مصالح تركيا تضع تواجد قيادات حماس فيها على المحك
ما ان انتهت زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى أنقرة حتى بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتناقل أخبار مفادها تحرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد الجناح العسكري والسياسي لحركة حماس كبح نشاطها داخل تركيا، فيما لم يؤكد أي مصدر رسمي تركي هذه المعلومة اكتفت حماس بالتعليق عن زيارة الرئيس الإسرائيلي بحذر وباختيار مفردات غير مستفزة للجانب التركي الذي لم يفصل بعد في القضية.
والواضح تماما أن أردوغان لن يفوت فرصة بعث مشروع ''ايست ميد'' لنقل غاز الشرق الأوسط إلى أوروبا بعد أن رفعت أميركا دعمها السياسي له، ولكن التطورات الحاصلة في أوكرانيا قد تجعل إدارة بايدن تغير موقفها مجددا من هذا المشروع، ويتضح جليا أن إسرائيل لن تفوت الفرصة أيضا في استغلال حاجة أردوغان لهذا التقارب الاقتصادي لجعله تقاربا أمنيا من خلال وضع حماس في قائمة الشروط التي تدعم مشروع ''ايست ميد'' الذي يسيل لعاب أردوغان ويجعله يتقبل شرط إسرائيل القاضي بطرد قيادات عسكرية تابعة لحماس من تركيا.
أردوغان سياسي بامتياز ولا يتحرك بالعواطف الا من أجل خدمة مصالحه السياسية والاقتصادية: لقد وظف أردوغان حماس توظيفا سياسيا في الفترة التوتر وجمود العلاقات بينه وبين دول الخليج ومصر من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ولم يكن يؤمن بفكرة المقاومة بقدر ما كان يؤمن بفكرة المقايضة، حيث جعل من جناح حماس العسكري الناشط في تركيا ''جوكر'' يستعمله متى ما شاء تماما مثل ما فعل مع كوادر الإخوان ليبتز بهم مصر: يتغير الموقف السياسي في تركيا بتغير المصالح وما يحصل اليوم من تقارب في العلاقات مع إسرائيل يؤكد ما تداولته القناة الإسرائيلية الثانية وموقع ''انتل تايمز'' عن القرار الذي اتخذه تركيا بالطلاق مع حماس وزواج المصلحة مع إسرائيل الذي سيسمح لتركيا بتجاوز أزمتها الاقتصادية وسقوط عملة الليرة كما سيوفر حصة معتبرة من الأموال بعبور انابيب النفط الإسرائيلية عبر الاراضي التركية إلى اليونان ثم إلى أوروبا.
تركيا حريصة على ان لا تقع في إحراج يضعها أمام التبرير وتقديم موقف جديد من الحركة لهذا فإن تحركها يجري في تكتم شديد قد يفهم منه عدم رغبتها في اعادة تصنيف الحركة رسميا والذي من المحتمل أن يزعج حلفاء حماس في المنطقة ويزرع الشكوك لدى الإخوان المسلمين في مصر عن احتمالية مقايضتهم في صفقة جديدة مع مصر، ومن غير المستبعد ان تكون تركيا قد اعطت لقيادات حماس الوقت الكافي لإيجاد البديل أو لمغادرة الأراضي التركية بدون ''شوشرة ''.
مرة أخرى يؤكد أردوغان ان المصالح تتصالح على حساب المواقف والمبادئ ويضع حماس في موقف صعب خصوصا وان المواقف الدولية المتزايدة ضدها تزيد من الضغط عليها ولا يستبعد أيضا ان تدير ايران ظهرها لحماس خاصة بعد تلقيها اشارات من الإدارة الأميركية حول امكانية إزالة الحرس الثوري الإيراني من القائمة السوداء للإرهاب والتي تحدثت عنها مصادر لموقع اكسيوس الأميركي: قد تذعن إيران ايضا لشروط أميركا وتغري إسرائيل بالتخلي عن حماس من أجل السماح لها بدخول السوق الأوروبية للنفط والغاز لتعويض ما يمكن تعويضه من الحصص الروسية.
ان الموقف التركي الجديد وزوال الجليد عن العلاقات مع إسرائيل هو ضربة قوية توجه لحماس التي تزداد عزلة إقليمية وقد تجبر إلى إعادة قراءة المشهد حسب ما يجري وحسب ما تقتضيه الضرورة.