'نزوح' تكشف أهمية العنصر الأنثوي في الرحلات الفضائية

الرواية تفتح المجال للنقاش حول كيفية تحسين الفرق البشرية لضمان النجاح في المهام الفضائية طويلة الأمد.
حبيب عبدالرب سروري يُغلف روايته بالتحليل البيئي والاجتماعي بشكل مبطن
ضحى عبدالرؤوف المل
بيروت

في عنوان آخر يمكن القول "تحديات الرحلات الفضائية: دور العنصر الأنثوي وتأثيره على التفاعل الاجتماعي والعلمي في البيئات غير الجاذبية"، ففي عالم الفضاء الواسع، حيث لا تقتصر التحديات على الجانب التكنولوجي فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب النفسية والاجتماعية أيضا، تبرز قضية أساسية تتعلق بتكوين الطواقم البشرية للبعثات الفضائية.

تُظهر رواية "نزوح" للروائي حبيب عبدالرب سروري تصورا فريدا حول كيفية تأثير غياب العنصر الأنثوي على صحة الطاقم وأداء البعثات في البيئات غير الجاذبية.

وتُشير الرواية إلى أن "أي مركبة تغادر الأرض لمهمة استيطانية طويلة الأمد، إن كانت من دون أنثى، تتحول رويدا رويدا، كما برهنت تجارب رحلات الفضاء، إلى عرين مجانين مسعورين". كما يوضح أن الذكور بدون وجود العنصر الأنثوي، يتعرضون "لقحط موسيقي وتوتر نفسي وضغط عصبي"، مما يؤدي إلى "الانكماش والخواء والتهلكة".

من خلال استعراض رحلتين فضائيتين مختلفتين، تُسلط الرواية الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه النساء في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي لأفراد الطاقم. الرحلة الأولى التي تمثل اختبارا لقدرة الإنسان على العيش والتكاثر بعيدا عن الجاذبية الأرضية تُظهر أهمية تكوين الطاقم من "ثلاث نساء ورجلين"، بينما الرحلة الثانية التي تشمل "أربع فتيات وشابا"، تقدم نموذجا مختلفا يؤكد على تنوع التخصصات والعلاقات الشخصية بين أفراد الطاقم.

تفتح رواية "نزوح" المجال للنقاش حول كيفية تحسين الفرق البشرية لضمان النجاح في المهام الفضائية طويلة الأمد، مع التركيز على أهمية وجود العنصر الأنثوي لضمان استمرارية ونجاح الرحلات، حيث يُعتبر أن اختيار خولة للانضمام إلى فريق الرحلة، رغم تاريخها كرمز للإثارة والغرام، يمثل استجابة لاحتياجات محددة في البعثة، فخولة "شابة لها جسم خلق لتأجيج المعارك الغرامية"، مما يعكس التقدير لطاقاتها العاطفية والجنسية، ويثير تساؤلات حول الدوافع وراء اختيارها من قبل لجنة الإشراف.

يُغلف حبيب عبدالرب سروري روايته بالتحليل البيئي والاجتماعي بشكل مبطن، وإن ظهر ذلك بتعلق جلال بالفضاء كملاذ للهروب من قسوة الحياة على الأرض، فعشقه للفضاء يعكس هروبه من المعاناة الواقعية، ويعزز الصورة المثالية للكون كعالم خالٍ من الفوضى والألم. وفقدانه لحنان رنيم الذي يشكل ضياعه المحوري في حياته، يساهم في تفضيله للفضاء على الأرض، حيث يرى في السماء ملاذا يحقق له الاستقرار والسلام الذي يفتقده على الأرض. لا أعرف إن كان يصح لي القول إن التحليل البيئي والاجتماعي الذي يعيشه العالم يشير إلى تأثير الصراعات والحروب، والتخلف والفقر، والأوبئة على المجتمعات الضعيفة. في المقابل، يعرض تيارات المجتمع المتقدم الذي يعاني من انخفاض معدلات الإنجاب ونفور الشباب من تكوين الأسر في ظل عالم غير مضمون. تبرز هذه التناقضات كمصادر ضغط على الأفراد وتوجهاتهم العاطفية والاجتماعية، فالرواية تتميز بالعمق العاطفي والتجريدي، حيث يربط بين الأبعاد الشخصية للفرد والظروف العالمية المحيطة، فاستخدام الصور الشعرية مثل "أتذكرك كلما أرى القمر"، يُعزز من قوة التعبير عن الأحاسيس والمشاعر. ومع ذلك، قد تكون الرواية معقدة بعض الشيء بسبب تداخل الأفكار والتوجهات، إلا أنها متعددة التأويلات وتختلف من قارئ لآخر.

الرواية لا تخلو فلسفيا من التعلق بالسفر والمغامرة وتجربة الحياة. يُشدد على أهمية السير نحو المجهول وعدم التقيد بخطط محددة مسبقا، مستشهدا بكلمات كريستوفر كولومبوس وستيفان مالارميه اللتين تدعوان لاستكشاف المجهول بدلاً من التمسك بخطط دقيقة. يشير إلى أن الفلسفة الطاوية تدعو لرؤية الطريق كعملية متطورة، حيث يُرسم الطريق خطوة بخطوة بناءً على التجربة الحالية دون تحديد مسبق. فهل لكريستوف كولومبوس فلسفته في هذه الرواية حيث "لا يذهب المرء أبعد ما يمكن، إلا عندما يذهب حيث لا يدري أين يذهب"؟ هذا يعكس فلسفة البحث والاستكشاف، كما هي الحال مع ستيفان مالارميه "يتقدم المرء فقط عندما يسير نحو المجهول"، فالتقدم الحقيقي يأتي من مواجهة المجهول وعدم التمسك بالخطط الدقيقة..

تشير الرواية العلمية والخيالية إلى أن البيئة، سواء كانت حقيقية أو خيالية، تلعب دورًا محوريًا في فهم الإنسان لنفسه وللعالم من حوله، فـ"نزوح" تستكشف البيئات غير المعروفة لمركبات الفضاء وتتيح للقراء تصور كيفية تأثير الظروف البيئية المختلفة على الإنسان وتساعد في تسليط الضوء على التحديات النفسية والعلمية التي قد تواجهها الفرق البشرية. كما توفر هذه الروايات منصة لطرح الأسئلة العميقة حول العلاقات بين البشر والبيئة التي يعيشون فيها، مما يعزز من تفهمنا للواقع والخيال.

من خلال الجمع بين الواقع والخيال، تُسهم رواية سروري العلمية والخيالية في تشكيل تصوراتنا عن المستقبل وتوسيع حدود فهمنا للكون. إنها تتيح لنا استكشاف الأفكار التي قد تبدو بعيدة المنال، وتفتح لنا أبوابًا جديدة للتفكير والابتكار، مما يعزز من قدرتنا على التكيف مع التحديات المستقبلية.