نجاح استثنائي للسياحة التونسية

تونس نجحت في الجمع بين التراث العريق والادارة العصرية

تونس – انه بلد الـ 5 ملايين سائح. هكذا تعرف تونس في الدوائر الاقتصادية الاقليمية والدولية. كما تعرف ايضا بجاذبيتها الخاصة في حوض المتوسطا ليس فقط لثراء مخزونها الثقافي والحضاري وثروتها الطبيعية، ولكن ايضا لما تتمتع به من امن واستقرار اجتماعي وسياسي في عالم يعيش التقلبات التي لم تسلم منها بلدان تتفوق على تونس من حيث الامكانيات الطبيعية والمادية، لكنها لا تتفوق عليها من حيث قدراتها الادارية والتنظيمية.
لقد حققت تونس نجاحا ملحوظا في ادارة قطاعها السياحي الذي يتمتع بأهمية بالغة في النسيج الاقتصادي التونسي. فشهد هذا القطاع نقلة نوعية هامة جعلت المؤسسات السياحية ترتفع الى 736 مؤسسة سنة 2000 توفر حوالي 4200 ألف سرير، وارتفعت الايرادات بالعملة الصعبة بنسبة 2.7 بالمائة لتبلغ مليارين ومائة مليون دينار.
وتبرز أهمية هذا القطاع أيضا من خلال بعده الاجتماعي. إذ أنه يوفر نحو 79 ألف فرصة عمل دون احتساب القطاعات الأخرى المرتبطة به ارتباطا مباشرا.
واصبح القطاع السياحي يمثل رافدا آخر من روافد المصداقية التي تتمتع بها تونس في الخارج. هذه المصداقية التي لا يعكسها فقط توافد السياح الأجانب الذين تجاوز عددهم الخمسة ملايين سائح سنة 2000، بل كذلك بتوافد كبرى المؤسسات السياحية في العالم، الأوروبية منها والأميركية والكندية وغيرها، من أجل الاستثمار أو عقد مؤتمراتها وجلساتها السنوية في المناطق السياحية في تونس. وهي ظاهرة أصبحت عادية في تونس خلال السنوات القليلة الماضية.
هذه المكانة المتميّزة التي تحتلها السياحة التونسية في السوق العالمية، جعلت تونس تتعامل بتفاؤل من أجل تجاوز الانعكاسات السلبية التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر/ايلول 2001 على السياحة العالمية، وما سببته من تراجع أو انهيار في بلدان أخرى، فقد تمكنت تونس من احتواء التأثيرات السلبية لتلك الأحداث المأساوية خلافا لوجهات سياحية أخرى نتيجة للصورة المتميزة لتونس في الخارج باعتبارها وجهة سياحية آمنة.
وإذا كان ذلك لا ينفي تأثير تلك الأحداث على السياحة التونسية التي شهدت انخفاضا بنسبة 7 بالمائة في عدد السياح الوافدين على تونس خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول2001، أي عقب الأحداث مباشرة، فإن تلك الإنعكاسات لم تكن بحجم السلبية التي شهدتها وجهات سياحية كبرى أخرى في العالم.
ومن أجل احتواء الأزمة السياحية المتولدة عن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 والتحكم في تأثيراتها، بادرت الحكومة التونسية، وبتوجيهات مباشرة من الرئيس زين العابدين بن علي، إلى اتخاذ العديد من الإجراءات العملية في إطار خطة للتحرّك تهدف الى متابعة الأسواق التقليدية، وابراز ما تتمتع به تونس من امن واستقرار.
وخصصت الحكومة التونسية ميزانية إضافية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2001 بقيمة 3 ملايين دينار تم توظيفها في أهم الأسواق السياحية بالنسبة لتونس مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا في إطار تنفيذ خطة دعم السياحة التونسية وحماية القطاع من انعكاسات أحداث نيويورك وواشنطن، وهي خطة شملت كذلك دعم السياحة العربية وتأمين النقل الجوّي والبحري للسياح.
وبالتوازي مع هذا التحرّك التونسي في ظرف دولي استثنائي واصلت الدولة خطتها في مجال دعم المنتج السياحي وإثرائه خلال سنة 2001 بدعم مكانة القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني عامة. وبرز ذلك بشكل خاص من خلال الاستثمارات التي وظفتها البلاد لهذا القطاع والتي بلغت العام الماضي 320 مليون دينار عززت مقومات السياحة وساعدت على مزيد من تنويع منتجاتها. وكان ذلك بفضل اقامة 9 آلاف سرير سنة 2001 ينتظر أن تضاف إليها 26 ألف سرير أخرى هي الآن بصدد الإنجاز.
