مغامرة مسرحية بحثا عن الحقيقة في 'مقال افتتاحي'

فرقة 'حوار' تقدم للمسرح عرضها ما قبل الأول للمسرحية بنمسيك بالبيضاء، بحضور جماهري غفير أعاد الدفء لطقوس الفرجة المسرحية بعد التوقف الاضطراري للاشتغال المسرحي بفعل ظروف الجائحة.
رشيد مصدوق
الدار البيضاء

قدمت فرقة "حوار" للمسرح عرضها ما قبل الأول لمسرحية "مقال افتتاحي" بمسرح بنمسيك بالبيضاء، مساء السبت بحضور جماهري غفير أعاد الدفء لطقوس الفرجة المسرحية بعد التوقف الاضطراري للاشتغال المسرحي بفعل ظروف الجائحة.

المسرحية من تأليف وإخراج محمد زيطان المعروف بكتاباته الدرامية الرائدة وببحوثه ودراساته النقدية، وقد شهدت عودة ناجحة للممثل هشام بهلول إلى الخشبة بعد انقطاع دام لمدة أربع عشرة سنة بسبب تداعيات صحية جراء حادثة سير. وقد شاركه في التشخيص كل من عبدالله شيشة وحنان الخالدي وحسناء المومني، بينما تكلف بالسينوغرافيا والملابس ياسين الزاوي.

المسرحية قامت على إيقاع درامي متوتر، يشد انتباه الجمهور من خلال المفردات الفنية والتقنية الموظفة بإحكام، أضف إلى ذلك عمق النص وتفرد طرحه وتسلسل إحداثه بنوع من التشويق والاختزال. فالعمل يصور عالما يعرف الكثير من التناقضات والمستجدات والتحولات، حيث يسهل على الإنسان أن يغير قناعاته ومبادئه كما يغير قناعا في مسرحية هزلية، حسب المصالح والأهداف المتغيرة والمتحولة. فالنص بسيرورته الدرامية يرصد لقاء مدبرا بين حمزة العرفاوي وفريدة.

وهما صديقان من زمن الدراسة الجامعية، جمعهما حب الشعر والمسرح وربطتهما الهواجس الفكرية والفلسفية والسياسية… لكن بعد مرور مدة طويلة يتلقيان فنجد أنفسنا أمام شخصيتين متناقضتين حد الصراع والتنافر، فالعرفاوي لم يعد يرى في صديقته القديمة ــ الصحفية الناجحة سوى قنطرة اعلامية ليصفي حساباتها الشخصية، وهي بالمقابل تنغلق على نفسها متوهمة أن العالم يمكن أن يُر َسم وفق قناعاته.

هو يرى بأن المقال الصحفي يمكن أن يشترى، فيكتب وفق إملاءاته ومصالحه، وإذا لم يتمكن من شرائه فسيرغم صاحبه على الإذعان والرضوخ لكتابة ما ينبغي أن يكتب، وهي ترى بأن الكتابة الصحفية مبدأ ومغامرة لا يقيدها شيء. لقد برع المخرج في إيجاد وصفة إبداعية قوامها الأداء التمثيلي المدروس والموجه والموسيقى التعبيرية النابعة من صميم البعد الدرامي للعمل، والسينوغرافيا الوظيفية التي توحي بأجواء مقهى ليست كالمقاهي، كل شيء فيها مفكك ومتحرك ويوحي بالوهن والبؤس، ثم لحظات الصمت واللغة الشاعرية الدالة.

مسرحية "مقال افتتاحي" هي مغامرة مسرحية أخرجنا من خلالها محمد زيطان من رتابة الكليتشيهات إلى أفق المسرحة الجادة والمتجددة ليرصد هواجس الانسان حين يحس بأن العالم ليس دائما كما نتصوره… وحين تصبح الحقيقة ضائعة بسبب كثرة مصادر الخبر والمعلومة فيزمننا الراهن، وما يعنيه ذلك من سهولة إشاعة الأخبار دون الالتزام بشروط وقواعد العمل الصحفي، ما دامت الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي، قد فتحت الباب أمام فوضى المعلومات ومعها فوضى الحواس والأحاسيس.