موسم الأعياد يعري ثغرات في الأجناس الفيلمية المغربية

غياب الأعمال بعد العيد يكشف فجوات ملحوظة في التنوع الثقافي والترفيهي المتاح للجمهور أيام العطل الموسمية.

الرباط - يمكن النظر إلى موضوع غياب أفلام العيد عن السينما المغربية اجتماعيا، في إطار قيمة الفيلم النهائية التي لا تساوي شيئا دون جمهور، لأن المشاهدين هم من يعطون الفيلم قيمته النهائية، مفسرين معانيه ومقيمين جدارته، إذ تعتبر أفلام العيد من الأعمال التي تصدر عادة في حدث سنوي معين مثل عيد الفطر أو عيد الأضحى، كما يحدث في السينما المصرية والسينما الهندية، وتتميز غالبا بأنها أعمال سينمائية كوميدية أو درامية تستهدف جمهور العائلة، وتكون ذات قيمة ترفيهية عالية، ويتم إطلاقها خلال هذه المناسبات لتشجيع الناس على الاحتفال وقضاء وقت ممتع في العطلة.

ويحتل هذا النوع من الأفلام مكانة كبيرة في صناعة السينما المصرية والهندية بالخصوص، نظرا لأهميتها وارتباطها بالجمهور، فكل الإبداع الفني والبراعة التجارية والتقدم التقني في مجال السينما يكون في الحقيقة موجه للمجتمع، ويطرح العديد من الباحثين نظريات مختلفة لتفسير كيفية تجاوب الجمهور مع هذا النوع من الأعمال، فأصحاب النظريات الماركسية مثل الألماني فالتر بينجامين والفرنسي لوي ألتوسير نظروا إلى الأفلام كأدوات دعاية سياسية أو تغيير اجتماعي، مؤكدين على قوة الإعلام مثل الأفلام في إعادة إنتاج الأيديولوجيا للاستهلاك العام، إذ يرون أن شبكة القيم لأي مجتمع تنسج داخل كل نص سينمائي.

لكن أين تقف السينما المغربية في هذا السياق؟

في محاولة للإجابة على هذا السؤال، يجب الاعتراف بأن أفلام العيد تعتبر طقوسا استراتيجية تحقق إيرادات عالية في شباك تذاكر السينما الهندية والمصرية على حد سواء، وذلك لأن هؤلاء يعرفون جيدا قيمة هذا النوع من الأفلام، نأخذ على سبيل المثال الفيلم المصري "شقة" للمخرج كريم السبكي وتأليف وسام صبري، يحقق هذا العمل إيرادات كبيرة في ثاني أيام عيد الفطر المبارك، حيث انطلق عرضه في القاعات أثناء وقفة العيد، وحصد 9 ملايين و806 آلاف جنيه، ليتصدر شباك التذاكر محققي 17 مليون جنيه منذ طرحه في القاعات، كما أن الفيلم المصري "فاصل من اللحظات اللذيذة" للمخرج أحمد الجندي، وتأليف شريف نجيب، احتل المركز الثاني في شباك تذاكر أفلام العيد، إذ يحقق قرابة 6 ملايين و600 ألف جنيه.

وتشكل أفلام العيد في عالم بوليوود جزءا لا يتجزأ من تقاليد الصناعة السينمائية الهندية الغنية والمتنوعة، إذ يعتبر العيد فترة حافلة بالأفلام المميزة التي تعرض للجمهور، كما تعد هذه الفترة مناسبة مثالية لإطلاق الأعمال الضخمة والمنتظرة بشغف كبير، وفقا لطقوسهم وأعيادهم المعروفة مثل عيد الألوان، وديوالي، وهولي، وكانت السينما الهندية دائما تنافس السينما المصرية في أفلام عيد الأضحى المعروفة.

ويمكن الحديث أيضا بطريقة غير مباشرة عن السينما العالمية التي تحقق إيرادات عالية في أيام عيد الفطر، نأخذ على سبيل المثال الفيلم الأمريكي "جودزيلا وكوينج : الإمبراطورية الجديدة" للمخرج آدم وينكارد، رغم أنه عرض قبل العيد بفترة، إلا أنه حافظ على المركز الأول بإيرادات بلغت 31.7 مليون دولار من 3948 شاشة سينما، وتشمل القائمة في عالم هوليوود العديد من الأفلام البارزة والمعروفة في نفس السياق.

