منتجعات التزلج تحمل اللبنانيين بعيدا عن توترات الحرب

ارتياد المناطق الجبلية المكسوة بالثلج في لبنان للتزلج أو التنزه يشكّل فسحة للتوقف ولو مؤقتا عن متابعة نشرات الأخبار.

كفردبيان (لبنان) - في منتجع جبلي مكتظ بالرواد بعيدا عن تبادل القصف اليومي على الحدود بين إسرائيل وجنوب لبنان، يسعى البعض إلى المضي بحياتهم والاستمتاع بالثلج والتزلج.

وتقول تالا أسعد المقيمة في بلدة شحيم جنوب بيروت (17 عاما) لوكالة فرانس برس "التزلّج بمثابة متنفس لننفصل عن الأجواء التي نعيشها وعن دوي الغارات" الإسرائيلية، لذلك قصدت هذا المنتجع الواقع على بعد عشرات الكيلومترات شمال شرق بيروت.

في مرتفعات بلدة كفردبيان الواقعة في سلسلة جبال لبنان الغربية، يقول لبنانيون آخرون إن ارتياد المناطق الجبلية المكسوة بالثلج للتزلج أو التنزه يشكّل فسحة للتوقف ولو مؤقتا عن متابعة نشرات الأخبار.

وتروي أسعد كيف سمعت وعائلتها ارتدادات ضربات إسرائيلية طالت الأسبوع الماضي منطقة صيدا في عمق الجنوب، "اهتزّ المنزل بنا".

وتشهد الحدود اللبنانية تصعيدا بين حزب الله وإسرائيل، وذلك منذ اليوم التالي للهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وفي منتجع المزار الواقع على بعد عشرات الكيلومترات عن أقرب نقطة حدودية، يقف المتزلجون من كبار وصغار في صفّ طويل في انتظار الصعود إلى المحطات وترتفع أصوات قهقهة الروّاد بين الحين والآخر.

ويقول إدوين جاركيديان (21 عاما) لوكالة فرانس برس "يبقى الخوف قائما، لكنك تعتاده"، متابعا "كان الخوف أكبر عند بدء التصعيد، لكن إن واظبت على التفكير بذلك، ستتوقف عن عيش حياتك".

ودفع التصعيد عشرات الآلاف من السكان على جانبي الحدود إلى إخلاء منازلهم. ففي لبنان وحده، نزح أكثر من 89 ألفا من بلداتهم الحدودية مع إسرائيل والتي تحوّل بعضها إلى ركام جراء الضربات المتكررة.

وتسود خشية محلية ودولية من توسّع تبادل القصف عبر الحدود إلى مواجهة واسعة بين حزب الله وإسرائيل.

وتقول مسؤولة التطوير والتسويق في منتجع مزار نيكول واكيم لفرانس برس إن الإقبال على التزلج "يسجّل ارتفاعا" هذا الموسم، رغم أن عدد السياح انخفض مقارنة مع العام الماضي.

وترى أنّ اللبنانيين "بحاجة إلى الهروب للجبال لكي ينسوا ما يحصل في الجنوب، لأننا لا نعلم كيف يمكن أن يتطور الوضع".

واصطحب مارسيل سمعان (41 عاما) أطفاله الثلاثة لممارسة رياضة التزلج في منطقة كفردبيان التي غطى الثلج مرتفعاتها واختارتها جامعة الدول العربية السبت عاصمة للسياحة الشتوية.

ويضيف الرجل الذي اختبر سنوات من الحرب "عشنا حياة الحرب ولا نريد لأطفالنا أن يعيشوا اليوم التجربة ذاتها"، متابعا "بالتأكيد قلوبنا معهم (سكان الجنوب) لكننا نودّ أن نعيش حياتنا".

ويتزامن التصعيد جنوبا مع مرور أربع سنوات من انهيار اقتصادي غير مسبوق، باتت معه غالبية سكان لبنان تحت خط الفقر وبالكاد قادرين على توفير احتياجاتهم.

وبات التزلج بطبيعة الحال ترفا بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين في بلد يبلغ فيه الحد الأدنى للأجور نحو مئة دولار مع تدهور قيمة العملة الوطنية خلال السنوات الأخيرة.

ويشير سمعان إلى أن كلفة قضاء يوم تزلج مع عائلته تتجاوز 150 دولارا، وهو ما يعادل راتبا شهريا لجندي أو مدرّس في القطاع الرسمي.

ورغم أن القطاع السياحي ساهم بشكل إيجابي في تحقيق نمو اقتصادي خلال الفترة الماضية، إلا أنّ البنك الدولي توقّع في تقرير أصدره في نهاية 2023 أن يعود الاقتصاد إلى حالة الركود، على وقع غياب الاستقرار الاقتصادي وانعكاسات الحرب الدائرة في قطاع غزة والتي شكّلت "صدمة إضافية كبيرة" لنموذج النمو الاقتصادي اللبناني.

وترى سارة جمعة التي اصطحبت أطفالها إلى كفردبيان وهي لبنانية مقيمة في البارغواي "من يأتي إلى هنا، لا يشعر صراحة بأزمة اقتصادية أو سياسية"، مضيفة "كما لو أن الجنوب ليس جزءا من البلد".