موجة من افلام الاثارة تغزو السوق المصري

أصبح من المعتاد أن نقرأ في بريد القراء في الصحف المصرية الكبرى تعليقات لأدباء يستنجدون برقابة التلفزيون المصري, لمنع إعلانات أفلام شبابية تحمل إيحاءات جنسية وعري زائد, بدأت تغزو السينما المصرية في الآونة الأخيرة, بهدف جذب الجمهور المصري لشباك التذاكر, بعدما أعرض عنها إلى الأفلام الأجنبية.
فبعد الإعلان عن بدء عرض فيلم "مذكرات مراهقة", الذي يتحدث عن قصة فتاة مراهقة ترتبط بشاب, ويمارسان الجنس الحرام، كتب أكثر من قارئ في بريد قراء الصحف يستغرب عرض إعلانات عن مثل هذه الأفلام, التي تخدش الحياء في التلفزيون, ويطلب بمنعها، فيما انتقد آخرون مخرجة هذا الفيلم, التي تخصصت في هذه النوعية من الأفلام, حتى هاجمها النقاد والجمهور في ندوة عرض هذا الفيلم, واتهموها بأنها تعرض قصة حياتها عبر هذا الفيلم, وتركز علي إثارة غرائز الشباب.
وبدلا من أن تهدأ هذه الموجة من الأفلام ذات المضمون الجنسي الواضح، تزايدت بسبب حالة الفشل, التي تواجه أغلب الأفلام المصرية الحديثة, باستثناء الأفلام الكوميدية أو التاريخية، وبدأت ظاهرة جديدة هي إقحام عبارات جنسية فاضحة في السيناريو, وإجازة الرقابة المصرية لها, بدعوى ترك الحكم للمتفرج, كما يقول رئيس الرقابة مدكور ثابت, الذي يسعى للحد من دور الرقابة لاقصى قدر متاح.
وقد سيطر موضوع الجنس, كما يقول نقاد فنيون مصريون, على معظم الأعمال السينمائية في الفترة الأخيرة, وبات المحرك الرئيسي للأحداث، بل وسعى المخرجون للاستعانة بفتيات صغيرات السن, يبهرهن بريق الشهرة, لتمثيل هذه الأدوار, التي تدخل في نطاق الإغراء, دون أن يكون لهن الرغبة الحقيقة في ذلك, حتى إن أحدث ممثلة ناشئة، وهي منة الله شلبي, قالت في حوار مع مجلة مصرية, إنها بكت بشدة في مشهد يقوم فيه بطل الفيلم بتقبيلها لأنها لم تعتد ذلك, واستغرق الأمر وقتا, وإخراج كل من في المكان لإنجاز المشهد.
ففي فيلم "مذكرات مراهقة" تظهر البنت الرومانسية, التي تواجه رغبات الشباب المحيطين بها, وتتعرض للاغتصاب في النهاية، وتظهر المشاهد ساخنة بين الفتاة وعشيقها في "معلقات" الفيلم, التي ملأت الشوارع بشكل يخدش الحياء, مما دعا محامين لرفع قضايا لإلغاء عرض الفيلم, ولكن بعدما عرض بالفعل.
وفي فيلم "النعامة والطاووس", تظهر امرأة تعاني من البرود الجنسي مع زوجها, فتلجأ إلى الطبيبة النفسية لتقدم لها ولزوجها دروسا صريحة للممارسات الجنسية السليمة بين الأزواج, في إطار علمي.
وفي فيلم "الساحر" تظهر عبارات جنسية فاضحة, هدفها جذب الجمهور بأي وسيلة, خصوصا وأن العديد من المخرجين وجدوا في هذه الأفلام وسيلة لجذب الجمهور لأفلامهم مرة أخرى, بعدما أنصرف غالبية الشباب إلى السينما الأميركية, التي تغرق الأسواق المصرية والعربية.
فالبنت المراهقة, التي تلعب دورها الممثلة الناشئة منة الله شلبي ترد في الفيلم على سؤال للممثلة سلوى خطاب جاء فيه "هو الواد حبك على إيه؟"، قائلة "عشان ما انضربش فيا مفك", وهي عبارة فاحشة, تعني أنها شريفة, ولكن بلغة الحرفيين، وعندما تقول لها الممثلة مرة أخرى "أنت لسه صغيرة"، ترد عليها الممثلة الناشئة وهي تتحسس جسدها وصدرها "أمّال دول إيه"!؟.
والأغرب أن هذه الممثلة الناشئة هي ابنة الراقصة المعتزلة والمحجبة حاليا زيزي مصطفى، وأنها قالت إن أمها هي التي شجعتها على دخول عالم التمثيل، وإن كانت غير راضية عن تمثيل ابنتها هذه المشاهد الساخنة في أول أفلامها.
وفي فيلم "الرغبة", الذي يجمع بين ممثلتين تعانيان من كبر السن, وانصراف الشباب عن أفلامهما, وهما نادية الجندي وإلهام شاهين, نشاهد نموذجين لشقيقتين الأولى تعاني من الحرمان الجنسي, وتبيع نفسها, ويظل هذا العار يطاردها حتى يدفعها للانهيار في النهاية, بينما تضحي الثانية بالثروة والمال من أجل إشباع رغباتها, حتى تفقد المال والزوج والشقيقة. ولأن هذه الأفلام موضوعها الأساسي هو الجنس, فلم يجد المخرجون مانعا من الاستعانة ببعض المشاهد أو "الأفيهات" السينمائية, التي تهدف إلى جذب الجمهور، وقد تكررت هذه "الافيهات" في هذا الفيلم بشكل يصعب كتابتها لفحشها الشديد, حيث تدور حول "مؤخرة" إحدى البطلتين, أو العملية الجنسية, التي تمارسها.
