من محاربة احفاد الرسول الى التنسيق مع اسرائيل.. تتغير الحكومات وتستمر الاتهامات

ما حاجة اسرائيل لتنسيق سري مع كردستان في الوقت الذي تطبّع فيه بشكل علني علاقاتها مع دول عربية وإقليمية وتوقع اتفاقيات سلام!
ثورة اصيلة ولدت قبل ظهور اميركا كقوة عظمى وقبل تاسيس اسرائيل
الاتهامات الموجهة ضد كردستان تحولت الى شبه حقائق لدى العراقيين البسطاء

منذ انطلاقها ولغاية يومنا هذا لم تسلم الثورة الكردية من حملات التشويه المنظمة التي تعرضت اليها من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، ليس بعد الاعلان "رسميا" عن تاسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وانما حتى قبلها. فبعد ان تنصلت القوى الدولية عقب الحرب العالمية الاولى عن وعودها للشعب الكردي في المنطقة، بدات الحركة التحررية الكردية في العراق بقيادة البارزانيين عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، لتبدا معها حملات التشويه وتستمر الى يومنا هذا. ففي العهد الملكي استغلت الدولة العراقية الشعور الديني لدى ابناء المنطقة "بعربها وكردها" في شيطنة الثورة الكردية، في تسويق فكرة انها تستهدف محاربة احفاد الرسول متمثلين بالعائلة الهاشمية الحاكمة انذاك. ومن المهم ان نشير هنا الى دور جد كاتب المقال، الشيخ مظهر النقشبندي، في تبديد هذه الاتهامات، ليس في كردستان العراق فحسب بل وفي كردستان تركيا ايضا، حيث وفي زياراته المتكررة للمناطق الكردية جنوب تركيا "وكانت تستغرق احيانا اشهرا لتدريسهم علوم الدين والفقه" لاحظ شعورا مشوبا بالقلق لديهم تجاه الثورة الكردية في اعتقادهم انها تهدف الى محاربة احفاد الرسول متاثرين بالحملة المغرضة ضدها، فبذل جهودا مضنية لتوضيح حقيقة الثورة الكردية لهم، من انها لا تستهدف احدا وانما هي حركة ثورية جماهيرية تطالب بحقوق شرعها الله لعباده من كل شعوب الارض ومنهم الشعب الكردي، ونجح في توضيح الصورة الحقيقية للحركة الكردية عند تلك العشائر وتغير موقفها منها.
وبعد تاسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني استمرت حملات التشويه هذه لتمتد الى العهدين العارفي والصدامي، مع الاخذ بنظر الاعتبار اختلاف ادوات تلك الحملات، فاستندوا الى شعارات القومية العربية، والعداء العربي الاسرائيلي في شحذ الشارع العربي ضد تلك الثورة، وكلنا نتذكر تعابير "الجيب العميل" و"العصاة" و"المخربين" التي كانت تلصق بتلك الثورة، وانها صنيعة اسرائيل واميركا، رغم انها ثورة اصيلة ولدت من رحم الامة الكردية قبل ظهور اميركا كقوة عظمى على الساحة الدولية، وقبل تاسيس اسرائيل في المنطقة، فكيف تكون صنيعتهما؟
والمفارقة ان نفس هذه الحكومات التي كانت تتهم الثورة الكردية بالعمالة لاطراف خارجية هي نفسها التي كانت تتفاوض مع الديمقراطي الكردستاني لحل المشكلة الكردية، فكيف بحكومات تصف نفسها بانها "وطنية" تتفاوض مع جهات ثورية تصفها بانها "عميلة"؟ ورغم ذلك كانت هذه الدعايات تنطلي على الشعب العربي في العراق ويتاثر بها بل ويصدقها.
اما بعد سقوط نظام صدام حسين، فقد اعتمدت الحكومات التي اعقبته في حملاتها ضد الاقليم على ادوات جديدة مزجت بين تناقض مصالحها الحزبية المكوناتية محليا، وتناقض المصالح الاقليمية والدولية على الساحة العراقية، لتندرج الحرب الاعلامية ضمن تداخلات المصالح الاقليمية مع الفشل السياسي للاطراف المهيمنة على القرار العراقي. ونستطيع اختزال اسباب تلك الحملة ضد الاقليم في النقاط التالية: -
1/ فشل الحكومات العراقية المتعاقبة في تقديم حياة كريمة للمواطن العراقي، قابله نجاح حكومة اقليم كردستان في تحقيق طفرة نوعية في جميع نواحي الحياة، دفعت اطرافا عراقية للعمل على عرقلة تلك الطفرة، ولتحقيق عرقلة هذا التطور جرى العمل على محورين:
الاول- الابقاء على المشاكل العالقة بين الاقليم والدولة الاتحادية وديمومة عرقلة حلها رغم تاكيد الدستور على حل تلك المشاكل سواء المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، او ما يتعلق بقانون النفط والغاز، او صلاحيات الاقليم والدولة الاتحادية.
