مصر.. الإخوان المسلمون اضاعوا كل شيء بسبب انتهازيتهم

الجماعة تعاير الشعب الآن بأن الحريات في عهدهم أفضل من الآن وهو صحيح لكن الحريات أيام المجلس العسكري قبلهم كانت أفضل منهم فالفضل في الحالتين ليس لهم ولكرمهم وديمقراطيتهم ولا كرم المجلس العسكري وقتها وإنما لقوة زخم الثورة في الشارع وقوة حضور الرادع الثوري عبر الحشود المليونية.

  بقلم: جمال سلطان

في أيام الحسم، وأسبوع خلع الإخوان من القصر الجمهوري، جرت الاتصالات المحمومة بين قيادة الجماعة والقيادة العسكرية، في الغرف المغلقة، وجرت اتصالات رجال مرسي مع الأمريكيين ومع الاتحاد الأوربي، فقط الشعب المصري هو الجهة الوحيدة التي كانت غائبة، الجهة الوحيدة التي لم يفكر الإخوان في الاتصال معها، وكانت المعارضة المصرية وشركاء ثورة يناير الغاضبين الجهة الوحيدة غير الموثوقة عند الإخوان، وهذا سلوك عادة ما يفعله الطغاة الذين لا يثقون في شعوبهم، ومن يؤسسون للاستبداد، يحتقرون شعوبهم، ويتصورون أن مصادر دعمهم وقوتهم إما في السلاح أو القوى الخارجية، ويقدمون التنازلات المهينة لهؤلاء وأولئك لكنهم لا يفكرون أبدا في أن يقدموا أي تنازل للمعارضة الوطنية أو شعبهم الغاضب، هكذا فعل الإخوان، تآمروا في الغرف المغلقة لأن كل ما كان يشغلهم أن ينقذوا كرسي ملكهم، حلمهم الذي تحقق بعد ثمانين عاما من العطش والشوق والانتظار، ولو أنهم كانوا يستندون إلى الشعب ويثقون فيه وإلى الثورة وإلى الوطن، لفتحوا كل طرق الحوار مع الشعب والأحزاب والقوى الوطنية، وكان كافيا لإنقاذ رقابهم ـ وإنقاذ كل شيء ـ أن يتأخروا خطوتين، وأن يستجيبوا لتشكيل حكومة وطنية ولو من المعارضة نفسها، ويدعو مرسي لانتخابات مبكرة، بل حتى يدعو لاستفتاء على حكمه، فطالما أنت تثق في شرعيتك وفي قبولك الشعبي، فلماذا تخاف من اللجوء إلى الشعب من جديد، لماذا تدير ظهرك للشعب وتخفي عنه ما يجري، وتذهب لمفاوضة الجيش والأمريكان والأوربيين في الغرف المغلقة.

مرسي والجماعة لعبوا مباراة خاصة بهم مع أطراف أخرى، الشعب ليس حاضرا في حساباتهم فيها، مباراة شطرنج صامتة قوامها الدهاء والخداع، وخسروها، وسحق الوزير الملك، كانوا يتصورون أنهم الأشطر، وعزلوا أنفسهم عن الجميع، حتى حلفائهم المقربين من الإسلاميين ضللوهم وأعطوهم معلومات كاذبة وغير صحيحة عما يجري، مما اضطر بعضهم للاستقالة، لأنهم لا يستطيعون أن يعملوا في أجواء موبوءة كتلك، وأحاط رجال الجماعة خطواتهم وصفقاتهم بالكتمان، وعندما يحذرهم الناصح يطبطبون على كتفه بحنان الكبار وثقة العارفين لبواطن الأمور، فكل شيء مدروس، وكل شيء تحت السيطرة، و"الإخوة" يعرفون جيدا ماذا يفعلون، والخطوات محسوبة، فلا تقلقوا، بينما هم يقتربون من حافة الهاوية السحيقة، والناس جميعا ترى ذلك، داخل مصر وخارج مصر، إلا هم، ثم يريدون أن يحاسبوا الجميع الآن على أنهم عرفوا ولم يوقفوا ما جرى، أو أنه كان ينبغي على أي مصري ساخط ورافض لسلوكهم أن يمتنع عن التظاهر ضد "الأخ" محمد مرسي، لأن المشروع ـ حسب فهم الإخوان للديمقراطية ـ أن يتظاهر الشعب ضد مبارك أو المجلس العسكري أو أي حاكم آخر، لكن التظاهر ضد "رمز الجماعة" هو إثم مبين، وخروج على الشرعية، وخيانة وغدر وانقلاب.

