من سيحظى بثقة الناخبين الكويتيين، الأرقام أم المبادئ؟

التغيير الحقيقي في الكويت ينطوي على تبديل النماذج السائدة وابتكار نماذج جديدة. استبدال الأسماء يبقينا على ما نحن عليه.

مع تصاعد حدة التنافس الانتخابي واقتراب موعد الحسم، يزداد غموض السؤال عن "من سيحظى بثقة الناخبين؟" يتصدر قائمة أكثر التساؤلات تداولًا في الأوساط الاجتماعية الكويتية، بل وربما يصل إلى حد التطفل والفضول.

وهذا السؤال الهامشي تحول الى سؤال استراتيجي لعدة أسباب منها قدرة الحكومة على تحويل مجلس الامة الى مرتع للثراء الفاحش، بحيث أصبح دخول وجوه جديدة للبرلمان يعني غالبا دخول عناصر جديدة الى عالم الثراء والوجاهة.

اما السبب الاخر فهو سعي وسائل الاعلام لتسخيف دور البرلمان، واعتباره منافسة مثل المنافسات الكروية بين المرشحين، يستعرض كل واحد منهم خطاباته ووعوده امام لجنة من الحكام. ولذا لا استبعد ان نشهد السنوات المقبلة سحب بطاقات يانصيب على توقع من سوف يفوز في الانتخابات.

كنت ولا زلت اعتقد ان الحكومة حولت الانتخابات إلى لعبة أرقام لا يهتم بها سوى المفاتيح الانتخابية، وفرغتها من المبادئ. اما بقية الناخبين فليس عليهم الا السعي لاختيار الاكفأ والاقدر على تقديم اداء برلماني يتناسب مع حجم التحديات.

منطقيا، آخر ما يهتم به المصلحون هو أسماء من يكتب لهم النجاح في الانتخابات. فربما هناك أسماء تنجح في كسب أصوات الناخبين، لكنها تُخفق في الأداء، بل وتلوث الاداء البرلماني بالفساد. وهذا الامر تكرر في السنوات الأخيرة.

ثمة أسماء باعت مواقفها ومبادئها لشيوخ ومتنفذين، وآخرون امتهنوا الخداع وتضليل الناخبين من اجل الاستحواذ على عدد من الاصوات، بينما استغل البعض ثوب الدين والتقوى للتأثير العاطفي على الناخبين والفوز بالسباق الانتخابي.

وكم من نائب رفع صوته معارضاً للحكومة، ثم انقلب موليا لها بعد لقاءٍ خاص؟ وكم من نائبٍ ترك الدفاع عن حقوق المواطنين وتفرغ للتحريض عليهم لخدمة مصالحه الشخصية، ناهيك عن الذين أصبحوا أدوات طيعة بيد من يمتلك النفوذ والمال.

لم تحدث اصلاحات حقيقية في المجالس الاخيرة، ومع ذلك يحاولون إقناع المواطنينَ أنّ عجلةَ الإنجاز قد دارت رحاها، وهم لا يرون سوى موائد متخمة بالاطعمة، وفلل ضخمة، وحياة مُرفهةٍ تهمل احتياجاتِ الشعب وتحتقر معاناته عندما تدعوهُ إلى غبقات رمضانية باذخة تشبه حكايات ألفِ ليلة وليلة.

ولذا بدلاً من التطفل على الاخرين والانشغال بمن سيختاره الناخبون، يجب الاهتمام بتصويب مسارات عمل المرشحين. فخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، شهدنا تراجعا حادًا في طرح القضايا السياسية المهمة، وانطفأ بريق الشعارات الرنانة، وغابت الاولويات، وتعثر الاصلاح.

لذلك اعتقد ان اهتمامنا ينبغي ان يتوجه الى تحديد منظومة العمل التي نريد منها ان تقود الساحة، والتي تهدف إلى تحفيز المشاركة السياسية، وتحسين فعالية الحكومة، وتعزيز المساءلة والشفافية،

ولا يتحقق ذلك الا عبر تداعي قوى المجتمع المدني ونشطاءه لتحديد الاولويات السياسية والتنموية، ضمن عناوين اساسية ابرزها القوانين والتشريعات، والمؤسسات، والثقافة، ومن ثم اختيار من يتوائم تاريخه السياسي والاجتماعي معها.

اذ لا يمكن لمرتشٍ أن يحافظ على موارد الدولة، ولا لمن تورط في خيانة الوظيفة العامة أن يسن القوانين، ولا لسليل عائلة عريقة في نهب الأراضي أن يشرف على الميزانية العامة، ولا يمكن لمن باع ضميره أن يُحافظ على الأمانة الوطنية.

التغيير الحقيقي ينطوي على تبديل النماذج السائدة وابتكار نماذج جديدة. لا ينحصر النقاش في تغيير الأسماء فقط، بل يمتد ليشمل الأفكار والقيم المستهدفة، والتي تتجسد من خلال المناهج والسياسات المراد تطبيقها.