مفاوضات مباشرة بين سوريا وإسرائيل تمهد لاحتواء التوتر
دمشق - في تحوّل لافت، أجرت إسرائيل وسوريا خلال الآونة الأخيرة مفاوضات مباشرة تركزت على بحث سبل التهدئة والحيلولة دون اندلاع صراع في المنطقة الحدودية، على ما أكدته مصادر مطلعة، فيما تأتي هذه المباحثات بعد أيام قليلة من اللقاء الذي احتضنته الرياض منذ نحو أسبوعين بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الانتقالي أحمد الشرع وتزامن مع قرار رفع العقوبات عن دمشق.
وتمثل هذه الاتصالات تطورا كبيرا في العلاقات بين الجانبين في الوقت الذي تشجع فيه الولايات المتحدة الحكام الإسلاميين الجدد في دمشق على إقامة علاقات مع إسرائيل، في حين تخفف الدولة العبرية من قصفها لسوريا.
ويحمل انخراط إدارة الشرع في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل دلالات ضمنية تتعلق بالاعتراف بها، وإن كان الهدف المعلن هو استعادة الأراضي المحتلة.
وقال مصدران سوريان وآخران غربيان ومصدر مخابراتي مطلع من إحدى دول المنطقة إن الاتصالات تأتي أيضا استكمالا لما بدأته محادثات غير مباشرة عبر وسطاء منذ أن أطاحت هيئة تحرير الشام بالرئيس السوري بشار الأسد في نهاية العام الماضي.
واشترطت المصادر عدم الكشف عن هوياتها نظرا لحساسية المسألة بالنسبة للطرفين اللذين لا تربطهما علاقات رسمية ولهما تاريخ من العداء. ولم تُنشر أي معلومات في السابق عن المحادثات المباشرة وما تناولته.
وعلى الجانب السوري، أفادت المصادر بأن الاتصالات جرت بقيادة المسؤول الأمني الكبير أحمد الدالاتي، الذي تم تعيينه بعد الإطاحة بالأسد محافظا للقنيطرة المتاخمة لهضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، تم تعيين الدالاتي قائدا للأمن الداخلي في محافظة السويداء بالجنوب، حيث تتركز الأقلية الدرزية في سوريا.
وتعتبر قضية مرتفعات الجولان السورية المحتلة من أبرز القضايا العالقة بين البلدين، فيما يعتقد أن يشكل هذا الملف أبرز نقاط التفاوض بين دمشق وإسرائيل.
ولا يستبعد مراقبون إمكانية انسحاب إسرائيل من الجولان مقابل ترتيبات أمنية وتطبيع العلاقات، وهو ما يمثل تحولًا كبيرًا في المنطقة.
وكان ترامب قد طلب من الشرع الانضمام إلى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل وتولي مسؤولية إدارة مراكز احتجاز عناصر "داعش" شمال شرقي سوريا.
وللتوتر بين إسرائيل وسوريا تاريخ طويل ومعقد، يعود إلى نشأة الدولة العبرية عام 1948 وقد تصاعد بشكل خاص نتيجة الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية في حرب 1967.
وتعتبر دمشق هضبة الجولان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وتطالب باستعادتها كاملة كشرط أساسي لأي سلام، بينما تتهم الدولة العبرية فصائل معادية لها بدعم وتسليح جماعات تعتبرها إرهابية مثل حزب الله وحماس التي تنشط على حدودها الشمالية.
وتخشى إسرائيل من أن تؤدي حالة عدم الاستقرار في سوريا إلى تعزيز نفوذ الجماعات المتطرفة أو الميليشيات الموالية لإيران بالقرب من حدودها، بينما تبذل جهود دولية لاحتواء التوتر.
ووصف مصدر استخباراتي إقليمي تواصل ترامب مع الشرع بأنه جزء محوري من إعادة تنظيم السياسة الأميركية، التي أربكت استراتيجية إسرائيل المتمثلة في استغلال الفوضى في سوريا بعد سقوط الأسد.
وانحسر التوتر حول السويداء خلال فترة الهدوء النسبي في مايو/أيار بعدما شهدت اشتباكات دامية على مدى أيام بين فصائل درزية مسلحة يحظى بعضها بدعم إسرائيلي وبين مقاتلين من السنة الشهر الماضي.
وشنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية في ظل أعمال العنف هذه، كان من بينها غارة جوية خارج القصر الرئاسي مباشرة قالت إنها تحذير للمسؤولين بسبب التهديدات التي يتعرض لها الدروز.
ورغم أن المحادثات المباشرة تركز حاليا على الأمن المشترك، مثل منع الصراع والحد من التوغلات الإسرائيلية داخل القرى الحدودية السورية، قال مصدران إن المفاوضات قد تساعد في تمهيد الطريق لتفاهمات سياسية أوسع. وقال المصدر المطلع "تتعلق هذه المحادثات حاليا بالسلام... وليس بالتطبيع".
وأشار ترامب بعد لقائه مع الشرع إلى أن الرئيس السوري مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في نهاية المطاف لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت.
ولم يعلق الرئيس النتقالي على هذا التصريح، وقال بدلا من ذلك إنه يؤيد العودة إلى شروط اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 والذي أسفر عن إنشاء منطقة عازلة تشرف عليها الأمم المتحدة في هضبة الجولان.
وبذل حكام سوريا الجدد جهودا لإظهار أنهم لا يشكلون أي تهديد لإسرائيل، والتقوا بممثلين عن الطائفة اليهودية في دمشق وخارجها واعتقلوا عضوين بارزين في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية التي شاركت في الهجوم الذي قادته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأشارت رسالة بعثت بها وزارة الخارجية السورية إلى وزارة الخارجية الأميركية الشهر الماضي إلى أن "سوريا لن تسمح بأن تصبح مصدر تهديد لأي طرف بما في ذلك إسرائيل".
وأظهرت القيادة السورية حسن النية في الآونة الأخيرة من خلال الموافقة على تسليم مجموعة من مقتنيات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي أُعدم منذ فترة طويلة.