مواقف ماكرون وترامب تثقل على قمة الناتو

الرئيس الفرنسي يثير غضب نظرائه الأوروبيين لحديثه عن حلف يحتضر، مشككا في الوقت ذاته في المادة الخامسة لميثاق الحلف.

أسلوب ماكرون القاطع وغير المتوقع يغضب أوروبا
الرئيس الفرنسي يواجه انتقادات حادة من نظرائه الأوروبيين
الخلافات والتوترات تهيمنان على قمة الناتو في الذكرى السبعين لتأسيسه
توترات جيوسياسية متناثرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا تخيم على قمة الناتو في لندن
قمة الناتو لهذا العام تأتي في أجواء مضطربة على وقع انقسامات أوروبية
أكثر من ملف حارق على طاولة زعماء دول الناتو

باريس - يحيي حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأسبوع القادم الذكرى السبعين لتأسيسه مثقلا بملفات خلافية وانقسامات أججتها تصريحات الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون حول 'احتضار الحلف' وانتقادات لا تهدأ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتخيم على القمة المقرر عقدها في الثالث والرابع من ديسمبر/كانون الأول في لندن حالة من التوتر حتى بين دول أوروبا التي أبدت غضبها من تصريح ماكرون في الوقت الذي عززت تركيا حالة الانقسام بعزمها تعطيل خطة للحلف جول أمن دول البلطيق في مواجهة "تهديدات" روسية محتملة.

وتبدو قمة الناتو لهذا العام مختلفة من حيث توقيتها ومضامينها والتحديات والمعضلات المطروحة على طاولة قادة الدول الأعضاء على ضوء توترات جيوسياسية متناثرة من الشرق الأوسط إلى شرق وغرب أوروبا إلى الولايات المتحدة وآسيا.

كما تأتي هذه القمة بينما تشقّ الانقسامات أوروبا التواقة لتعزيز وحدة يعتقد كثيرون أنها أقرب للتفكك منها للترميم، لكن بعض القادة يتزعمهم ماكرون يعتقدون أن الوقت لم يفت بعد لرأب التصدعات وبناء أوروبا قوية.

لكن الرئيس الفرنسي الشاب الذي يقود جهود رأب التصدع داخل أوروبا، أثار غضب نظرائه الأوروبيين بأسلوبه القاطع وغير المتوقع والحاد مثلما فعل عندما "قلب الطاولة" بتصريحاته حول حلف شمال الأطلسي (ناتو) مجازفا بأن يبدو معزولا وغير قادر على تقديم حلول عملية.

وستتاح لماكرون الفرصة لشرح موقفه حول الناتو لدى استقباله الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ الخميس في الإليزيه وفي قمة الحلف يومي الثالث والرابع من ديسمبر/كانون الأول في لندن.

حديث ماكرون عن احتضار حلف الناتو أضفى المزيد من الارباك في أوروبا والناتو
حديث ماكرون عن احتضار حلف الناتو أضفى المزيد من الارباك في أوروبا والناتو

وفاجأ ماكرون نظراءه بالفعل عدة مرات من خلال تصريحاته الخارجة عن المألوف بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومنطقة البلقان عندما عرقل بدء مفاوضات انضمام شمال مقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي ودعوته إلى التقارب مع روسيا.

ويقول فرنسوا هيسبورغ الخبير لدى مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية إن ماكرون "يشبه في جانب ما نابليون بونابرت عند جسر أركول، لكنه ليس في أركول ولا يوجد جسر!"، مشيرا بذلك إلى معركة كرَّست أسطورة الجنرال الشاب الذي يتقدم بثبات شاهرا سيفه.

وتقول تارا فارما الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وهو مركز دراسات في أوروبا "هذه هي طريقة ماكرون. بدلا من انتظار شركائه يفرض إيقاعه بمبادرات جديدة كل أسبوع تقريبا".

وهذا الأسلوب يبدو مُربكا خاصة في ظل الخلافات القائمة أصلا بين الدول الأعضاء حول أكثر من ملف منها المخصصات المالية لكل دولة عضو والتي يطالب ترامب بزيادتها، منتقدا الشركاء الأوروبيين.

وقد زرعت كلماته القاسية بشأن الناتو مستنكرا عدم التنسيق بين الولايات المتحدة وحلفائها، وهجوم تركيا العضو في الحلف على الأكراد السوريين اللاعب الرئيسي في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الخوف وإن كان الجميع متفقون معه حول الجوهر.

