نجيب محفوظ المسرحي
لجأ نجيب محفوظ إلى كتابة مسرحيات من ذوات الفصل الواحد، بعد نكسة 1967 ونشرت ضمن مجموعاته القصصية: "تحت المظلة" و"المطاردة" و"الشيطان يعظ"، وصل عددها إلى ثماني مسرحيات، منها خمس مسرحيات في "تحت المظلة". وقد نشرت هذه المسرحيات في كتاب خاص بها صدر عن دار الشروق بالقاهرة في طبعتين (2006 و2008).
وهي لم تعجب الناقد المسرحي جلال العشري (1939 – 1989) الذي قال: "لنتفق إذن على أن مسرحيات نجيب محفوظ التي ضمنها مجموعته "تحت المظلة" تدخل في باب القصة القصيرة، وأنها ارتكزت على شكل الجدل والحوار وصراع الأفكار، وتزيَّت بزي التعليمات المسرحية، فإن هذا جميعا لا يجعل منها فنًّا مسرحيًّا بالمفهوم الاصطلاحي لتعبير الفن المسرحي".
ويوضح محفوظ أنه ارتكز على عنصري الضرورة والحتمية في تلك المسرحيات القصيرة، إذ ارتكز في تعقبها لآثار الهزيمة على خاصية المباشرة والمواجهة الحوارية التي لا يملكها فن من الفنون، كما يتميز بها المسرح الذي يعد بامتياز فن المعايشة والمواجهة.
أما هذه المسرحيات فهي: يُميت ويُحيي، التركة، النجاة، مشروع للمناقشة، المهمة، المطاردة، الجبل، والشيطان يعظ (مستوحاة من مدينة النحاس في ألف ليلة وليلة).
وقد تحولت بعض روايات نجيب محفوظ إلى مسرحيات على خشبة المسرح، منها ما جلب له بعض المشاكل أثناء عمله رقيبا فنيَّا (بوزارة الثقافة). فقد شنَّ أحد الوزراء أثناء اجتماعات مجلس الوزراء (عام 1959)، وهو الدكتور حسن عباس زكي (وزير الاقتصاد)، هجومًا على الدكتور ثروت عكاشة (كان وزيرًا للثقافة وقتها)، وكانت وجهة نظر عباس أن الدكتور عكاشة أسند مهمة الرقابة لرجل متهم في عقيدته الدينية (بسبب رواية "أولاد حارتنا").
يقول محفوظ: في تلك الأثناء تعرضتُ لمواقف كان بعضها أشبه بمسرحية هزلية، ففي أحد الأيام اتصل بي مدير مكتب كمال الدين حسين (وكان وزيرًا للتربية والتعليم) وفوجئت به يبلغني لوم الوزير، لأني سمحت بعرض "أولاد حارتنا" على المسرح القومي، ولم تكن الرواية تحولت إلى مسرحية، واكتشفت أن كمال الدين حسين خلط بينها وبين "بداية ونهاية" التي كانت تعرض آنذاك بالفعل على خشبة المسرح القومي، ولوضع حد للمشاكل طلب مني الدكتور ثروت عكاشة ترك الرقابة والانتقال إلى رئاسة مؤسسة دعم السينما التي كانت تحت الإنشاء، وكان مقرها 68 شارع القصر العيني (العمارة التي كان يوجد بها نادي القصة).
وقد أُعيد إخراج "بداية ونهاية" للمسرح عام 1985 إعداد: أنور فتح الله، موسيقى: حلمي بكر، إخراج مسرحي: عبدالغفار عودة، إخراج تليفزيوني: يحيى العلمي. وبطولة فريد شوقي (كان أحد أبطال الفيلم) وكريمة مختار، ومعهم المملثون: شهيرة، حسين فهمي، محمود ياسين، ممدوح عبدالعليم، حمدي يوسف، يُسرا، صافيناز الجندي، مُحسن سرحان، فاروق الفيشاوي، المُنتصر بالله، نادية فهمي، زينب أنور، سعيد الصالح، نجوى فؤاد، علي الشريف، إبراهيم خان، أبو بكر عزت، و عادل برهام.
ومن المسرحيات الأخرى المأخوذة عن إحدى روايات نجيب محفوظ؛ "زقاق المدق"، وقامت أمينة الصاوي بتحويلها، وقامت الممثلة فاطمة رشدي بدور حميدة. ويرى محفوظ أنها وفقت إلى حد بعيد، ولا اعتراض له إلا على النهاية، ويقول: إن قتل حميدة يناقض المعنى الذي يقصده الكاتب.
كما تحولت رواية "أفراح القبة" إلى مسرحية من إعداد وإخراج يوسف المنصور، عن طريق البيت الفني للمسرح التابع لوزارة الثقافة، وعرضت عام 2020.
كما وافق محفوظ على عرض للباحث الإسرائيلي سان سوميخ لمسرحة رواية "ثرثرة فوق النيل" للمسرح العبري، بعد أن ترجم سوميخ الرواية.
محفوظ لم يكن ينوي الكتابة للمسرح لأنه يؤمن بالتخصص الأدبي على خلاف الجيل السابق عليه الذي كان يكتب في كل شيء، ولكنه لجأ إلى كتابة عدد محدود من المسرحيات ذوات الفصل الواحد، ومثلت ثلاث منها على مسرح الجيب.
ويسأله الناقد أحمد محمد عطية (مجلة الآداب اللبنانية عدد يناير 1970): لماذا اتجهت أخيرًا إلى كتابة المسرحيات القصيرة، هل هو تحول إلى المسرح مماثل لتحول كثير من كتاب القصة المصريين إلى المسرح؟
يجيب محفوظ: الواقع أن المسألة تطورت. إن قصصي بدأ يغلب عليها الحوار، ومن ثم بدأ التحول للمسرحية، وربما لأن هذه الفترة هي فترة مناقضات وأنسب شيء لها الحوار، وأعده تحولا إلى المسرح مع الاحتفاظ بالكتابة القصصية. وقصصي الجديدة كلها في شكل حوار مسرحي. وحجمها أكبر من القصة القصيرة.
ويطلعه محفوظ على قصته الجديدة "نافذة في الدور الخامس والثلاثين" وهي في 29 صفحة حجم فولسكاب.
ومما يذكر أنه في عام 2016 صدر كتاب "مسرحيات الفصل الواحد عند نجيب محفوظ" للكاتب محمود كحيلة عن دائرة الثقافة بالشارقة.