
هدنة ادلب تحتضر بعد يوم من 'ولادتها'
عمّان/اسطنبول - دارت اشتباكات دامية في جنوب إدلب اليوم الجمعة بعد ساعات من بدء تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار توصلت إليه روسيا وتركيا بهدف إنهاء القتال في آخر جيب تسيطر عليه المعارضة في سوريا.
وتعكس المواجهات طبيعة الهدنة الهشة التي أعلنتها أنقرة وموسكو على اثر لقاء تم على عجل أمس الخميس بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان بطلب من تركيا التي تجمع كل المؤشرات الميدانية أنها عالقة في ورطة كبيرة في ادلب.
وقال مصدر بالمرصد السوري لحقوق الإنسان ومصدر بالمعارضة إن الاشتباكات دارت في منطقة جبل الزاوية بين قوات الحكومة السورية والحزب الإسلامي التركستاني. وقال المرصد إن ذلك أسفر عن سقوط 15 قتيلا. وقال سكان ومقاتلون من المعارضة إن العنف هدأ في أماكن أخرى.
غير أن الاشتباكات أبرزت مدى هشاشة الاتفاق بين روسيا التي تدعم قوات الرئيس بشار الأسد وتركيا التي تساند جماعات من المعارضة لكن نفوذها أقل على الجهاديين المتشددين الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من إدلب.
ويهدف اتفاق وقف إطلاق النار لاحتواء صراع أدى إلى نزوح نحو مليون شخص في غضون ثلاثة أشهر في شمال غرب سوريا ومقتل نحو 60 جنديا تركيا في شهر فبراير/شباط لوحده، وفق حصيلة معلنة.
وانهارت عدة اتفاقات سابقة لإنهاء القتال في إدلب. وعبر محللون وسكان عن مخاوفهم من أن يلقى الاتفاق الأخير نفس المصير لأنه لم يتناول الأزمة الإنسانية أو الحماية الجوية بأي تفصيل.
الاتفاق بين بوتين وأردوغان حول ادلب لم يُصغ على نحو يضمن استمراره بل على نحو يجعل مآله الفشل وللأسف في المستقبل غير البعيد
وقال جاليب دالاي الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية "هذا الاتفاق لم يُصغ على نحو يضمن استمراره بل على نحو يجعل مآله الفشل.. وللأسف في المستقبل غير البعيد".
وتابع "أي ترتيب لوقف إطلاق النار في إدلب، ما لم يتضمن منطقة حظر طيران سيكون مصيره الفشل. الاتفاقات السابقة لم تؤد قط إلى خفض التصعيد وإنما جمدت الأزمة حتى التصعيد التالي".
وقال وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك اليوم الجمعة لدى وصوله لحضور اجتماع مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي إنه يجب تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار بإقامة منطقة حظر طيران لمنع تعرض أي مستشفيات للقصف مرة أخرى.
وفجر القتال الأخير أزمة وصفتها الأمم المتحدة بأنها قد تكون أسوأ أزمة إنسانية حتى الآن في الحرب التي أدت إلى نزوح ملايين من ديارهم وأزهقت أرواح مئات الآلاف.
وهونت روسيا مرارا من أي حديث عن أزمة لاجئين، متهمة تركيا بانتهاك القانون الدولي بعد أن دفعت بقوات وعتاد إلى إدلب منذ أوائل الشهر الماضي.
وسعت أنقرة التي تملك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي لصد تقدم الحكومة السورية ومنع تدفق موجة من اللاجئين عبر حدودها الجنوبية. وتستضيف تركيا بالفعل 3.6 ملايين لاجئ سوري.
وينص اتفاق وقف إطلاق النار على إقامة ممر أمني يمتد ستة كيلومترات إلى الشمال والجنوب من طريق إم4 السريع الواصل بين شرق إدلب وغربها وحيث ستبدأ دوريات روسية تركية مشتركة في 15 مارس/آذار وهو ما يعزز فعليا وجود روسيا في شمال إدلب.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الخميس إنه يأمل أن يكون الاتفاق "أساسا جيدا لوقف النشاط العسكري في منطقة خفض التصعيد في إدلب"، فيما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الجانبين سيعملان سويا لتوفير المساعدات لمن هم بحاجة إليها من السوريين، لكنه أضاف أن تركيا تحتفظ بالحق في "الرد على جميع هجمات النظام (السوري) في الميدان".

