'هاتف ترامب'، صناعة وطنية خالصة أم تغليف أميركي لجوهر صيني؟

إعلان 'مؤسسة ترامب' عن هاتف ذكي جديد يثير مزاعم مثيرة للجدل حول تصنيعه بالكامل في الولايات المتحدة، وهو ما شكك فيه خبراء التقنية نظراً لاعتماد التصميم على مكونات وأجهزة صينية.

واشنطن - أعلنت مؤسسة "ترامب" إطلاق هاتف محمول جديد يُروَّج له بأنه "مصمَّم ومُصنَّع بفخر في الولايات المتحدة وذلك مقابل 499 دولارا، تحت مسمى اسم T1، وهو ما اثار موجة من الشكوك والانتقادات من قبل خبراء الصناعة ومراقبي الأخلاقيات العامة، الذين يرون أن المزاعم لا تصمد أمام واقع سلاسل التوريد والقدرات التصنيعية في الولايات المتحدة.

رغم تصريحات إيريك ترامب بأن "جميع الهواتف في نهاية المطاف يمكن تصنيعها في أمريكا"، فإن الجدول الزمني المحدد لإطلاق الهاتف في سبتمبر/أيلول 2025، والسعر المقترح (499 دولارًا)، لا يتوافقان مع متطلبات إنتاج هاتف ذكي بالكامل داخل الولايات المتحدة، بحسب ما أكده خبراء من CNN وBBC.
وقال تود ويفر، المدير التنفيذي لشركة "بيوريزم" التي تُعد من القلائل الذين يُصنّعون الهواتف داخل الولايات المتحدة، إن "تحقيق مثل هذا الوعد يتطلب سنوات من الاستثمار وبنية تحتية غير متوفرة حاليًا"، مضيفًا: "إلا إذا أنشأ آل ترامب سراً شبكة تصنيع كاملة على الأراضي الأميركية دون أن يلاحظ أحد، فإن تنفيذ هذا الادعاء غير ممكن".

إلا إذا أنشأ آل ترامب سراً شبكة تصنيع كاملة على الأراضي الأميركية

وفي هذا السياق، أشار خبراء آخرون إلى تشابه لافت بين مواصفات هاتف T1 وهاتف Revvl 7 Pro 5G الصيني من تصنيع شركة Wingtech، حيث يتطابق كلا الجهازين في الحجم، سعة البطارية، منافذ السماعات، وسعة التخزين، مع بعض الاختلافات الطفيفة في الكاميرا والذاكرة. كما ظهرت مواصفات شبه مطابقة لهاتف آخر يُباع على موقع "صنع في الصين" باسم Vtex Smart Phone.

أبعاد سياسية وأخلاقية

رغم تأكيد البيت الأبيض أن دونالد ترامب لا يشارك في العمليات اليومية لمؤسسته، إلا أن مراقبين، من بينهم ميغان فولكنر من "مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق في واشنطن"، يرون أن هذا المشروع الجديد هو محاولة جديدة للاستفادة المادية من موقع ترامب السياسي، ويطرح تساؤلات حول تضارب المصالح واحتمال تأثير المشروع على توجهات الرئيس السابق في تنظيم قطاع التكنولوجيا.

كما يُشار إلى أن الهاتف سيكون مرفقًا بخدمة اتصالات محمولة باشتراك شهري قدره 47.45 دولارًا، في إشارة رمزية إلى أن ترامب هو الرئيس الـ47 والـ45 للولايات المتحدة، وهو ما اعتبره البعض استغلالاً سياسياً للعلامة التجارية.

صعوبة التصنيع

بخلاف الشكوك الأخلاقية، فإن تصنيع هاتف ذكي بالكامل في الولايات المتحدة يُعد تحديًا ضخمًا. فبحسب رايان رايث، نائب رئيس "آي دي سي" لتتبع الأجهزة عالميًا، فإن البنية التحتية الأميركية تفتقر للمصانع المتخصصة في التجميع الدقيق والمعقد لمكونات الهواتف الذكية، ومعظم الأجزاء — من رقائق المعالجة إلى البلورات الخاصة بشريحة GPS — لا تزال تُصنع في الصين أو مناطق أخرى من آسيا.

حتى شركة Purism، التي تنتج هاتف "ليبرتي" بسعر 1999 دولارًا، تُضطر لاستيراد بعض المكونات، ما يُبرز صعوبة الادعاء بـ"صُنع بالكامل في أمريكا" طبقًا لمعايير لجنة التجارة الفيدرالية.

استراتيجية تجارية وليست تقنية

الهاتف والخدمة المرتبطة بهما يندرجان ضمن استراتيجية ترامب التجارية المعروفة، القائمة على تأجير اسمه مقابل رسوم وحقوق امتياز، وقد تضاعفت ثروته الصافية العام الماضي لتبلغ نحو 5.1 مليار دولار، بفضل مشاريعه التجارية ذات الطابع السياسي مثل منصة "تروث سوشال" والمنتجات التي تحمل اسمه كالساعات والإنجيل والعطور.

لكن رغم الزخم الدعائي، فإن إعلان الهاتف جاء خاليًا من كثير من التفاصيل، مثل اسم الشريك التجاري الذي سيتولى التشغيل أو جهة التصنيع الفعلية.

"وهم السيادة التقنية"

رغم محاولة "مؤسسة ترامب" تصوير هاتف T1 كمشروع وطني يستعيد هيبة الصناعة الأميركية، فإن الحقائق تشير إلى أنه أقرب إلى إعادة تغليف لهاتف صيني بمواصفات متواضعة، يُباع تحت اسم تجاري قوي ومشحون سياسيًا، في سوق تنافسي تهيمن عليه شركات مثل AT&T وVerizon وT-Mobile، والتي تقدم خدمات أقل كلفة وأكثر نضجًا.

ويبقى السؤال: هل سيشتري الأميركيون الهاتف بدافع الولاء السياسي، أم سيدركون أن ما يُباع لهم ليس سوى "وهم السيادة التقنية"؟