موريتانيا: فقر ومرض ونظام ينخره الفساد

لندن - من عبد الكريم حمودي
الفقر والجفاف يحاصران السكان

يجمع الاقتصاد الموريتاني الذي يغلب عليه صفة الاقتصاد الزراعي-الرعوي بين تناقضات عديدة، فمقابل مساحة الأرض الكبيرة التي تزيد عن مليون كيلومتر مربع (1.030.700كم2)، فإن عدد السكان لا يتجاوز 2.6 مليون نسمة ( الكثافة السكانية لا تتجاوز 2.5 فرد/ كم2)، وموارد طبيعية وثروات معدنية، أهمها الحديد الذي يمثل نصف الاحتياطي العالمي تقريباً، إلى مياه إقليمية تعتبر من أغنى مياه العالم في الثروة السمكية، فإن هناك فقراً تزيد نسبة عن 50 في المائة من مجموع السكان، ونزوح متواصل للسكان بحثاً عن الغذاء والمراعي وفرص العمل، علاوة على انتشار الأمراض وخاصة الملاريا حيث يزيد عدد المصابين بهذا المرض عن 330 ألف شخص، وانتهاء بمساعدات عربية ودولية يقابلها مديونية ضخمة تتجاوز قيمتها ضعف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ولعل أطرف التناقضات تلك التي أعلن الرئيس الموريتاني لحل لمشكلة الفقر من خلال الكرة والمسرح والرسم.

الموارد والإمكانيات تتمتع موريتانيا بموارد طبيعية وثروات معدنية كثيرة ومتنوعة يأتي في مقدمتها الحديد الخام الذي يقدر الاحتياطي الموريتاني منه بنحو 10 مليارات طن يصدر منه سنوياً حوالي 12 طناً، كما يصدر كميات من الجبس والنحاس والذهب والفوسفات، وتمتلك موريتانيا مصائد غنية على سواحلها الأطلسية يبلغ طولها أكثر حوالي 600 كم، وتزيد مساحتها على 195 ألف كم2 وهذه المناطق من أغنى مياه العالم في الثروة السمكية، وتصل طاقتها الإنتاجية إلى 600 ألف طن سنوياً ولكن الاستغلال الجائر لها من قبل الدول الأوروبية يهدد بالخطر هذا المصدر الهام للدخل القومي، كما يجري في حدود موريتانيا الجنوبية مع السنغال نهر بطول 650 كم يوفر أراضي قابلة للري تزيد مساحتها عن 240 ألف هكتار، وتمتلك موريتانيا ثروة حيوانية كبيرة يزيد عددها عن 10 ملايين رأس من الأغنام و1.1 مليون رأس من الأبقار وحوالي مليون رأس من الإبل.
وتؤكد الإحصاءات والبيانات الرسمية أن الاقتصاد الموريتاني ومنذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960 ينمو بمعدلات جيدة نسبياً، فمنذ الاستقلال وحتى عام 1972 كان معدل النمو السنوي حولي 6.6 في المائة ثم تراجعت هذه النسبة بسبب موجات الجفاف والحرب الأهلية التي تعرضت لها البلاد فدمرت هياكل الاقتصاد الريفي من زراعة وثروة حيوانية وأوقعت البلاد في مديونية ضخمة.
ومنذ منتصف الثمانينيات وحتى عام 1991 وفي ظل تطبيق برنامج التصحيح الاقتصادي الذي يشرف عليه صندوق النقد الدولي لم يتجاوز معدل النمو 3.6 في المائة. ارتفع بعد ذلك كما تقول المصادر الرسمية إلى نحو 4.8 في المائة خلال الفترة 1992 - 2000 ، وارتفع هذا المعدل عام 2001 إلى نحو 6 في المائة، وتتوقع الحكومة أن يرتفع مستوى النمو الاقتصادي ليبلغ 7 بالمائة مع حلول عام 2004، وهو ما أكده "حسن تولي" مدير العمليات الخاصة بموريتانيا في البنك الدولي بعد خمس سنوات من إدارته للعمليات من أن نسبة النمو في موريتانيا ستبلغ 7 بالمائة خلال السنوات القليلة القادمة، وأن موريتانيا في وضعية اقتصادية حسنة وأنها حققت استقراراً اقتصادياً مهماً خلال السنوات الأخيرة ودافع تولي عن الخصخصة التي شملت قطاعات عديدة، مؤكداً أنها حققت نتائج إيجابية ووفرت الكثير من الوظائف.