وذكر سكان ومقاتلون في المنطقة أن الخطوط الأمامية التي شهدت غارات جوية مكثفة قامت بها طائرات روسية وسورية وضربات بالمدفعية والطائرات التركية المسيرة على قوات الأسد، كانت هادئة في معظم أنحاء المنطقة بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في منتصف الليل الماضية.
وقال عبدالغني الشيخ وهو مقاتل من جماعة فيلق الشام المدعومة من تركيا إن وقف إطلاق النار سار، لكن شابته انتهاكات، مضيفا أن قوات الحكومة تقصف جبل الزاوية والأتارب إلى الجنوب والشرق من إدلب.
غير أنه أوضح أن الوضع أفضل بشكل عام. وقال إن الكل لديه اعتقاد بأن هذا أمر مؤقت وأن التعزيزات التركية لا تزال تأتي.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الساعات الثماني الأولى من وقف إطلاق النار مرت في هدوء نسبي وإن الأجواء خلت من الطائرات الحربية السورية والروسية.
وقال مراسل التلفزيون السوري من بلدة سراقب التي استعادتها القوات السورية الأسبوع الماضي إنه يجري تعزيز مواقع على الخطوط الأمامية.
ولم يذكر الاتفاق تفاصيل "منطقة آمنة" ولم يصف كيف يمكن للنازحين العودة إلى ديارهم التي فروا منها هربا من الهجوم المدعوم من روسيا.
وقال أحمد رحال وهو ضابط سابق في قوات الحكومة السورية انشق وانضم للمعارضة، إن أحدا لم يشر إلى منطقة آمنة أو مناطق للانسحاب وتساءل أين سيذهب النازحون الذين لن يقبلوا أبدا الذهاب إلى مناطق الحكومة السورية.
ويرافق القلق فادي الخطيب الذي نزح إلى إدلب قبل سنوات رغم سريان وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا، انطلاقا من قناعته على غرار العديد من سكان المنطقة أن مصيره محكوم بالفشل، كما الهدن السابقة.

ولا يعد إطلاق النار هذا الأول في إدلب التي تعرضت خلال السنوات الأخيرة لعدة هجمات شنتها قوات النظام بدعم روسي وتمكنت خلالها تدريجيا من قضم أجزاء واسعة من المحافظة.
ومع الهجوم الأخير، بات قرابة نصف مساحة المنطقة تحت سيطرة قوات النظام التي تقدمت في جنوب إدلب وغرب حلب.
وقبل سنوات، خرج أبوسعيد (24 عاما) مع زوجته وطفله من بلدة داريا قرب دمشق، متوجها مع آلاف المعارضين إلى محافظة إدلب التي تحولت على مرّ السنوات إلى وجهة لعشرات الآلاف من مقاتلين معارضين ومدنيين رفضوا البقاء في مناطق استعادتها قوات النظام، مضيفا "لست متفائلا بالاتفاق ولا أتأمل منه شيئا".
وتابع "لا يعرف هؤلاء (الروس والنظام) معنى الالتزام إذ لم يمر علينا اتفاق هدنة واحد أو وقفا لإطلاق النار إلا وانتهكوه. قد نشهد هجوما جديدا ونغادر البلاد".
وأودى الهجوم الذي بدأته قوات النظام بدعم روسي منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول ضد مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وفصائل أخرى معارضة بحسب المرصد، بحياة نحو 500 مدني.
وتؤوي إدلب ومحيطها ثلاثة ملايين شخص نصفهم تقريبا من النازحين من مناطق أخرى استعادتها قوات النظام.
ولطالما كررت دمشق عزمها استعادة كامل المناطق الخارجة عن سيطرتها. وأعلن الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع قناة روسية بُثت الخميس أن استعادة إدلب تُشكل "أولوية من الناحية العسكرية" في الوقت الراهن.
وتسببت ثلاثة أشهر من الهجوم بأكبر موجة نزوح وأسوأ كارثة إنسانية منذ بدء النزاع في سوريا في العام 2011، مع فرار حوالي مليون شخص إلى مناطق أكثر أمنا، وفق الأمم المتحدة.
ولجأ الجزء الأكبر منهم إلى مناطق مكتظة أساسا بالمخيمات قرب الحدود التركية في شمال إدلب. ولم يجد كثر خيما تؤويهم أو حتى منازل للإيجار، فاضطروا إلى البقاء في العراء أو في سياراتهم أو في أبنية مهجورة قيد الإنشاء وفي مدارس وحتى جوامع. وتقيم عائلات نازحة في مغاور تحت الأرض أو في مقبرة أو سجن مهجور.