منظمة حقوقية: أنقرة تتغاضى عن جرائم وكلائها شمال سوريا
أنقرة – انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الاحتضان السياسي التركي لعناصر من الفصائل السورية المعارضة المتهمة بارتكاب جرائم خطيرة، وفق ما أظهرت صورا على مواقع التواصل الاجتماعي نشرتها وسائل إعلام محلية في يوليو/تموز الجاري، وتثبت تقاعس تركيا عن ردع الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات التي تدعمها.
وقالت المنظمة الحقوقية في تقرير أن الصور كشفت ترحيبا تركيا حارا بزعيمَي فصيلَيْن من "الجيش الوطني السوري"، وهو تحالف فضفاض من جماعات المعارضة المسلحة التي ترعاها تركيا في مناطق تحتلها في شمال سوريا. وضمت إحدى الصور ترحيب دولت بهجلي زعيم "حزب الحركة القومية" الشريك الرئيسي في الائتلاف الداعم لحكومة الرئيس أردوغان، بالقائدين سيف أبو بكر ومحمد الجاسم المتهمين بارتكاب انتهاكات كبيرة، كما جمعتهما صورة منفصلة مع زعيم مافيا تركية يدعى علاء الدين تشاكيجي، مدان بارتكاب جرائم في تركيا.
وأضاف التقرير الثلاثاء، أن سيف أبو بكر ومحمد الجاسم متهمان من قبل الولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات كبيرة والإشراف على انتهاكات ارتكبها فصيلاهما، "فرقة الحمزة" (الحمزات) و"فرقة السلطان سليمان شاه" (العمشات).
وتشمل التهم الموجهة لهذه الفصائل "القتل خارج القانون، والاختطاف، والتعذيب، والابتزاز، والعنف الجنسي، ومصادرة ممتلكات"، ويخضع الزعيمان السوريان لعقوبات أميركية على خلفية هذه التهم. كما يفعل آخرون متهمون بارتكاب انتهاكات. وتظل المناطق الواقعة تحت سيطرتهم في شمال سوريا خارجة عن القانون وغير آمنة.
أما تشاكيجي، فقد كان زعيما شهيرا لواحدة من أقوى تنظيمات "المافيا" التركية خلال تسعينيات القرن الماضي، وسبق أن أدين من القضاء التركي بارتكاب المئات من جرائم الاغتيالات السياسية وتجارة المخدرات وتأسيس تنظيم إجرامي وسجن لسنوات طويلة، حتى أطلق سراحه عام 2020 بمرسوم تشريعي خاص لقي انتقادات واسعة.
وقالت المنظمة إن تركيا لطالما عززت "بيئة الإفلات من العقاب" في المناطق التي تتمركز بها في الشمال السوري. وأشارت إلى أن الصور التي جمعت الزعيمين العسكريين بشخصيات تركية، "تظهر أن تركيا لا تكتفي بعدم معالجة هذه الانتهاكات، بل أيضا تحتفي بالمسؤولين عنها وتشجعهم". كما أن ارتباط بهجلي علنا بهما يقوّض الجهود الرامية إلى محاسبتهما، ويشير إلى الموافقة الضمنية الرسمية أو التسامح الرسمي مع أفعالهما.
ونفذت تركيا بالتعاون مع "الجيش الوطني السوري" ثلاث عمليات عسكرية داخل سوريا، هي "درع الفرات" وشملت مناطق اعزاز وجرابلس والباب ومارع والراعي، وعملية "غصن الزيتون" وشملت عفرين ونواحيها، و"نبع السلام" وشملت مدينتي تل أبيض ورأس العين. وتنضوي فرقتا "الحمزات" و"العمشات" تحت مظلة "الجيش الوطني"، وتشكلان لوحدهما "القوة المشتركة"، وتتهمان بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين شمال غربي سوريا.
وكانت صرّحت الحكومة التركية بأنها تهدف إلى تحويل المناطق التي تحتلها إلى "مناطق آمنة"، وذلك لإنشاء منطقة أمنية عازلة على حدودها الجنوبية واستيعاب عودة اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا. لكن هذه المناطق ليست آمنة؛ فهي تزخر بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها في المقام الأول فصائل من الجيش الوطني السوري، وتتسم حياة سكان المنطقة البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة بالفوضى القانونية وانعدام الأمن.
وقال أحد السكان السابقين الذي عاش تحت حكم الجيش الوطني السوري لمدة تقل قليلا عن ثلاث سنوات: "كل شيء بقوة السلاح".
ومع الحديث المتكرر لمنظمات حقوقية حول الانتهاكات المتكررة، لم تتدخل تركيا للحد منها في المناطق التي تعتبر ضمن أجزاء نفوذها شمالي سوريا.
واليوم، تحتفظ تركيا بالسيطرة على الأراضي التي احتلتها من خلال قواتها المسلحة ووكالاتها الاستخباراتية، مع وجود أكثر من 100 موقع عسكري وقاعدة ونقطة مراقبة في جميع أنحاء شمال سوريا، وكذلك من خلال سيطرتها المباشرة على الجيش الوطني السوري، الذي تمده بالسلاح والرواتب والتدريب والدعم اللوجستي.
وتمارس تركيا أيضا السيطرة الإدارية على المناطق المحتلة عبر السلطات المحلية في المناطق المجاورة لتركيا. مثلا، ويشرف مكتب حاكم ولاية هاتاي التركية بشكل مباشر على توفير التعليم والصحة والخدمات المالية والمساعدات الإنسانية في عفرين. وفي سبتمبر/أيلول 2023، أفادت وسائل إعلام تركية أن تركيا لديها خطط لتعيين حاكم واحد للإشراف على جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها، لكن حتى يناير/كانون الثاني 2024، لم تحدث أي تطورات من هذا النوع.