نتنياهو المحاصر يأمل زيارة واشنطن لإنهاء التوتّر مع البيت الأبيض

الإدارات الأميركية دأبت على توخي الحذر في انتقاد إسرائيل لأسباب منها قوة جماعات الضغط المؤيدة للدولة العبرية في واشنطن، ودورها كحليف وثيق والدعم الذي تتمتع به بين الأميركيين.
الولايات المتحدة تعتمد على إسرائيل في منطقة تتفاقم فيها مخاوف الغرب من إيران
نتنياهو لم يعد قادرا على أن يجمع بين فصائل اليسار واليمين

 القدس - أرجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو النظر في التعديلات القضائية التي أثارت الاضطرابات في إسرائيل، لكنه ما زال محاصرا بين حلفائه من اليمين المتطرف الذين يحتاج إلى دعمهم للبقاء في منصبه وبين موجة شديدة من المعارضة لخططهم، في وقت ينتظر فيه ضوءا أخضر من البيت الأبيض لزيارة واشنطن وإنهاء التوتر الذي تصاعد بين الجانبين لأسباب عديدة يأتي في صدراتها القلق الأميركي إزاء الخطط الإسرائيلية للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية واحتدام العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بالإضافة إلى الأزمة الداخلية التي فجّرها مخطط نتنياهو لإخضاع السلطة القضائية

ورضخ نتنياهو الاثنين أمام الاحتجاجات والإضرابات ومناشدات من قادة سياسيين وحلفاء أجانب لتأجيل الخطط السياسة الرئيسية لائتلافه القومي الديني والمتمثلة في قانون يعزز سلطة الحكومة على القضاء.

لكن لا يوجد ما يشير إلى استعداد أي من الجانبين للتراجع عندما يجتمع البرلمان مرة أخرى الشهر المقبل، أو أن زعيم حزب ليكود البالغ من العمر 73 عاما سيكون بوسعه التوصل إلى حل وسط يبقيه في السلطة دون زيادة الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي.

وقال أنشل فيفر، كاتب السيرة الذاتية غير الرسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، إن "نتنياهو محاصر... إنه يواجه مستوى من المعارضة والاحتجاجات لم يتخيله قط".

وهذا يوضح المعضلة التي تواجه رئيس وزراء إسرائيل الأطول بقاء في المنصب والذي تمكن من العودة إلى السلطة العام الماضي رغم فضيحة فساد لا تزال تلاحقه وما بدا أنها نهايته كسياسي بعد انهيار ائتلافه السابق عام 2020.

وعند إعلانه تأجيل النظر في التعديلات القضائية على شاشات التلفزيون، استشهد نتنياهو بحكمة النبي سليمان التي تشير إلى ضرورة مد اليد للحوار. وقال "أنا لا أرغب في تقسيم الأمة إلى قسمين... نحن لا نواجه أعداء بل إخواننا".

لكن على الرغم من مسعاه لتنفيذ سياسة تظهر استطلاعات الرأي أنها تلقى رفضا شعبيا على نطاق واسع، سخّر نتنياهو من خصومه باعتبارهم أقلية متطرفة تعمل على "إذكاء حرب أهلية".

ولا يقتصر ما يوضحه مثل هذا الخطاب على المخاطر الكبيرة التي تواجه رئيس الوزراء فيما يتعلق بآماله في تمديد سلطته بعد 15 عاما قضاها في المنصب عبر ستة تحالفات منذ التسعينيات، بل إنه يوضح أيضا المشكلات التي تواجهها إسرائيل في غمرة أزمة أمنية جديدة في الضفة الغربية وتحالف أثار القلق بين الحلفاء القدامى بعد وصوله إلى السلطة في الانتخابات العامة الخامسة في أقل من أربع سنوات.

وتظهر استطلاعات الرأي أن ائتلافه سيخسر أي انتخابات جديدة ويستطيع نتنياهو في الوقت نفسه الاعتماد على القليل من حسن النية من الأعداء القدامى وحلفائه السابقين الذين ما زال في حلقهم غصة من المواجهات السابقة.