ماكرون أزعج الأوروبيين بشكل خاص عندما بدا مشككا بالمادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسي التي تنص على التضامن العسكري بين أعضاء الحلف إذا تعرض أحدهم للهجوم

ويقول مصدر دبلوماسي فرنسي إن "ما أثار ردود الفعل في أوروبا هو الأسلوب والشكل"، مضيفا "لكن الصدمة الكهربائية نجحت" من خلال فرض نقاش حول إستراتيجية الحلف وتعزيز الدفاع الأوروبي.

ويرى فرنسوا هيسبورغ أن القادة الأوروبيين لم يرتاحوا لإدلائه بهذه التصريحات لوسائل إعلام، معتبرا أن تصرف الرئيس الفرنسي كان "فظا إلى حد كبير ويكفي لإثارة العداء على الفور".

وأعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن أسفها لما وصفته بأنه "حكم غير مناسب"، بينما وصف رئيس الوزراء البولندي ماتوش مورافيتسكي التصريحات بأنها "غير مسؤولة".

وأزعج إيمانويل ماكرون الأوروبيين بشكل خاص عندما بدا مشككا بالمادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسي التي تنص على التضامن العسكري بين أعضاء الحلف إذا تعرض أحدهم للهجوم.

وكان الحلف الذي ضمنته المظلة الأميركية أساس الأمن في أوروبا خلال الحرب الباردة ويظل الحصن الوحيد في نظر دول أوروبا الشرقية ضد جارتها الروسية القوية.

ويقول جوناثان إيال المدير المساعد في المعهد الملكي للخدمات المتحدة وهو مركز أبحاث في لندن حول القضايا الإستراتيجية "نما لدى الرئيس الفرنسي ميل مؤسف للتحدث أولا ثم التفكير".

حلف شمال الأطلسي اكبر تكتل عسكري
حلف شمال الأطلسي اكبر تكتل عسكري

وتابع "بعد انتخابه في 2017، بدا أنه يجسد كل آمال أوروبا، لكنه يبدو أكثر فأكثر أشبه بأرنب بطاريات دوراسل. إنه يثير الكثير من الضجيج ويتحرك في كل الاتجاهات بدون أي هدف محدد".

لكن ماكرون يميل أكثر فأكثر إلى التصرف بمفرده بسبب عجز المستشارة الألمانية التي أضعفتها صعوبات ائتلافها وبلوغها نهاية حكمها.

ويقول نوربرت روتجن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الألماني (البوندستاغ) "بدلا من أن نكون مصلحين، يمكننا أن نصبح مزودين للأفكار الفرنسية الألمانية"، مشيرا بذلك إلى الملاحظات التي أدلت بها المستشارة حول "لملمة الأواني المكسورة" بعد تصريحات ماكرون.

ويرى يان تيخاو الخبير في صندوق مارشال الألماني أن الرئيس الفرنسي يظهر سلوكا شبيها بسلوك ترامب عبر إحداث "بلبلة" كطريقة للعمل السياسي، "لكنه يخطئ إذا كان يأمل من خلال ذلك تحقيق تقارب بين الأوروبيين لأن ثقتهم بفرنسا محدودة للغاية".

ماكرون يميل أكثر فأكثر إلى التصرف بمفرده بسبب عجز ميركل التي أضعفتها صعوبات ائتلافها وبلوغها نهاية حكمها

ويقول خورخي بينيتيز خبير المجلس الأطلسي إن تصريحاته حول الحلف الأطلسي لن تقوي الدفاع الأوروبي "وإنما تضعف الناتو وتريح بوتين"، فيما يقول فرنسوا هيسبورغ "أخذ السوفيات والروس دائما المادة 5 على محمل الجد. لم يختبروها بتاتا. قد يغريهم الأمر الآن".

وفي تصريح يشير بوضوح إلى حالة القلق والتوتر التي من المتوقع أن تهيمن على قمة الناتو الأسبوع القادم، قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي لأنه "يصلي" من أجل تفكيك التكتل.

ورحب ترامب بقرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي كما وصف أوروبا بأنها "عدو" تجاري، مشككا في أهمية حلف شمال الأطلسي.

وقال توسك في مقابلة مع أسبوعية 'دي تسايت' الألمانية "لأول مرة في التاريخ يوجد رئيس أميركي يعارض علنا أوروبا موحدة. إنه يدعم البريكست ويصلي من أجل تفكيك الاتحاد".

وذكر أن ترامب عاقد العزم على إضعاف الاتحاد الأوروبي، قائلا إن هذا "قد يكون التحدي الأصعب" بالنسبة للتكتل.

وعلى الرغم من أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة توترت منذ تولي ترامب الرئاسة، فقد سعى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لطمأنة الحلفاء الأوروبيين بأن أكد خلال زيارته بروكسل في سبتمبر/ايلول الماضي على علاقات راسخة وودية.