ويرجع الغياب المحتمل لأفلام العيد في السينما بالمغرب إلى عدة عوامل، منها صعوبات في جذب التمويل اللازم لإنتاج هذه الأفلام التي تتطلب ميزانيات كبيرة، وقد يكون هناك تغير في اهتمامات الجمهور المغربي الذين يفضلون أنواعا أخرى من الترفيه خلال عطلة العيد، ومع تطور وسائل الترفيه الأخرى مثل منصات شاهد والنيتفلكس يكون هناك تنافسا متزايدا على انتباه الجمهور، ما يقلل من الطلب على السينما كوسيلة رئيسية للترفيه خلال هذه الفترة، أو نتيجة عدم وجود كتابة سينمائية مخصصة لهذه الأفلام بنقص في القصص الملهمة والملاءمة للجمهور الذي يبحث عن تجارب سينمائية مميزة، إذا كان هناك نقص في التنوع السينمائي وفي القصص التي تعكس تجارب وثقافة الجمهور المغربي خلال هذه الفترة، فإن ذلك قد يؤدي إلى تقليل الإقبال على الأفلام التي تعرض في هذا الوقت.

وتركز شركات الإنتاج التي تحتكر السوق على المشاريع التافهة التي تخدم الأجندة الخارجية وتحقق عوائد مالية أكبر أو تأتي مع فرص تسويقية واسعة النطاق، في ظل هذا قد تجد شركات الإنتاج أن الاستثمار في أفلام العيد ليس أولوية لها أو لا تخدم من يمولها، خاصة إذا كانت هناك استثمارات آخرى تعتبر أكثر جاذبية من الناحية المالية، فالافلام النسوية باتت مقبولة لذا شركات الانتاج بشكل ملحوظ وهذا يروج لثقافة تريدها الايادي الخارجية.

ويواجه بعض المخرجين فشل في إخراج هذا النوع من الأفلام وذلك بسبب عدم قدرتهم على فهم توقعات الجمهور أو عدم ملائمة القصص التي يختارونها لهذه الفترة، كما هناك شماعات تعلق على التقنية أو الميزانية، ومع ذلك يجب الاعتراف بأن هذا الاعتقاد ليس قاعدة عامة، فيوجد العديد من المخرجين الموهوبين والمبدعين القادرين على تقديم أفلام عيد متميزة وجذابة تحظى بإعجاب الجماهير.

ويعد الإقبال الهزيل على دور السينما المغربية خلال أيام العيد جزءا من العادات الاحتفالية التقليدية، إذ تحتل الأنشطة الأخرى كالتجمعات العائلية واللحظات المميزة مع الأصدقاء مكانة مهمة، كما يعتبر البعض قضاء الوقت في بيوتهم أو في أماكن ترفيهية مختلفة بديلا عن دور السينما، والمشاركة في أنشطة تتيح لهم فرصة التواصل الأعمق وتبادل الفرح مع أحبائهم، كما لا ينبغي أن ننسى وجود شريحة معينة من المجتمع تجد في زيارة دور السينما أيام العيد مناسبة للاستمتاع والتسلية بأحدث الأفلام.

ويتطلب فهم هذا النوع من الأفلام انتباها شديدا لعوامل ثلاث رئيسية، منها نوع الإنتاج، ومحتواها الفني وأسلوبها السينمائي، وردة فعل الجمهور، وبأمور أخرى ثقافية، إذ إن هذه العوامل متصلة ببعضها بشكل معقد وتاريخي، ولفهم تاريخ السينما ذاته وكيف تطورت الأفلام مع مرور الوقت منذ ظهورها الأول في ثمانينيات القرن التاسع عشر، يساعد على تذكر أن السينما صناعة بقدر كونها فنا واختراعا تقنيا ومؤسسة اجتماعية، فهذه الجوانب الأربعة، الاقتصادية والجمالية والتقنية والاجتماعية متضافرة في نسيج تاريخ السينما، فلا يجب على كل واحد فينا أن يكون اقتصاديا أو ناقدا فنيا أو تقنيا أوعالم اجتماع للإدراك الكامل بالموضوع، بل من المفيد معرفة القليل عن كل جانب عن طريق ردود فعل الجمهور الواسع، وكذلك الافكار النسوي التي تروج بطريقة فنية مكشوفة.