موريتانيا تواجه ظاهرة تسمين البنات

الجمال الموريتاني في حاجة لتغذية

نواكشوط - رغم التحولات العميقة التي شهدتها موريتانيا في السنوات الاخيرة، لازالت هناك ظواهر تري الحكومة والمنظمات الاهلية المتخصصة في القضايا الاجتماعية أنها تعيق تطور موريتانيا وتقف حجر عثرة في وجه قيام المرأة بدورها الكامل في التنمية والتحديث جنبا إلى جنب مع الرجل.
ولعل أبرز هذه العوائق ظاهرة من أغرب الظواهر التي لازال المجتمع الموريتاني يعانيها، ألا وهي "اعتبار السمنة أو البدانة عنصرا هاما من عناصر جمال المرأة".

وتذهب بعض الامهات إلى حد الجزم بأن "أية فتاة لا يمكن أن تكون ذات شأن أو تطمح للزواج في موريتانيا إلا إذا لم تكن سمينة وبدينة ضخمة الجسم وممتلئة القوام".

وينظر المجتمع في غالبيته إلى المرأة الهزيلة وكأنها غير مهيأة لتحمل مسئوليات الزواج، مهما أحيطت به من رعاية ورغد عيش لن ينعكس ذلك على جسدها النحيل وبالتالي لا جدوى من الاقتران بها.

هذه الظاهرة الغريبة دفعت السلطات الرسمية خلال السنوات الاخيرة إلى تنظيم حملات للتوعية والتنبيه ضد مخاطر البدانة باعتبارها ظاهرة تضر بصحة المرأة وتمنعها من رشاقتها.

كما تحول البدانة دون مشاركتها الفعلية في النشاط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في البلاد ومن ثم إقصائها عن لعب الدور الذي يتعين عليها القيام في دفع عجلة التنمية في المجتمعات النامية.

لذا أطلقت اجهزة الدولة المكلفة بالنهوض بالمرأة مدعومة من البنك الدولي للانشاء والتعمير حملة واسعة للتعبئة والتوعية لمكافحة البدانة وإظهار أخطارها الصحية والاجتماعية.

فقد عبأت السلطات بمشاركة منظمات أهلية محلية، وسائل الاتصال وفرق مسرحية وملصقات ومنابر تلقي فيها محاضرات وحوارات مستفيضة حول قضية السمنة.

ونظمت بأكبر مركز معني بشئون المرأة في البلاد طاولة مستديرة شاركت فيها السيدة منتاتا بنت حديد كاتبة الدولة المكلفة بالنهوض بشئون المرأة بمشاركة كبار المسئولات في هذه الوزارة التي أنشأها الرئيس الحالي معاوية سيدي أحمد ولد الطايع بمرسوم رئاسي عام 1992 بهدف "تطوير ملكات المرأة وتهيئتها للمشاركة في تنمية البلاد وتحديثها".

وخلال هذه الندوة شرح الاطباء مخاطر السمنة.

كما انبرى الشعراء دفاعا عن الرشاقة عدو السمنة اللدود حيث انتقدوا بشدة بدانة المرأة وأخطارها على الصحة العامة بعد أن كان أسلافهم قد خلدوها في "مقدمات النسيب لاروع القصائد".

وألصقت وزارة شئون المرأة على بعض المحال وسيارات الاجرة ملصقات تظهر قصور أداء المرأة البدينة وعجزها عن الحركة والنشاط وكأنها بليدة الحس.

ويري الباحث محمد ولد احمياده أخصائي علم الاجتماع "أن سمنة المرأة متجذرة بعمق داخل المخيلة الموريتانية ومن الصعب محوها" إلا باستراتيجية قومية متعددة المحاور وعلى المدى البعيد يتم خلالها التركيز على تغيير العادات الغذائية داخل المجتمع ونشر ثقافة صحية واسعة.

وتقول الطالبة الجامعية مريم بنت محمد سيد وهي من المدافعات عن مزايا السمنة الساحرة إن المرأة "لا بد أن تكون ذات جمال اخاذ ولا يمكن أن يظهر ذلك إلا من خلال السمنة التي تستطيع فعلا إقناع الرجل بقدرات المرأة الحقيقية بعيدا عن بروز العظام".

أما زميلتها خديجة بنت محمد وهي من الاتجاه المعاكس فترى أن "تنظيم الحملات الاعلامية التي تهاجم بدانة المرأة أسفرت عن نتائج مشجعة على مدى السنوات الخمس الاخيرة، حيث يلاحظ أن النساء أصبحن يتعاطين رياضة المشي على نحو ملفت للنظر في العاصمة الموريتانية وفي بعض المدن الكبرى وهو أمر كان مستحيلا من قبل".

وأضافت أن "اقتناع المرأة بحد ذاته بممارسة هذا النوع من الرياضة يكفي لرفضهن التمسك بظاهرة السمنة التي لا تنفع المرأة ولا مجتمعها".

وتحذر خديجة بنت محمد من أن السمنة "أدت إلى إصابة الفتيات بارتفاع ضغط الدم والسكري" في البلاد.

وحتى الآن تتبع بعض الامهات الموريتانية أساليب مختلفة في تسمين الفتاة منها تزويدها بجرعات مكثفة من ألبان الماعز والبقر طيلة اليوم وحملها قسرا على تناول "الكسكسي" المحلى بكميات زائدة ليلا ثم معالجتها بدفعة جديدة "على الريق" عند استيقاظها في الصباح الباكر.

وتأمل المنظمات الاهلية المختصة في الصحة والشئون الاجتماعية في أن يستمر المجهود الذي تقوم به الوزارة المكلفة بالنهوض بالمرأة لانه أدى حسب تقديرها إلى تراجع هذه الظاهرة بشكل كبير داخل المدن إلا أنها لازالت منتشرة في القرى بشكل واسع.

وتعترف هذه المنظمات بأن الحملة التي بدأتها السلطات اليوم تواجه صعوبات كبيرة "لان المجتمع الموريتاني لن يتنازل عن الولع بالسمنة التي تعود جذورها فيه منذ مئات السنين".

يذكر أن المرأة الموريتانية التي حظيت في السنوات العشر الاخيرة باهتمام حكومي كبير جعل ثلاث سيدات يشغلن مناصب وزارية تشكل أكثر من نصف سكان موريتانيا البالغ عددهم نحو مليونين ونصف المليون نسمة.