معركة هيئة النزاهة العراقية للقضاء على الفساد تصطدم بنفوذ الأحزاب

هيئة النزاهة العراقية تعلن عن عمليات إلقاء القبض والتحقيق مع مسؤولين على خلفية سوء إدارة وفساد بشكل شبه يومي، لكنها لم تصل إلى مستوى المعركة الحقيقية التي يطمح إليها العراقيون نظرا لبقاء كبار المسؤولين المرتبطين بالأحزاب بمنأى عن المحاسبة.

بغداد - أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية في العراق عن "الإطاحة بمدير المصرف الصناعي فرع شركة التأمين وأمين الصندوق في المصرف بتهمة الاختلاس"، وذلك في إطار حملة مكثفة لمكافحة الفساد المستشري في البلاد لكنها لم تستطع أن تطال كبار المسؤولين المرتبطين بالأحزاب المتنفذة.

وقالت الهيئة في بيان لها "في عملية نوعية وكبيرة وبإشراف مباشر وتوجيه من رئيسها القاضي حيدر حنون، لتكثيف وتيرة العمل الميداني الردعي، تمكنت هيئة النزاهة الاتحادية من الإطاحة بمدير المصرف الصناعي فرع شركة التأمين وأمين الصندوق في المصرف، بتهمة اقتراف جريمة الاختلاس".

وتقوم هيئة النزاهة بشكل شبه يومي بالإعلان عن عمليات إلقاء القبض على متورطين بالجرم المشهود في عمليات فساد، في إطار معركة مصيرية كبرى أعلن عنها رئيس الهيئة  القاضي حنون  ضد الفساد والفاسدين، وحذر من تداعيات ظاهرة الفساد وامتدادها إلى الاقتصاد.
لكن المتابعة للبيانات المتعلقة بعمليات إلقاء القبض والتحقيق مع المسؤولين على خلفية تهم سوء إدارة وفساد، تظهر أنها تطال الموظفين غير المرتبطين بأحزاب وكتل نافذة وما زالت جهود مكافحة الفساد بعيدة عن المعركة الحقيقية التي يطمح إليها العراقيون، نظرا لبقاء كبار المسؤولين الفاسدين بمنأى عن المحاسبة.
وبحسب البيان الذي نشرته هيئة النزاهة فإنه "بعد إجراء التفتيش تم ضبط مبلغ مالي بالدينار العراقي والدولار الأميركي، وجهاز موبايل نوع "أيفون 14 بروماكس"، وبندقية "كلاشنكوف" غير مرخصة" في منزل مدير المصرف، موضحة أنه "بعد الاستفسار من ذوي المتهم، أكدوا أنه أقدم على تأمين مبلغ مالي في منزل صديقة زوجته، حيث تم الانتقال إلى دارها وضبط حقيبة تحتوي على قرابة ربع مليار دينار".

وأوضحت أن "سير التحقيقات الأولية مع المتهمين وأخذ إفاداتهم قادت الفريق للانتقال لمحل سكن المتهم الثاني أمين الصندوق في المصرف وبدلالته، إذ بعد إجراء التفتيش الأصولي لداره، تم ضبط عقد شراء بيع خارجي لقطعة أرض مساحتها (100 م2) باسم زوجته، لافتة إلى أن المتهم قام بشرائها من الأموال المختلسة".

الفساد في العراق يعكس صراعاً على تقاسم الاقتصاد الريعي بين الفرقاء السياسيين وقوى السلطة والنفوذ

وكان القاضي حنون قد دعا في مايو/حزيران الماضي إلى ابتكار ما وصفها بـ"الطرق الحديثة" لمواجهة الفساد، مشدداً على ضرورة العمل بجد لهزيمة "الفاسدين".

ووصف حنون الأجهزة الرقابية والمتعاونين معها من السلطتين التنفيذية والتشريعية، في مقدمتهم السلطة القضائية وجهات إنفاذ القانون والمواطنين الشرفاء، بـ"جيش مكافحة الفساد".

وأشار إلى إن "أموال الشعب وبدل من أن تذهب لخزينة الدولة تذهب لجيوب الفاسدين".
وأكد أن "المنازلة الكبرى والمعركة المصيرية ضد الفساد والفاسدين تم التحضير لها في الأشهر الماضية ".