اما بالنسبة لوضع الموازنة العامة فقد أكدت مصادر رسمية أن قيمة موازنة الدولة لعام 2002 بعائداتها ومصاريفها بلغت نحو 107 مليار و260 مليون أوقية موريتانية، وهو ما يناهز 423 مليون دولار أمريكي (الدولار = 253.3 أوقية) وهذه الموازنة زادت بنحو خمسة مليارات أوقية عما كانت عليه في الفترة ما بين 1996 - 2000 بينما كان عجز الميزانية يبلغ 12.5 مليار أوقية سنة 1993، وتقلصت نسبة التضخم إلى 4 في المائة، وتحسنت بصورة ملموسة احتياطات التبادل.
وأكد وزير المالية الموريتاني "بيجل ولد حميد" أن الموازنة الجديدة تعكس حرص الحكومة الموريتانية على تحقيق التوازنات الكبرى ووضع الاقتصاد على وتيرة نمو مستديمة مشيراً إلى أن قطاعات الصحة والتعليم ومكافحة الفقر تحظى بالنصيب الأكبر في النفقات المقررة في الموازنة الجديدة".

الديون والفقر والفساد ترزح موريتانيا تحت مديونية خارجية كانت تزيد عن ثلاثة مليارات دولار أي أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، ويعود السبب المباشر في هذه المديونية المرتفعة جداً قياساً بموارد البلاد إلى الفساد المستشري، والإدارة السيئة للموارد الاقتصادية، والجفاف، وحرب الصحراء، وحالة الاضطراب السياسي، مما ساهم في رفع حجم المديونية وارتفاع خدماتها التي فاقت 25 في المائة من حجم الصادرات.
وتأتي الصين في مقدمة الدول التي لها ديون على موريتانيا والبالغة نحو1.9 مليار دولار، كما تبلغ ديون موريتانيا للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي نحو 400 مليون دولار، وقد تم العام الماضي التوقيع على اتفاق بين الصندوق وموريتانيا يقضي بإعادة جدولة الديون وقدم الصندوق لها قرضاً بقيمة 13.3 مليون دولار لتوسعة شبكة الكهرباء في البلاد.
وقد استفادت موريتانيا من مبادرة خفض ديون الدول الفقيرة الأكثر مديونية نتيجة التزامها ببرنامج التصحيح الاقتصادي، فتم إعفائها من مليار و100 مليون دولار، لكن الديون الخارجية عات إلى الارتفاع حيث تشير بعض المصادر إلى أنها تزيد في الوقت الحاضر عن 2.6 مليار دولار، وهو ما أكده مسؤول العمليات الخاصة بموريتانيا في البنك الدولي بقوله: إن الديون انخفضت إلى أكثر من الثلث، وهي الآن تقدر بمليارين من الدولارات بعد أن كانت في عام 1999 م تزيد على ثلاثة مليارات من الدولارات الأمريكية، مؤكداً حاجة موريتانيا لقروض داعمة ميسرة لا تزيد نسبة الفائدة فيها على 0.5 بالمائة، ويتم سدادها في فترة لا تقل عن أربعين عاماً.