وقال زعيم المعارضة يائير لابيد، الشريك السابق في ائتلاف لنتنياهو، عن تأجيل النظر في التعديلات الاثنين "لدينا تجربة سيئة من الماضي ولذا سنتأكد أولا من عدم وجود ألاعيب أو خداع هنا".

خيارات محدودة

نتنياهو عضو سابق في وحدة من قوات النخبة الخاصة وقُتل شقيقه الأكبر، يوني، أثناء قيادة عملية إنقاذ ركاب طائرة مختطفين في عنتيبي عام 1976. ولم يبد اهتماما يذكر بالرؤية القائمة منذ عقود والخاصة بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

وتوقفت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي ترعاها الولايات المتحدة عام 2014 في ظل قيادته ولا يوجد أي احتمال حاليا لاستئنافها.

ويعتبر نتنياهو من المتشددين أمنيا ويعتمد على مخاطبة المخاوف الغريزية لقاعدته الانتخابية في البلدات والمستوطنات المتناثرة بعيدا عن تل أبيب العصرية البراقة.

لكن خياراته محدودة، إذ قال فيفر إنه يتعين عليه الاختيار بين محاولة كسب مزيد من الوقت لجعل شركاء التحالف العنيدين يتراجعون، أو هزيمة المعارضة بأغلبية برلمانية أو إقناع بعض قادتها الحذرين بأن يحلوا محل شركائه في حكومة جديدة.

ومما يزيد من تعقيد الأمور، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه اتهامات بالفساد بزعم أنه تلقى هدايا بشكل غير قانوني ومنح امتيازات تنظيمية مقابل تغطية إخبارية إيجابية.

ويصف نتنياهو الدعاوى ضده بأنها ذات دوافع سياسية وينفي ارتكاب أي مخالفات ويقول إن تعديلاته القضائية ليس لها صلة بتلك الدعاوي.

وعلى عكس تحالفاته السابقة، لم يعد نتنياهو قادرا على أن يجمع بين فصائل اليسار واليمين. بل إن الرجل الذي اعتبر شوكة في جنب الرأي الليبرالي لأكثر من عقدين من الزمن، أصبح يقف الآن في الجناح اليساري لحكومته.

ومن بين شركائه في الائتلاف أنصار اليمين المتطرف للمستوطنين اليهود الذين أزعجوا حلفاء إسرائيل الأجانب بتصريحات غير مقبولة عن الفلسطينيين.

بايدن أبقى على مسافة بينه وبين نتنياهو ولم يدعه بعد لزيارة البيت الأبيض
بايدن أبقى على مسافة بينه وبين نتنياهو ولم يدعه بعد لزيارة البيت الأبيض

وفي محاولة لخطب ودهم، منحهم نتنياهو مناصب وزارية عليا مسؤولة عن المالية والأمن، ووعد بإنشاء وحدة حرس وطني يخشى منتقدون أن تتحول إلى ميليشيا يمينية، لكن مع ازدياد صعوبة المضي في الطريق، فربما لم يعد لديه الآن سوى القليل من الوعود التي يقدمها لهم.

بايدن يتجنب مواجهة علنية مع نتنياهو

وقال مصدر مطلع اليوم الثلاثاء إن الولايات المتحدة وإسرائيل تبحثان زيارة مقررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، لكن لم تُوجه دعوة بعد.

ومن شأن أي دعوة من هذا القبيل أن تمنح الزعيم الإسرائيلي المحاصر دفعة قوية بعد أن واجه بعضا من أكبر الاحتجاجات في تاريخ إسرائيل بسبب خطط التعديلات القضائية المتنازع عليها.

وتابع المصدر أن محادثات عامة جرت بشأن زيارة نتنياهو، لكن "لم توجه أي دعوة أو يحدد موعد حتى الآن".

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز اليوم الثلاثاء عن السفير الأميركي لدى إسرائيل توماس نايدز قوله إن الرئيس جو بايدن يعتزم استضافة نتنياهو في واشنطن خلال الأشهر المقبلة. وأضاف أنه لم يتحدد بعد موعد لهذه الزيارة.