لكن كل هذه الجهود تصطدم بقوى وأحزاب سياسية أكبر من سلطة القانون فعمليات الملاحقة لا تمثل أداة ردع قوية في إيقاف حالات الفساد المستشري في معظم مؤسسات الدولة.

وتخشى حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني، من سيطرة جماعات النفوذ على الأموال المخصصة للوزارات التي أقرتها الموازنة المالية الاتحادية، وقد أشار السوداني إلى ذلك خلال ترؤسه الجلسة السابعة للهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات غير المرتبطة بإقليم؛ إذ قال مخاطباً المحافظين "ستتم مراقبة كيفية تعاطي المحافظين مع المخصصات وآلية استثمارها واستخدامهم للصلاحيات، كما ستتابع الحكومة خطة كل محافظ وطريقة صرفه الأموال".
وفي إطار جهودها لمكافحة الفساد، أطلقت هيئة النزاهة حملة "من أين لك هذا؟" تستهدف مرشحي انتخابات مجالس المحافظات التي ستجري قبل نهاية العام الجاري وذلك بعد انقطاع دام 10 سنوات.

وقال حنون خلال مؤتمر صحفي أن الحملة تتعلق برصد "تضخم أموال المرشحين في الانتخابات المحلية المقبلة"، مضيفا "علينا أن نأتي لمجالس المحافظات برجال نزيهين".

وأضاف رئيس هيئة النزاهة أن "نجاح حملتي مكافحة الفساد ومن أين لك هذا، بالنسبة لمرشحي مجالس المحافظات يحتاج بالدرجة الأولى إلى تعاون المواطنين والتعاون مع الأجهزة الرقابية لكشف الفاسدين".

ودعا المواطنين في العراق إلى "قراءة قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع لمعرفة الطريق نحو مكافحة الفساد"، مشددا على أن "سكوت المواطن والتهاون في مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين يزيد الفاسدين قوة ويضعف أجهزة الدولة".

وأشاد مواطنون بإطلاق هذه الحملة الاستباقية قبل بدء الانتخابات معتبرين أنها خطوة إيجابية لكشف الذمم المالية للمرشحين لانتخابات مجالس المحافظات والتدقيق فيها درءا لشبهات الفساد وتوظيف المال السياسي انتخابيا.

واعتبروا أن إطلاق هذه الحملة سيزيد من فرص إجراء انتخابات أكثر نزاهة، والحد من استخدام الأموال من قبل مراكز قوى ومرشحين للتأثير في خيارات الناخبين وتوجهاتهم.

وهذه الخطوة مهمة جدا لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وهي بحاجة لدعم ولمراقبة من قبل الرأي العام والإعلام للكشف عن حالات الإنفاق غير المبرر والمبالغ به من قبل الأحزاب ومرشحيها، ومن ثم المساءلة لإثبات مصدر هذه الأموال وأسباب زيادة الإنفاق المحدد مقاديرهبموجب تعليمات مفوضية الانتخابات.

ويصنَّفُ العراق في مؤشر الفساد العالمي ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم، حيث احتلّ المرتبة 157 في التقرير الصادر عن منظّمة الشفافية الدولية عام 2021.
ويقول محللون أن الفساد في العراق يعكس صراعاً على تقاسم الاقتصاد الريعي بين الفرقاء السياسيين وقوى السلطة والنفوذ، وأصبح عبارةً عن شبكات عنكبوتية فهو لا يقف عند حدود شخصيات ذي مناصب عليا في الدولة، وإنما يمتدّ ليشمل مافيات سياسية وشخصيات خارجة عن التوصيف السياسي والطبقات الاجتماعية تعمل على وفق علاقات شخصية مع شخصيات حكومية أو حزبية متنفّذه، أو أنها تعمل تحت اسم “مكاتب اقتصادية” تابعة لأحزاب سياسية أو مليشيات مسلّحة.
ووصفت ممثلة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) جينين هينيس-بلاسخارت، الفساد في العراق بأنه "سبب جذري رئيسي في الاختلال الوظيفي في العراق، لا يمكن لزعيم أن يدعي أنه محصن منه".