النقاد: هذه الافلام مجرد إفلاس
وقد أجمع النقاد على رفض هذه المشاهد أو العبارات والنكات الجنسية في هذه الأفلام، كما أجمعوا على أنها تستهدف جذب الجمهور، وأنها فشلت, رغم ذلك, في جذبه, بدليل أنه دور العرض المصرية قد سارعت بالعودة إلى عرض الأفلام الأميركية, مباشرة بعد انتهاء الأجل الذي ضربته الرقابة المصرية, التي أصدرت تعليمات بمنع عرض الأفلام غير المصرية في الأعياد والمناسبات.
واعتبر النقاد أن سبب ظاهرة أفلام الجنس هو سعي المنتجين لجمع أسرع وأكبر ممكن من الربح, دون اعتبار للقصة أو المضمون الجيد، مما يتطلب قيام الدولة بدعم الأفلام لإنتاج قصص تاريخية مفيدة مثل الحروب ضد الدولة العبرية, أو قصص التاريخ الإسلامي القديمة, بعدما انقرض جيل المنتجين القدامى, الذي كان ينفق ثروته علي إنتاج فيلم تاريخي لا يغطي تكاليفه, وهم سعداء بتحقيق هدف كبير هو هدف تعريف الجمهور بالفترات الزاهية من تاريخهم.
ويقول الناقد والسيناريست الدكتور رفيق الصبان إن موضوع الجنس حقيقة واقعة في العالم, وليس في مصر فقط, بسبب انتشار القنوات الفضائية والإنترنت, وتغير الأوضاع كثيرا عن الماضي, ولكننا يجب أن نعالج مثل هذه الموضوعات بالتزام، وهذا يتطلب مقدرة خاصة للمخرج والممثل وكاتب السيناريو, وأن يكون الجميع على حذر في تناول القصة.
أما الناقد طارق الشناوي فينتقد بشدة المخرجة إيناس الدغيدي مخرجة فيلم "مذكرات مراهقة"، ويقول إنها "ما بتصدق تشم رائحة جنس في الموضوع (القصة)، لتعبر عنها في أفلامها بالصوت والصورة, مثل مشهد حفل بالمايوه (لباس البحر), الذي كان يمكن أن يكون أي بارتي (حفل) بدون مايوه".
ويقول الناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت إن معالجة موضوع الجنس موجودة في السينما العالمية منذ عشرات السنين, دون تناول الجنس كجنس, ولكنه يأتي في إطار موضوع اجتماعي.. وإذا كان مطلوبا في السينما المصرية معالجة الجنس من واقع معطيات المشكلات, التي يمر بها الإنسان المصري, دون تقديم الجنس كمشاهد, وعنصر جماهيري, فأهلا به.. أما أن تتحول هذه الأفلام إلى ظاهرة, فهذا غير منطقي, لأن السينما يجب أن تقدم كل الموضوعات.
ويضيف قائلا إذا كان تناول أكثر من فيلم لموضوع الجنس لا يهدف إلى جذب الجمهور للشباك فلا مشكلة، ولكن أن يستغل ليمثل ظاهرة لجذب الجمهور, فلن يكتب لهذه الأفلام النجاح والاستقرار.
وفي المقابل يري مخرجون ونقاد آخرون أنه لابد من معالجة مسألة الجنس بشكل مباشر وصريح دون خجل, في الأفلام الحديثة, ولكن بشكل موضوعي، وأن الأفلام الغربية والانترنت فتحت الباب لهذا الأمر, وأنه من غير الممكن التخلف عن ركب العالم.
أما التعليقات الجنسية والنكت التي تقال في هذه الأفلام فيعتبرون أنها طبيعية، ويقولون إنه ليس من المعقول تصوير فتاة من حي شعبي ومراهقة في فيلم بدون مفردات الكلام, التي تقال في هذه البيئة الشعبية، رغم أن هذه العبارات الجارحة لا تقال بالفعل في الأحياء الشعبية المصرية, سوى على لسان أقلية تفتقر للذوق والآداب العامة, ولا يمكن أن تكون حالة عامة يتعلم منها المراهقون والشباب هذه العبارات غير اللائقة.
وفي هذا الصدد ينبه خبراء الطب النفسي إلى أن المفردات التي ترد على لسان أبطال الأفلام أو الشخصيات المحببة للأطفال, ولو في إعلان لبيع السلع, سرعان ما تجد طريقها بسهولة إلى اللغة التي يتكلمها نفر غير قليل من الشباب. ويضربون المثل على ذلك بعبارات قديمة رددها ممثلون كوميديون للسخرية من أساتذتهم في المدارس, وأصبحت تتداول حتى الآن، ومثلها العبارات ذات الإيحاءات الجنسية, التي سبق ذكر بعضها, مما يترك أثارا ضارة على السلوك الاجتماعي. (ق.ب)