وساهم برنامج التصحيح الاقتصادي بشروطه المعروفة في زياد أعباء المواطنين واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، فتراجعت قدرتهم الشرائية كما ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، وقضى تراجع قيمة العملة (الأوقية) على مدخرات المواطنين، وأدى انتشار الفساد إلى تراجع خدمات الدولة، وتبديد الكثير من القروض والمساعدات بدل الاستفادة منها في التنمية، حيث لا يتجاوز نصيب الفرد الموريتاني من الناتج الإجمالي نحو 256 دولاراً، وهو ما أدى إلى زيادة معدلات الفقر إلى أكثر من نصف عدد السكان، حيث تتعاون الحكومة مع العديد من المؤسسات والدول المانحة للمساعدات للحد من هذه الظاهرة الاجتماعية حيث نجحت هذه الجهود في الحد من الظاهرة، وتقول مصادر رسمية إن السنوات الأخيرة ربما شهدت تراجعاً في معدلات الفقر في موريتانيا.
وأوضح محمد ولد الناني وزير الاقتصاد والتنمية الموريتاني في مداخلة له أمام الندوة الوطنية للتشاور حول الإطار الاستراتيجي لمكافحة الفقر أن نسبة الفقر في موريتانيا هبطت من 56.6 بالمائة سنة 1990 إلى 50.5 بالمائة سنة 1996 لتصل سنة 2000 إلى 46.3 بالمائة.
وشدد الناني على أن هذا التراجع لا يعني أن الفقر لم يعد موجوداً بل إن ظاهرة الفقر لا تزال تثقل على المجتمع الموريتاني، وكان البنك الدولي وصندوق النقد قد صدقا مؤخراً على استراتيجية وطنية لمكافحة الفقر بقيمة 757 مليون دولار تتوخى السلطات الموريتانية من خلالها خفض نسبة الفقر من 50.5 بالمائة حالياً إلى 27 في المائة عام 2010 ثم إلى 17 بالمائة عام 2015.
وتواصل الدول المانحة تقدم المساعدات والقروض لموريتانيا للحد من مشكلة الفقر، وفي هذا السياق قال محمد ولد الناني وزير الشؤون الاقتصادية والتنموية إن بلاده حصلت على دعم مالي من شركائها في التنمية الأعضاء في نادي باريس على تمويل على قدره 412 مليون دولار لتمويل الخطة الوطنية لمكافحة الفقر يجري تحويلها على مدى السنوات الثلاث المقبلة والتي تعتبر الركيزة الأساسية لبرنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد لفترة 2002 ـ 2005.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الحلول التي اقترحها الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيد احمد الطايع لمشكلة الفقر حيث قال: إن هناك ثلاثة حلول للخروج من الفقر الذي تعاني منه مناطق مختلفة من موريتانيا. واعتبر ولد الطايع أن كرة القدم والمسرح والرسم هي حلول ناجعة للانتشال من الفقر المدقع. ودعا سكان قرية هامد وسط الصحراء الموريتانية أن يجربوا تدريب أبنائهم على كرة القدم، وفي حالة الخروج ببطل أو اثنين سينتهي الفقر، واعتبر ولد الطايع أن الرسم أيضاً قد يكون حلاً ناجعاً يمكن للمرء أن يبدأ بالرسم وحين يتوصل إلى رسم لوحة قد تباع بأموال كثيرة تخرجكم من الفقر، وأشار ولد الطايع إلى أن المسرح له دور كبير فيمكنكم تشكيل فرق مسرحية تطوف البلاد ويكون ريعها كبيراً بحيث تتغير أوضاعكم جذرياً.

الجفاف والحاجة لمساعدات غذائية تتكون معظم الأراضي الموريتانية (حوالي 90 في المائة) من صحراء مجدبة صخرية ورملية ويتكون الباقي من المروج وتعرضت موريتانيا للجفاف وحرب الصحراء خلال عقد السبعينيات والثمانينيات مما اضطر معظم البدو والمزارعين إلى النزوح للمدن، ويقول الخبراء إن التصحر يزداد ستة كيلومترات سنوياً في موريتانيا، وهو يجعل ضحايا الجفاف في تزايد مستمر حيث جاء في بيان لبرنامج الغذاء العالمي نشر في 26/1/2002 أن البرنامج أطلق عملية "لتقديم مساعدة عاجلة" تتعلق بـ"بالتوزيع المباشر" لحوالي 400 طن من القمح على ضحايا الجفاف والأمطار في موريتانيا.