وأفادت بأن نايدز قال في مقابلة مع راديو الجيش الإسرائيلي إنه يتوقع أن أي اجتماع مزمع سيعقد بعد انتهاء عيد الفصح اليهودي في 13 أبريل/نيسان، قائل "من الواضح أنه سيأتي... أتوقع أن يكون بعد عيد الفصح".

 وتجنب بايدن حتى الآن مواجهة علنية حادة مع نتنياهو رغم حالة التوتر بينهما، بينما يحاول إظهار معارضته للتعديلات القضائية التي أحدثت هزة في إسرائيل الحليف الوثيق للولايات المتحدة.

وفي الأشهر الثلاثة الماضية، أبدى بايدن وأعضاء كبار في إدارته قلقهم من الخطط الإسرائيلية للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية ومن احتدام العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

لكن أكثر ما أثار قلق البيت الأبيض هو خطة نتنياهو لإدخال تعديلات قضائية تمنح الحكومة سيطرة أكبر على التعيينات في المحكمة العليا. ودفع القرار إسرائيل إلى أزمة داخلية شهدت احتجاجات حاشدة أجبرت نتنياهو على تأجيل خطوة التعديلات الاثنين.

ويقول مساعدون إن بايدن الذي يعرف نتنياهو منذ نحو 40 عاما ناقش الأمر معه في مكالمات هاتفية خاصة لكنه يعبر في العلن عن دعمه لإسرائيل، أقوى حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وقال آرون ديفيد ميلر، محلل شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن "الفرضية الرئيسية للتعامل مع هذه الحكومة الإسرائيلية تتمثل في تجنب أي مواجهة علنية على نحو مستدام مع نتنياهو كلما تيسر لذلك سبيلا"، مضيفا "إنهم لا يريدون نزاعا".

ودأبت الإدارات الأمريكية على توخي الحذر في انتقاد إسرائيل لأسباب منها قوة جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، ودور الدولة كحليف وثيق والدعم الذي تتمتع به بين الأمريكيين العاديين.

ولدى سكان الولايات المتحدة وجهات نظر إيجابية إلى حد كبير تجاه إسرائيل، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في وقت سابق من هذا الشهر أنه في اتساق مع السنوات السابقة، هناك 68 في المئة من الأميركيين نظرتهم إيجابية لإسرائيل في مقابل 26 في المئة نظرتهم إيجابية للسلطة الفلسطينية.

ومثّل بيان البيت الأبيض الذي صدر الأحد رمزا لنهج بايدن، فقد حث "القادة الإسرائيليين على إيجاد حل وسط في أقرب وقت ممكن" في غمرة تصاعد الاحتجاجات هناك.

وقال مسؤول كبير في الإدارة "لم نتبع نهج عدم التدخل... نحن نتفهم أن هناك عملية سياسية محلية تأخذ مجراها. لذا أوضحنا تماما أن لدينا مخاوف بشأن هذا التعديل التشريعي وقلنا أيضا بوضوح شديد أننا نريد التوصل إلى حل وسط. لذا فنحن نراقب هذا عن كثب".

وقال دينيس روس، مفاوض السلام الأميركي المخضرم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إن إدارة بايدن عبرت عن قلقها تجاه المقترحات القضائية في إسرائيل لكنها فعلت ذلك سرا بقدر الإمكان.

وأبقى بايدن على مسافة بينه وبين نتنياهو ولم يدعه بعد لزيارة البيت الأبيض منذ أن بدأ الزعيم الإسرائيلي ولايته السادسة كرئيس للوزراء في ديسمبر/كانون الأول.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية اليوم الثلاثاء إنه لا توجد خطة حتى الآن لزيارة نتنياهو لكن "القادة الإسرائيليين لديهم تقليد راسخ في زيارة واشنطن، ومن المرجح أن يقوم رئيس الوزراء نتنياهو بزيارة في وقت ما".

ومن ناحية أخرى، لم تصدر تهديدات أميركية لتقليص التمويل لإسرائيل التي تعد أكبر المتلقين للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية.

وتاريخيا، لا يوجد استعداد لدى الكونغرس الأميركي للإقدام على مثل هذه الخطوة. والولايات المتحدة تعتمد على إسرائيل في منطقة تتفاقم فيها مخاوف الغرب من إيران.