مصطفى النبيه يصرخ في وجه العالم 'فنانو غزة : هل تسمعوننا'

الوثائقي يرصد واقع ثلاثة أجيال من الفنانين نزحوا وعاشوا معاناة الخيمة والفقد والحرمان فتحولوا من مبدعين إلى منهكين يلهثون وراء أدنى مقومات الحياة.

"فنانو غزة : هل تسمعوننا" فيلم وثائقي  مدته:16 دقيقة، تصوير: الفنان نبيل أبو ديك، مونتاج ومكساج: الفنان إياد أبو زبيدة، إخراج الفلسطيني من غزة مصطفى النبيه، انتاج: مؤسسة أريج الأردنية.

يرصد الفيلم واقع ثلاثة أجيال بأعمار مختلفة من الفنانين نزحوا من بيوتهم وعاشوا معاناة الخيمة والفقد والحرمان، حاصرهم خريف بشع أسقط أحلامهم وشوه حياتهم فتحولوا من مبدعين إلى أناس منهكين، متسولين يلهثون وراء أدنى مقومات الحياة.

تتابع الكاميرا يومياتهم وترصد كيف تم تجريدهم من كل المعاني الإنسانية وأسقطوا في جحيم الخوف.. وكيف نهض موتهم المؤجل واثق الخطى ليقتلهم تدريجياً ويحصد أجساداً تسير على الأرض ويتباهى بوجهه القبيح.. رغم  الوحشية والانكسارات المتتالية تتابع الكاميرا  يومياتهم وانتصاراتهم للحياة.

نحن خلقنا الله أحراراً

فيلم "فنانو غزة: عل تسمعوننا" صرخة مدوية في وجه العالم الأصم، إنهم يحبون الحياة، وينتصرون للجمال، ويرفضون الموت بكل أشكاله، وينحنون لكل من مد لهم يد العون و لو بالكلمة ليخرجون من حرب الإبادة، شاكرينً مؤسسة أريج و"روان الضامن " المدير العام لأريج.. رابط  لفيلم: https://youtu.be/IxwYV5Lp_iA?si=9Zgfl0YHOyId6x3E

 هاتفنا الفنان والمخرج والروائي الفلسطيني من قطاع غزة مصطفى النبيه وسألناه عن الظروف القاسية في الحرب المسعورة التي تم تصوير فيها واختيار طاقم الفيلم والجهة المنتجة.. فأشار قائلا: الفن روح الأمة والسينما صانعة المعجزات ولأننا ننتصر للإنسان ونحب الحياة الحرة الكريمة، أخذنا على عاتقنا أن ننتصر للسينما ونوثق الأحداث، فسلاحنا الكاميرا.. اجتهدنا من خلالها أن نوثق للعالم أوجاعنا، حتى نشعر أننا لسنا وحدنا ومازلنا نحب الحياة و نرفض الموت.

وأوضح صناعة الفيلم، بأن الفيلم تمت صناعته في ظروف معقدة غير طبيعية.. كنا نعلم أننا بكل ثانية قد نغادر الحياة، فالموت يمارس جنونه بشكل عشوائي بيننا، وقد تساقط الكثير من الزملاء الأفاضل رحمهم الله.

واعتبر المخرج النبيه فيلم "فنانو غزة: هل تسمعوننا".. رسالةً لكل فنانين العالم، مبينا أن الشخصيات المبدعة التي تم توثيق يومياتها  لهذا الفيلم رغم أنهم من أجيال وأعمار مختلفة إلا أن وجعهم مشترك ومتشابه، ومنها : خوفهم من الفقد وإحساسهم بالجوع  وعدم شعورهم  بالأمان والغربة التي تطاردهم نتيجة اختلاف الثقافات.

ويلفت النبيه النظر إلى أن مساحة قطاع غزة ضيقة وصغيرة ولكن لكل شارع ثقافة مختلفة وقد فرضت الحرب علينا جميعاً أن نعيش نفس الظروف.

مصطفى النبيه
'إمكانيات صناعة سينما في الحرب هو الجنون بعينه'

الفنان التشكيلي العالمي محمد الديري مات أخوه جائعاً في شمال غزة ومات والده من المرض فعاش القهر وشعوره بالاضطراب والقلق لأنه يعيش بخيمة وللخيمة ظروف قاسية لا تحميه ولا تحمي أطفاله استيقظ ليجد نفسه  بعالم  بدون ملامح ،عالم لا يشبهه تماما.

وكذلك الفنان القدير جواد حرودة انفجر بالبكاء لشعوره بالتهميش وكأنه خارج سياق الحياة ، وجد نفسه  أسير خيمة،  مجردة من كل معاني الحياة وانتقل من عصر التكنولوجيا  إلى العصر البدائي.. وأثناء النزوح فقد أخوته شهداء ما بين خانيونس ورفح.

أما الفنانة لمى جنينة الصغيرة المبدعة التي تنتصر للطفولة استشهد خالها مصورها الشخصي رفيقها بالعمل، الحرب المسعورة اسقطت أحلامها فشعرت بالانكسار والعجز بعد أن اكتشفت أنها لا شيء في الكون جميع شخصيات الفيلم، نزحوا عراة، حفاة بدون مأوى أو طعام أو شراب.. ناموا على الأرصفة والطرقات وستروا أنفسهم بقطع من القماش لا تحميهم ولا تمنع عنهم برد الشتاء ولا حر الصيف... رغم أوجاعهم  والموت  المؤجل الذي يطاردهم.. نهضوا وتناسوا أحزانهم ليسردوا الرواية الفلسطينية للعالم، فهم  كتلة من المشاعر المتدفقة زرعوا السلام ليمنحوا الناس الأمان.

 ويضيف المخرج الفلسطيني مصطفى النبيه، إمكانيات صناعة سينما في الحرب هو الجنون بعينه، "فالكواد كابتر" عدوتها الكاميرا ولو كتب لك النجاة وقمت بالتصوير فستبدأ المعيقات تلاحقك  لا يوجد مواصلات،لا يو جد كهرباء، ولا معدات للتصوير،  والناس تحشر نفسها و تخنقك وهي تتسأل عن السبب وراء التصوير .. همها البحث  عن رغيف خبزها الهارب من بين يديها تحت القصف المجنون.. ورغم وجعنا الشخصي وبحثنا عن قوت عوائلنا إلا  أننا نحاول أن نبتكر أبسط الوسائل، مثلاً لا يوجد "بوم للصوت"  فنصنع بوم من عصا  المكنسة، نربطها بمايك السلكي، وكذلك رغم أن وجود عصا صعب المنال بالحرب، لا توجد أيضا كاميرا كنا  نستعين بالأيفون ونستعين بوسائل النقل البدائية نتعامل معها بدل السكة والكرين ونتوجه للمستشفيات للبحث عن شحن البطاريات أو  اللاب توب للمونتاج أو نستأجر وحدة طاقة شمسية للعمل.. نحرم أبناءنا من قوتهم اليومي لنصنع  ما نؤمن به ونصنع رسالة للعالم... رغم كل الصعوبات والموت الذي أصبح رفيقنا في رحلة النزوح إلا أننا نشعر بالفرح  مع  نهاية التصوير اليومي... الحمد لله الذي توج مجهودنا  بتطوع مؤسسة أريج في المملكة الأردنية الهاشمية ممثلة بمديرها العام الأستاذة روان الضامن على ترجمه الفيلم باللغة الانكليزية ونشره عربياً وعالمياً.