في 2013 لم يكن مر على ثورة يناير سوى عامين تقريبا، والمناخ السياسي العام مناخ ثوري، الشارع حاضر دائما، والموجات الثورية، بل المليونيات بلغة ذلك الوقت، كانت شبه جدول أسبوعي، سواء ضد المجلس العسكري أو ضد الإخوان، مزاج الشعب وقت ذلك كان مزاجا ثوريا، وما حدث في 30 يونيه حدث قبله ضد الإخوان وإن بصورة أقل كما حدث مرارا ضد المجلس العسكري، هو موجة ثورية طبيعية جدا من ارتدادات الهزة الكبرى في يناير، ومفهومة تماما، ومتوقعة تماما، في ظل المناخ السياسي الذي تعيشه مصر منذ تفجر ثورة يناير، وفي ظل جراح عديدة كانت ما زالت مفتوحة بعضها متعلق بدماء الشهداء، حتى وإن شارك فيها فلول وكل من كانت له خصومة مع الجماعة، فلم تكن تلك المليونيات ظاهرة خاصة بالإخوان، ولم تكن المليونيات حالة استثنائية تم اختراعها ضد الإخوان، ولكن لأن الإخوان كانوا يخشون الشارع، منذ أيام المجلس العسكري، ويقفون ضده دائما وخانوا كل الدماء التي سالت في التحرير ومحمد محمود وماسبيرو وغيرها، لأنها لم تكن دماء الإخوان، إنما دماء الشعب العادي ودماء شباب يناير، ورفض مرسي وجماعته طوال سنة حكمه محاكمة أي ضابط أو جندي عن تلك الدماء، ولأن رهان الجماعة منذ عزل مبارك كان على الجيش والمجلس العسكري، فكان كل ما يشغلهم كيف يسيطرون على البرلمان وعلى الرئاسة وعلى الحكومة وعلى المؤسسات تدريجيا، والمسألة لم تكن تحتاج وعيا خاصا لدى المعارضة لكي تدرك هذا كله، وهو ما شحن النفوس بالغضب والخوف على الوطن ومصير الثورة المختطفة، والذي تحول لكراهية مريرة بعد لغة الاستعلاء والاحتقار التي تعامل بها الإخوان مع الجميع في مصر.

يعايرون الشعب الآن بأن الحريات في عهدهم أفضل من الآن، وهو صحيح، لكن الحريات أيام المجلس العسكري قبلهم كانت أفضل منهم، فالفضل في الحالتين ليس لهم ولكرمهم وديمقراطيتهم ولا كرم المجلس العسكري وقتها، وإنما لقوة زخم الثورة في الشارع، وقوة حضور الرادع الثوري عبر الحشود المليونية، وهو الزخم الذي استنفذوه في توريط البلاد في صراع سياسي مفتوح في الشارع ونشر الإحباط من الثورة التي تسرق أمام أعين الجميع، وهؤلاء المستكبرون الجدد الذين يحتقرون الجميع ويستعينون بالجيش والشرطة لقمع الشارع والمعارضة، وهو الصراع الذي فرغ الجميع فيه طاقتهم، وحطم بعضهم بعضا، فتلاشت قوة الشارع وتضاءل وهج الثورة، ودخل الفلول وكل من له مصلحة أو ثأر مع يناير، فحل الإحباط مكان الأمل وحلت الكراهية مكان وحدة الميدان، حتى لم يعد هناك من يملك الطاقة الآن لمجرد التفكير في النزول أو التظاهر.

أضاعوا كل شيء، وخربوا كل شيء، بسبب انتهازيتهم، وتحصد مصر حتى الآن مرارات غدرهم وخيانتهم لثورة يناير، وأطماعهم البدائية، وهوسهم واستعجالهم لقطف الثمار، والغرور الذي ركبهم، صغيرهم وكبيرهم، وهو ما يستوجب ـ أخلاقيا ووطنيا ودينيا ـ اعتذارهم الواضح والبين للشعب، ولثورة يناير، ثم أن يعلنوا مراجعات شاملة وشفافة لإصلاح المناهج التي ثبت فشلها ألف مرة، ولم تورثهم إلا الدماء والسجون والمعتقلات والصدام المتكرر مع الحكومات والأحزاب والشعوب على حد سواء، ولعلهم يهتدون بعدها إلى البحث عن نشاط إنساني واجتماعي آخر، بعيدا عن السياسة التي لم يحسنوها يوما، وما دخلوها إلا تخريبا للصف الوطني، وخدمة لسلطة جديدة على سلطة قديمة، وقنصا لفتات ما تلقيه سلطات الاستبداد لجماعتهم من كرسي برلماني صغير هنا ونقابة أخرى هناك أو مجلة ودار نشر.

نشرت في "المصريون"

الحلقة الثانية "نعم لقد خان الإخوان الثورة وغدروا بالشعب"