الثاني- اضافة وخلق مشاكل جديدة بين الطرفين وصلت ذروتها في قرار بغداد قطع حصة كردستان من الموازنة الاتحادية عام 2013، ما ادى الى نتائج كارثية على مواطني اقليم كردستان وبالاخص شريحة الموظفين منهم، ما دفع بالاقليم للبحث عن حلول لحماية مواطنيه، فبدا بعقد اتفاقيات مع شركات عالمية لاستخراج وتصدير نفطه بمعزل عن بغداد، الامر الذي استغلته بغداد ولا تزال لخلق مشكلة جديدة عرفت فيما بعد بملف تصدير النفط الكردستاني وهو ما تثيره بغداد في كل مرة تجد في اثارتها حلا للهروب من مشاكلها الداخلية.
2/ استقلالية القرار في حكومة اقليم كردستان وعدم خضوعها لارادات اقليمية او دولية، عكس ما عليه الحال في الحكومة الاتحادية، مما دفع باطراف اقليمية، واطراف عراقية خاضعة لها، لتهديد الوضع السياسي والامني للاقليم بمبررات شتى واتهامه باتهامات ما انزل الله بها من سلطان.
رغم ضعف وهزال الاتهامات التي طالت اقليم كردستان بعد الالفين وثلاث، الا انها تسوق بشكل منهجي مخطط لها من خلال فضائيات تابعة لجهات عراقية مدعومة من جهات اقليمية، تصرف عليها ملايين الدولارات شهريا، تمتلك خطابا موحدا  ممنهجا، تهدف الى معاداة اقليم كردستان، وتسويق صورة مشوهة عنه. فتحولت تلك الاتهامات الى ما تشبه الحقائق لدى الشرائح البسيطة من الشارع العراقي.
فقد استطاعت تلك الحملة ترسيخ فكرة ان الاقليم يحصل على حصته الكاملة من الموازنة الاتحادية، وفي نفس الوقت يحصل على كامل اقيام نفطه الذي يبيعه ايضا بمعزل عن بغداد. بينما الحقيقة هي ان الـ200 مليار دينار الذي ترسله بغداد "احيانا" الى اربيل ما هو الا ناتج طرح حصة كردستان من الموازنة مطروحا منه اقيام النفط الكردستاني الذي يبيعه الاقليم، بمعنى ان ذلك المبلغ المرسل ليس هبة من بغداد للاقليم، وانما هو استحقاق للاقليم ان لم نقل هو اقل من الاستحقاق الفعلي باعتبار انه لا يتم ارساله شهريا.
كذلك تسوق تلك الفضائيات اتهام بيع الاقليم نفطه الى شركات اسرائيلية، وتتغافل عن الحقيقة التي مفادها ان الشركات التي تشتري نفط كردستان هي شركات معروفة يتم الاعلان عنها شهريا من خلال تقرير شركة ديليوت الدولية ووزارة الثروات الطبيعية في الاقليم، ولا توجد اي شركة اسرائيلية في تلك التقارير.
ومن اخطر الاتهامات التي وجهت مؤخرا الى كردستان هي وجود مراكز للموساد في اراضي الاقليم، وهو ما اتخذته ايران مبررا لها لقصف اربيل بصواريخ باليستية قبل فترة، وتبين فيما بعد ان القصف طال منزل رجل اعمال معروف ليس على صعيد كردستان فحسب بل وعلى صعيد العراق، وفشلت ايران في تقديم اي دليل يثبت اتهاماتها او يدعمها. والمنطق السياسي يدحض هذا الاتهام جملة وتفصيلا، فما حاجة اسرائيل لتنسيق سري مع كردستان في الوقت الذي تنسق فيه بشكل علني مع جميع الدول العربية والاقليمية خاصة بعد اتفاقيات السلام بينها وبين دول المنطقة؟ بالمقابل ما حاجة كردستان الى تنسيق سري مع اسرائيل في وقت فقدت فيه اسرائيل فعاليتها الاقليمية والدولية وتاثيرها على قرارات الدول العظمى؟ 
وما يدعم بطلان الاتهامات الايرانية هو:
1- تقرير اللجنة البرلمانية التي شكلها البرلمان العراقي لتقصي الحقائق حول ادعاءات ايران وحقيقة الموقع المستهدف، حيث توصلت اللجنة الى ان الهدف الذي تم قصفه هو منزل مدني لا علاقة له باي نشاط استخباراتي
 2- طرح تحالف "انقاذ وطن" الذي يضم الحزب الديمقراطي الكردستاني مشروع قرار يجرم فيه التطبيع مع اسرائيل والتعامل معه، وليس من المنطق السياسي ان تتبنى جهة سياسية قانونا يمكن ان يستغل ضدها، ان لم تكن واثقة فعلا من انها لا تخرق هذا القانون لا حاضرا ولا مستقبلا.
رغم كل الاتهامات التي طالت كردستان في العهدين (عهد الثورة وعهد ادارة الاقليم) الا انها لم تؤثر على النهج الذي اختارته في التعامل مع الشعب العراقي بعربه وكرده، والذي يعتمد على الوضوح والشفافية في الطرح، فليس لدينا ما نخفيه عن اصدقائنا ولا حتى عن خصومنا، ومستمرون في الدور الذي تبنيناه والذي نؤمن بانه مسؤوليتنا التاريخية في نشر ثقافة التعايش بين مكونات الشعب العراقي والتسامح حتى مع اولئك الذين يرموننا باتهاماتهم، فالشجرة قد ترمى بالحجارة لكنها تبقى مثمرة وشامخة.