون طرقا متعددة، فلا تكاد وسيلة إعلامية أو طريقة في الترويج إلا ويستعملونها.

وأضاف: "لكن لاحظت في هذه الانتخابات بروز أسلوب مختلف وهو صناعة الحدث على أرض الواقع ثم يتم نقله عن طريق وسائل التواصل والإعلام المختلفة".

وأردف السند: "هذا الحدث الذي يُصنع ليس بالضرورة أن يكون كبيراً لكن من خلال تقنية التصوير يتم إبرازه بشكل واسع في الإعلام".

ويرى السند، أن "الإعلام التقليدي وشاشة التلفزيون أصبحت في ذيل قائمة الدعاية الانتخابية وتراجع دورها بشكل كبير، فيما أصبح نصيب الأسد لوسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاِ تويتر وانستغرام، فهم الأكثر استعمالاً في الكويت".

وتابع: "من الملاحظ في الحملة الانتخابية الحالية "استخدام ما يشبه الفيلم القصير الذي يحكي قصة وهو الأكثر تأثيراً في الناس وأفضل من الخطاب التقليدي المباشر، بحيث ترد القصة التي تلخص ما حدث في الماضي وما يمكن أن يحدث في المستقبل ويوضع المرشح كجزء من القصة أو الراوي لها".

وأشار إلى أن "هذا الأكثر انتشاراً في وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى نشر أفلام وثائقية قصيرة توثق لمرحلة ماضية وترسم ملامح مرحلة مقبلة".

ويلفت المتحدث إلى أنه "في هذه الانتخابات تحديداً برزت الدعايات في الخيام من جديد وهي ما نطلق عليه المقرات الانتخابية، وهي عبارة عن مخيمات أو خيام يعتمد عليها كل مرشح لعرض برنامجه الانتخابي أمام الجمهور وجها لوجه".

ويوضح أن الهدف من هذه الخيام هو "استعراض القوة، تحشيد الناس، الحضور المكثف، تسليط الكاميرات والأضواء على هذا الحشد الكبير والالتفاف حول المرشح والهتاف باسمه وتعالج بطريقة درامية بصرية لنشرها عبر وسائل التواصل".

بدوره قال الإعلامي الكويتي يوسف الرفاعي، للأناضول: "الوقت يختلف والدعايات التقليدية عبر التلفزيون والصحف لم تعد تلعب دورا مثلما كانت في السابق"

وأضاف أن "وسائل التواصل هي التي تؤثر وتوجه الرأي العام حالياً"، مؤكدا في الوقت ذاته على "أهمية دور المرشح عبر زيارته وجولاته للديوانيات (أماكن تجمع تقيمها العائلات في المنازل) للاحتكاك مع الناس وهذا ما يساهم بشكل كبير في تدعيم وتعزيز مكانته وترتيبه في الانتخابات".

وسائل التواصل تلعب الدور المهم في الحملات الانتخابية
وسائل التواصل تلعب الدور المهم في الحملات الانتخابية

ويرى الرفاعي، أن "وسائل التواصل تلعب الدور المهم، ونعلم أن كل المرشحين يودون تعزيز تواجدهم عبرها لأنها تستقطب الشباب وتوضح لهم الجوانب التي لا يرونا في الإعلام التقليدي، فلم تعد مطالعة الصحف أو مشاهدة التلفزيون تستهوي الكثير من الناس".

وأشار إلى أن "الخيام والمقار لها الدور الأبرز، فهي ليست فقط مكان يجلس فيه المرشح ويجتمع مع الجمهور وإنما تتحول إلى منتدى انتخابي متكامل وشاهدناها في ترتيب الفعاليات الثقافية والحلقات النقاشية فهي تسمح للمرشح أن يلعب دورا في تنمية الوعي السياسي لدى أطياف المجتمع".

ويقول الرفاعي أن "الصوت الأكثر استماعاً في هذه الانتخابات هو من يبسّط المسائل السياسية المعقدة"، مبينا أنه "في السابق كانت الندوات تستمر لساعات، لكن الآن يريد الناس الرسالة المختصرة المبسطة في دقيقة أو دقيقتين".

واعتبر أن "السياسي أو المرشح الناجح هو الذي يستطيع توصيل الرسالة المطلوبة بشكل مبسط يقنع الناس وفي أقصر وقت".

من جهته قال الناشط الإعلامي خلفية بن خالد الخليفة، للأناضول: "أبرز النشاطات الحالية هو التوجه لبرامج يوتيوب، حتى أن أسعار التلفزيون التقليدي أصبحت منخفضة".

وأضاف الخليفة: "يعمل المرشحون عبر تلك الأدوات في ترسيخ صورهم وأسمائهم لدى مختلف شرائح الرأي العام والتعريف بأنفسهم وخبراتهم ومؤهلاتهم لمحاولة اقناع الناخب بالتصويت لصالحهم".

