مصر تشارك جهودا دبلوماسية أفريقية لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية

الوفد الأفريقي يتجه للقاء الرئيس الروسي لإقناعه بمقترح وقف التصعيد غداة رفضه من طرف الرئيس الأوكراني.

كييف – بدأت العديد من الدول الأفريقية التي تأثرت سلبا بتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية التي دخلت شهرها السادس عشر دون حسم، في الدفع نحو حلول لتصفير الأزمة، التي لا يبدو أن نهايتها تلوح في الأفق، مع رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عرض الوساطة الذي قدمه الوفد الأفريقي.

وإحدى تلك الدول كانت مصر، التي عدد رئيس وزرائها مصطفى مدبولي، في ختام لقاء رؤساء المبادرة الأفريقية المشتركة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تداعيات الأزمة على القارة السمراء وشعوبها.

وقال مدبولي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع قادة الأفارقة والرئيس الأوكراني إن "الأزمة الروسية-الأوكرانية طالت تداعياتها القارة الأفريقية وشعوبَها، وفق بيان صادر عن الحكومة المصرية.

وأوضح أن "المواطن الأفريقي يشعر بتأثر حياته اليومية سلباً جراء افتقاره إلى احتياجات أساسية، يأتي في مقدمتها نقصُ الأسمدة والحبوب، وهو نقصٌ يتعلقُ بأمنهِ الغذائي، لاسيما أن صادرات كلٍ من روسيا وأوكرانيا من القمح تُمثل 23 بالمئة من السوق العالمية".

وأوضح مدبولي "كان لزاما على زعماء القارة الأفريقية أن يقوموا ببذل مساعيهم الحميدة، حقنا للدماء، وتداركا لتلك الآثار السلبية وتداعياتها على حياة مواطني طرفي النزاع، وحياة المواطن الأفريقي على حد سواء".

وتضررت القارة الأفريقية بشدة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي مع ارتفاع أسعار الحبوب والأسمدة والتأثير الأوسع للحرب على التجارة العالمية.

وتستورد قارة أفريقيا 30 بالمئة من القمح من روسيا وأوكرانيا. وفي عام 2020، استوردت القارة قمحاً من روسيا بأكثر من 3.500 مليون دولار، مما يجعلها أكبر مصدّر للقمح بالنسبة لأفريقيا.

ويشهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورقة الغذاء في مواجهة العقوبات الغربية، فيما تستثمر موسكو الأزمة الغذائية لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية، مستغلة حاجة بلدانها إلى القمح، في الوقت الذي يواجه فيه نحو 346 مليون شخص في أفريقيا انعدام الأمن الغذائي بصورة حادة، ما يجعلهم مهددين بالمجاعة.

وتعدّ مصر التي توفر الخبز المدعوم لأكثر من 70 مليون شخص من أكبر مستوردي القمح في العالم وهي ثاني زبائن روسيا، حيث يبلغ إجمالي واردات مصر من الحبوب ما يقرب من 5.5 مليار دولار، منها 1.6 مليار دولار من القمح الروسي، ونحو 1.4مليار دولار من نظيرتها الأوكرانية.

وفي خضم هذه الحرب، تلقى الاقتصاد المصري ضربة قاسية مع التراجع القياسي وغير المسبوق للجنيه المحلي أمام الدولار الأميركي، الشيء الذي زاد الأسعار التهابا، وزرع جملة من المخاوف حول المستقبل الغذائي للبلاد.

وشدد مدبولي على أنه "منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تبنّت مصر موقفا يُعلي من مقاصد وأهداف ميثاق الأمم المُتحدة ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك سيادة الدول والحفاظ على وحدة أراضيها، وتسويةِ النزاعات بالوسائل السلمية".

وأشار إلى أن ذلك الموقف المصري، عبرت عنه القاهرة بشكل واضح، في كافة المحافل الدولية والإقليمية، وما زالت تنطلق من خلاله جهودها الرامية إلى تحقيق السلام عبر جهد أفريقي مشترك، يهدف إلى وضع حد للنزاع عبر وقف إطلاقِ النارِ وبدء محادثات بناءة تفضي إلى إرساء تسوية عادلة ومستدامة للنزاع تضمنُ صَونَ السلم والأمن الدوليين وتنهي المُعاناة الإنسانية التي تَلحقُ بالمدنيين.

وبحسب المسؤول المصري، فإن بلاده شددت "في إطار تحركاتها مع كافة الشركاء الدوليين نحو ضرورة العمل على حشد الجهود الدولية لنزع فتيل الأزمة، بدلاً من التصعيد وتأجيج الصراع."

وهدف التوصل لتسوية مستدامة للأزمة الأوكرانية، كان المحرك الرئيس وزراء بعثة الرؤساء الأفارقة إلى البلدين، والتي "تأتي في ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد"، بحسب مدبولي، الذي عبر عن أمنياته في أن تسهم المساعي الأفريقية في تحقيق أهدافها، وتحقيق السلام.