كما تعززت البنية الأساسية للقطاع ببعث 14 مشروعا جديدا للتنشيط والترفيه السياحي دخلت بعد طور الإستغلال مثل الميناء الترفيهي بالحمامات الجنوبية، في انتظار استكمال إنجاز ما لا يقل عن 49 مشروعا آخر يجري الآن إنجازها من بينها عشر مراكز استشفائية بمياه البحر وملعب للصولجان بتوزر. ذلك أن المناطق الداخلية السياحية مثل توزر، وطبرقة، أصبحت تمثل هي الأخرى مواقع متقدمة في القطاع السياحي بتونس، سواء بالعمل على دعم البنية الأساسية بها أو التوجه نحو جلب المزيد من السياح لهذه المناطق حيث يتوفر منتج نوعي متميز، وذلك بحرص الدولة على ربط هذه المناطق بخطوط مباشرة مع بعض البلدان الأوروبية وغير الأوروبية.
ويندرج الاهتمام بهذه المناطق في إطار خطة تهدف الى رفع مردودية القطاع وتحسين أدائه وهي خطة تتركز على العناية بجودة المنتجات السياحية في إطار استراتيجية شاملة للنهوض بجودة السياحة التونسية تشمل كل القطاعات المتصلة بالسياحة والمرتبطة بها.
ويمتد انجاز الخطة على سنتي 2002 و2003، ومن عناصرها المحورية الشروع في اعتماد قانون المواصفات في القطاع منذ بداية هذه السنة ليشمل 130 مؤسسة، الامر الذي سيكون له انعكاس ايجابي جدّا على نوعية وجودة الخدمات المسداة للسياح الأجانب لا سيما وأن برنامج التأهيل الشامل المتواصل انجازه كان له أثره البالغ في هذا السياق، وكذلك البرامج التكوينية المتنوعة، وتنظيم شروط الدخول للقطاع وممارسته.
وتتصدر جهود النهوض بالقطاع السياحي التونسي الخطة الوطنية التي تم إقرارها للنهوض بالسياحة الثقافية والبيئية، والتي وفرت دعما كبيرا للبنية الأساسية في هذا المجال، وساهمت بفعالية في العناية بالمواقع الأثرية والمتاحف والمواقع الثقافية في نطاق برنامج لإحياء التراث التقليدي وإدماجه ضمن المسالك السياحية والذي وظفت له الدولة خلال العقد الماضي ما لا يقل عن 4 ملايين دينار.
وتحرص تونس على أن تولي اهتماما متزايدا بالقطاعات المرتبطة بالسياحة حتى يكون النهوض بالقطاع متسما بالشمولية على مستوى مكوناته وعلى مستوى مصادر استقطاب السياح. ومن هذه القطاعات قطاع الترفيه الذي يحظى بأهمية بالغة نظرا للمستوى المتقدم من العيش الذي أصبح يتمتع به التونسي، وللحاجة الوطنية لتطوير هذا التوجه تجسيما للبرنامج المستقبلي للرئيس بن علي. وتمت إعادة هيكلة هذا القطاع الذي يخضع لتوجيه المجلس الأعلى للترفيه.
ومن هذه القطاعات أيضا ما يتصل بالمياه المعدنية التي أصبحت لها مكانة هامة في السياحة التونسية سواء منها السياحة الداخلية اوالعربية مما دفع الحكومة لمزيد العناية بهذا القطاع واعداد خريطة حول منابع المياه المعدنية في البلاد ودفع الاستثمار الخاص نحو التوجه لبعث مشاريع تدعمها الدولة للإرتقاء بما يعرف حاليا في تونس بـ "الحمامات التقليدية" وتحويلها إلى "محطات استشفائية" خصوصا بعد نجاح تونس في بعث العديد من هذه المحطات التي أصبحت تستقطب أعدادا متزايدة من السياح سنويا.
ويعد قطاع الصناعات التقليدية واحدا من أكثر القطاعات ارتباطا بالسياحة. وقد شهد هو الآخر دفعا هاما منذ عام 1987 اذ أصبح يضم أكثر من 300 ألف حرفي ويستقطب حوالي 11 بالمائة من اليد العاملة النوعية ويساهم بما لا يقل عن 3.8 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي ويوفر 2.2 بالمائة من عائدات البلاد من العملة الأجنبية.