وأردف أن "الأبرز في الرسائل الإعلامية الابتعاد عن تسويق القوانين والمشاريع الضخمة والتوجه نحو الإصلاح السياسي والابتعاد عن الوعود الوهمية".

وأكد أن "الحملات الانتخابية الأخيرة بالفعل شهدت تراجعا في حجم الإعلان الورقي بسبب الكلفة العالية لهذا النوع مقارنة بالإعلانات الالكترونية الأقل ثمنا".

وتابع الخليفة: "ما زال هناك ما يتابع الصحافة الورقية كإعلانات، لكن الوسائل الالكترونية أصبحت تستقطب الناخبين للتوجه إلى شريحة الشباب".

وكان ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح قال في خطابه "لن نتدخل في اختيارات الشعب لممثليه ولن نتدخل كذلك في اختيارات مجلس الأمة القادم في اختيار رئيسه أو لجانه ليكون المجلس سيد قراراته ولن نقوم بدعم فئة على حساب فئة اخرى".

ودخل قرار حل البرلمان حيز التنفيذ في آب/أغسطس.

ويرى المحلل السياسي عايد المناع أن القيادة الكويتية في هذا الخطاب "طمأنت" الكويتيين "مما شجع القوى السياسية والنواب السابقين المقاطعين على العودة لخوض الانتخابات".

وقد أصدر الأمير في 2021 عفوا عن معارضين سياسيين حوكموا على خلفية قضايا مختلفة.

ويتنافس 313 مرشحا بينهم 22 مرشحة على 50 مقعدا يمثلون 5 دوائر انتخابية، وسط تطلعات بعودة المرأة الى قاعة عبد الله السالم في مجلس الأمة بعدما فقدت مقعدها الوحيد خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الأول/ديسمبر 2020.

وتمثّل النساء 51,2 بالمئة من الناخبين البالغ عددهم 795920ناخبا.

وعلى عكس الانتخابات السابقة التي خيّم عليها فيروس كورونا، سمحت السلطات للمرشحين بفتح مقرات انتخابية وتنظيم مهرجانات خطابية لعرض برامجهم الانتخابية، فيما كثّفت الأجهزة الأمنية جهودها لرصد أي محاولات لشراء الأصوات الانتخابية.

ومن المنتظر أن يُعلن عن النتائج رسميا الجمعة.

وتوقّع الدوسري "تعاون غالبية أعضاء مجلس الأمة الجديد مع الحكومة من أجل الإصلاح وتفكيك حالة الفساد التي طغت على البلاد مع إقرار خطة تنمية حقيقة".

وعلى غرار جيرانها، تطمح الكويت إلى تنويع اقتصادها المرتهن بشكل شبه كلي للنفط، لكن البيروقراطية والفساد وعدم وجود خطط تحول اقتصادي فعالة تهدد بوضع الدولة الحليفة للولايات المتحدة والتي تستضيف آلاف الجنود الاميركيين، أمام صعوبات اقتصادية كبرى.

كذلك، تفتقد الكويت التي تضم خليطا من السنة والشيعة ويبلغ عدد سكانها نحو 4,2 ملايين نسمة، لوجود قيادات شابة على عكس الدول الخليجية الأخرى التي باتت تعيّن السياسيين والدبلوماسيين الشباب في مناصب عليا.

وأعرب الكويتيون في السنوات الأخيرة عن رغبتهم في الإصلاح والتغيير في البلد حيث يشكل الوافدون 70% من السكان.

وتواجه الكويت تحديا آخر يتعلق بمصير عشرات آلاف البدون، السكان الذين لا يحملون جنسية، وتتعرض لاتهامات بمعاملة هؤلاء بطريقة تمييزية.

إضافة إلى ذلك، واجهت الكويت تحديات أمنية تمثّلت خصوصا في وجود شبكات تدعم جماعات مسلحة في المنطقة. وقد شهدت هجمات دامية آخرها في 2015 حين فجّر انتحاري نفسه في مسجد شيعي فقتل 25 شخصا وأصاب أكثر من 200 بجروح.

ووفق الدستور، ستقدّم الحكومة التي يرأسها الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، نجل أمير البلاد، استقالتها غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات.

وكانت المعارضة التي تضم في غالبيتها سياسيين اسلاميين، فازت بـ24 مقعدا من أصل 50 في الانتخابات السابقة، علما انها كانت قد حصلت على انتصار تاريخي في 2012 حين حازت على أكثر من نصف مقاعد البرلمان قبل أن يجري حل مجلس الأمة بعد فترة وجيزة.

وتشكّلت حكومة جديدة في آب/أغسطس على إثر استقالة مجلس الوزراء في نيسان/ابريل بينما كان نواب يستعدون لاستجواب رئيسه الشيخ صباح الخالد الصباح بشأن ممارسات تعتبر "غير دستورية".

والحكومة التي شكلت هي الخامسة خلال عامين.