وأوضح البيان أن هذه "العملية العاجلة للسكان في المناطق الأكثر تأثراً بالجفاف والأمطار" ستطال حوالي تسعة آلاف شخص اعتباراً من شباط (فبراير) الجاري.
وقال البيان إن البرنامج يخصص 22 مليون دولار وحوالي 30 ألف طن من المواد الغذائية لموريتانيا في خطته الخمسية الحالية (2000-2004).
وقد ألحقت الأمطار التي هطلت مؤخراً في موريتانيا أضراراً كبيرة بالمزروعات والمساكن اضطرت معها الحكومة دعوة المجموعة الدولية إلى مساعدتها في مواجهة آثار الكارثة الناجمة عن السيول التي تعرضت لها مؤخرا مناطقها الجنوبية والوسطى نتيجة هطول أمطار غزيرة قضت على مساكن وممتلكات آلاف السكان الموريتانيين في ولايات الترارزة والبراكنة وغورغول.
وفي نفس الوقت تعاني موريتانيا من عدد من الأمراض مثل الشلل ودودة غينيا ومرض الملاريا وهو الأخطر والأكثر انتشاراً، حيث أعلن "الدكتور محمد ولد خرشي" مدير برنامج مقاومة الملاريا أن عدد المصابين بحمى الملاريا في موريتانيا بلغ 332185 شخص، وأوضح المسؤول الموريتاني أن الملاريا أصبحت تتسبب في حالات وفاة عديدة.
وأضاف "ولد خرشي" أن نسبة الإصابة بمرض حمى الملاريا ارتفعت في موريتانيا خلال العامين الماضيين حيث لم تكن تتجاوز 178850 حالة عام 1999 وأرجع ذلك إلى ارتفاع معدل الأمطار والفيضانات التي شهدتها المحافظات الجنوبية الموريتانية التي تشكل معقلا رئيسياً للإصابة بالملاريا وحذر المسئول الموريتاني من خطورة انتشار حمى الملاريا في القارة الأفريقية وذكر أن هذا المرض يتسبب في موت مليون شخص سنويا من بينهم 90 في المائة من الأفارقة.

القروض والمساعدات يعتمد الاقتصاد الموريتاني بشكل رئيس على المساعدات والقروض الخارجية التي تقدمها الدول والمؤسسات المانحة وشركائها موريتانيا في التنمية ومن أبرزهم الصين وإيطاليا وألمانيا واليابان وأسبانيا وكندا، إضافة إلى الصندوق السعودي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وصندوق النقد الدولي، وأخيراً البنك الدولي الذي يحتل المرتبة الأولى بين شركاء التنمية مع موريتانيا حيث يمول مشاريع تشمل المجالات الحيوية كالصحة والتعليم وإصلاح الاقتصاد.
وفي الفترة الأخيرة وقعت موريتانيا على اتفاقيات جديدة مع العديد من الدول والجهات المانحة للحصول على تمويل لبعض المشاريع الخدمية والاجتماعية ومنها اتفاقية مع الصين بقيمة 30 مليون دولار وأخرى مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 16 مليون دولار، كما أعلن البنك الإسلامي للتنمية أنه وقع اتفاقيتي تمويل مع موريتانيا يقدم من خلالهما قرضين تبلغ قيمتهما حوالي 11 مليون دولار لتمويل مشاريع تعليمية.
بكلمة أخيرة إن موريتانيا تتمتع بإمكانات وموارد وثروات عديدة إذا أحسن استغلالها على الوجه الأمثل وضمن نطاقها الجغرافي وفي أجواء من الاستقرار السياسي الداخلي وبعيداً عن العلاقات المضرة وخاصة مع إسرائيل، فإن اقتصادها سيشهد نمواً بمعدلات تسمح بمواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها، وتقلل من اعتمادها على القروض الخارجية التي تؤدي إلى تراكم المديونية المرهقة لأي اقتصاد.