وتابع أن "مصر لفتت في إطار تحركاتها مع كافة الشركاء الدوليين إلى ضرورة العمل على حشد الجهود الدولية لنزع فتيل الأزمة، بدلا من التصعيد وتأجيج الصراع".

ويبدو أن المبادرة الأفريقية سيكون مصيرها الفشل خصوصا بعد رفض الرئيس الأوكراني مجدداً أي تفاوض مع روسيا إثر لقائه الجمعة رؤساء أفارقة حضروا إلى كييف لمحاولة التوسط بين البلدين.

واقترح الوفد بقيادة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا الجمعة وساطة سلام في النزاع، مؤكدا من كييف ضرورة حصول "وقف للتصعيد من الجانبين".

وقال زيلينسكي في مؤتمر صحافي مشترك مع مع القادة الأفارقة المشاركين في الوفد إنه قبل غزوها أوكرانيا في فبراير 2022 "حاولت روسيا طويلاً أن تحتال على الجميع عبر (اتفاقات السلام التي وقعت في) مينسك" بهدف تسوية النزاع مع الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا والذين استخدمتهم روسيا للتحضير لهجوم جديد على جارتها.

وأضاف "من الواضح أن روسيا تحاول مجدداً استخدام تكتيكها القديم القائم على الغش. لكن روسيا لن تنجح بعد اليوم في الاحتيال على العالم. لن نمنحها فرصة ثانية".

وتابع زيلينسكي "قلت اليوم بوضوح خلال لقائنا (الوفد الأفريقي) أن السماح بأي تفاوض مع روسيا الآن، فيما المحتل لا يزال على أرضنا، يعني تجميد الحرب وتجميد الألم والمعاناة".

ويضم الوفد أربعة رؤساء هم إلى جانب رامابوزا، ماكي سال من السنغال وهاكيندي هيشيليما من زامبيا وغزالي عثماني من جزر القمر التي تترأس الاتحاد الأفريقي، فضلا عن ممثلين للكونغو وأوغندا ومصر.

ودعا رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا أوكرانيا وروسيا إلى "وقف التصعيد". وتتعرض جنوب أفريقيا لانتقادات من الغرب بسبب بعض السياسات المشتبه بأنها موالية لروسيا، ويشتبه بأنها تورد أسلحة إلى موسكو. كما ستستضيف جنوب أفريقيا قمة دول مجموعة بريكس المقبلة هذا الصيف. وتتألف المجموعة من البرازيل وروسيا والهند والصين إضافة إلى جنوب أفريقيا.

ورحب حلف شمال الأطلسي (ناتو) الجمعة بالوساطة، مشددا في الوقت نفسه على أن "الحل العادل" الوحيد هو الذي يعتبر روسيا المعتدي في هذه الحرب.

وبعد كييف يتوجه الوفد الأفريقي إلى سان بطرسبرغ في شمال غرب روسيا حيث يستقبله السبت فلاديمير بوتين غداة رفض الرئيس الأوكراني.

وقبل وصول القادة الأفارقة إلى روسيا، أكد الرئيس الروسي الجمعة أن الهجوم الأوكراني المضاد على الجبهة "لا يملك أي فرصة للنجاح" وأن الدول الغربية ستضطر في النهاية للحوار معه بشروطه، مشددا "سنرى متى سنتحدث إليها وما هي مواضيع البحث".

وقال بوتين خلال منتدى اقتصادي في سان بطرسبرغ نقله التلفزيون الروسي في بث مباشر، "لديّ الكثير من الأصدقاء اليهود. ويقولون إن زيلينسكي ليس يهوديا بل هو عار على الشعب اليهودي. أنا لا امزح".

وكان الوفد الأفريقي وصل قبل ظهر الجمعة إلى كييف. بعيد ذلك، استهدفت منطقة العاصمة الأوكرانية بهجوم بصواريخ روسية أدت إلى إطلاق صفارات المضادات الأرضية التي تلتها انفجارات. وأدى الهجوم إلى إصابة ما لا يقل عن سبعة أشخاص بجروح على ما أفادت الشرطة الأوكرانية.

ووصف وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا هذه الضربات بأنها "رسالة إلى إفريقيا" وشدد في تغريدة على أن "روسيا تريد مزيدا من الحرب وليس السلام" متحدثا عن "أكبر هجوم صاروخي يستهدف كييف منذ أسابيع".

باشر الوفد الإفريقي مهمته بزيارة بوتشا في ضاحية كييف حيث يُتهم الجيش الروسي بقتل مئات المدنيين في بداية الحرب.

ويحاول الكرملين استقطاب القادة الأفارقة إلى معسكره، مقدما روسيا على أنها سد منيع أمام الامبرالية الغربية ومتهما الغرب بمنع صادرات الحبوب والأسمدة الروسية الضرورية إلى أفريقيا جراء العقوبات.