هدية إيرانية لمحمّد بن سلمان

ليس اطلاق الحوثيين (انصار الله) ما لا يقلّ عن سبعة صواريخ في اتجاه الأراضي السعودية سوى دليل ضعف يترافق مع بلوغ مشروعهم اليمني طريقا مسدودا. تعتبر هذه الصواريخ الباليستية التي حصل عليها الحوثيون من ايران واطلقوها في اتجاه الأراضي السعودية بمثابة هديّة للامير محمّد بن سلمان وليّ العهد السعودي الذي يزور الولايات المتّحدة حاليا والذي حذّر اخيرا غير مرّة من الخطر الذي يمثّله المشروع التوسّعي الايراني ومن الصواريخ الباليستية التي تنتجها ايران بتكنولوجيا كورية شمالية. جاءت الصواريخ لتؤكّد مواقف وليّ العهد السعودي حيال ما يدور في اليمن والحاجة الى كبح الخطر الايراني. هذا الخطر لا يشكّل تهديدا للمملكة العربية السعودية فحسب بل لكل دولة من دول الخليج العربي أيضا.

اكثر من ذلك، جاءت الصواريخ الايرانية لتؤكد نجاح زيارة محمّد بن سلمان وعمق المحادثات التي اجراها مع كبار المسؤولين الاميركين. يبدو واضحا انّ الرسالة الايرانية تستهدف ابلاغ طهران لواشنطن والرياض انّها ستذهب بعيدا في الردّ على التنسيق الاميركي – السعودي.

عمليا، ساهم اطلاق الصواريخ في تعزيز وجهة النظر القائلة ان التصدي للمشروع الحوثي في اليمن كان ضرورة وانّه لم يكن امام \"التحالف العربي\"، على رأسه السعودية ودولة الامارات، من خيار آخر. كلّ كلام عن وجود مثل هذا الخيار الآخر في غير محلّه. ليس لدى الحوثيين ما يفعلونه سوى التمسّك بالسلطة ونشر البؤس والفقر في كلّ مكان يجدون موطئ قدم فيه. يمكن سؤال ايّ مواطن عادي يقيم في صنعاء هذه الايّام عن الجحيم الذي خلقه \"انصار الله\" في العاصمة اليمنية وجوارها. كل ما هو مطلوب من المراهق اليمني هذه الايّام هو حمل السلاح والتوجه الى الجبهة ليكون وقودا في حرب لا علاقة له بها من قريب او بعيد. حرب لا تخدم سوى اهداف إيرانية.

بعد ثلاث سنوات على انطلاق \"عاصفة الحزم\"، يريد الحوثيون، ومن خلفهم ايران، اثبات انّ اليمن تحوّل شوكة في خاصرة دول المنطقة. كان ذلك ممكنا لو لم يستطع \"التحالف العربي\" منع ايران من الاستيلاء على كلّ اليمن. ذلك كان الطموح الايراني الذي استطاعت \"عاصفة الحزم\" وضع حدّ له، خصوصا في اليوم الذي استطاعت فيه تحرير عدن ثم المكلا والمخا.

في نهاية المطاف، تبيّن بوضوح، ليس بعده وضوح، ان \"انصار الله\" يعانون من افلاس ليس بعده افلاس، خصوصا انّهم لا يمتلكون ايّ مشروع سياسي او اقتصادي باستثناء رفع الشعارات التي لا معنى لها من نوع \"الموت لاميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للاسلام\". هل تكون محاربة اميركا واسرائيل بصواريخ تطلق في اتجاه الأراضي السعودية.

كلّ ما في الامر انّه لم تعد من حاجة الى اقناع كلّ من يعنيه الامر بان \"عاصفة الحزم\" كانت حربا دفاعية تستهدف التوصّل الى حلّ سياسي. ليس المبلغ الذي سلّمته السعودية والإمارات الى الامم المتحدة، وهو 930 مليون دولار، من اجل مساعدة اليمنيين سوى دليل آخر على ذلك.

سقطت في الواقع كلّ الحجج الباطلة التي كان يروجها المستعينون بالمأساة اليمنية لتبرير حملاتهم على السعودية والإمارات. بعد اطلاق الصواريخ، يتبيّن ان الحوثيين في أساس المأساة اليمنية. انّهم الطرف الذي لا يزال يرفض الحلول السياسية والذي ليس لديه ما يراهن عليه سوى استمرار الحرب.

كانت الصواريخ أيضا ردّا على المبعوث الدولي مارتن غريفيث ممثل الأمين العام للأمم المتحدة. اطلقت الصواريخ بعيد وصول غريفيث الى صنعاء في محاولة منه للبحث عن حلّ سياسي. يأخذ هذا الحلّ في الاعتبار ان الحوثيين طرف يمني، لكنهّم ليسوا كلّ اليمن ولا حتّى شمال اليمن. لو كان الحوثيون يمثلون بالفعل شمال اليمن، لما كانوا اقدموا على جريمة اغتيال علي عبدالله صالح الذي سبق له ودخل في شراكة معهم. يبدو ان الحوثيين قرروا فرض اسلوب تعاط معيّن على المبعوث الجديد للامين العام للأمم المتحدة. يريدون إبلاغه بكلّ بساطة انّهم حكومة بكل معنى منذ احتلالهم صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 وانّ لا مفرّ من التعامل معهم بهذه الصفة، أي كـ\"شرعية ثورية\" وليس كطرف من اطراف الازمة.

لا يمكن ادراج اطلاق الصواريخ الايرانية في اتجاه الأراضي السعودية الّا في سياق رفض الحوثيين لايّ مفاوضات من ايّ نوع تؤدي الى استعادتهم حجمهم الحقيقي. ليس هناك من يريد الغاء الحوثيين، على الرغم من كلّ الجرائم التي ارتكبوها. لكنّ ليس في استطاعة أي جهة، خصوصا الأطراف العربية المعنية بالموضوع اليمني، قبول تحوّل اليمن الى منصة صواريخ إيرانية تهدّد المدن العربية، بما في ذلك الرياض.

اعطت الصواريخ الايرانية مفعولا معاكسا لما كانت تشتهيه طهران. زادت القناعة القائمة لدى \"التحالف العربي\" بانّ لا بديل من القضاء على المشروع الايراني في اليمن. إضافة الى ذلك، لم يعد هناك شكّ لدى الإدارة الاميركية، في حلتها الجديدة، بانّ المشكلة مع ايران تكمن في الصواريخ الباليستية اكثر بكثير مما هي في الملفّ النووي والاتفاق الموقع مع طهران صيف العام 2015.

كشفت ايران، عبر ما تفعله في اليمن، نيّاتها الحقيقية. هناك الآن مسؤولية من نوع آخر تقع على \"التحالف العربي\" الذي اطلق \"عاصفة الحزم\". تتمثّل هذه المسؤولية في تعبئة كلّ القوى اليمنية القادرة من اجل استعادة صنعاء من الحوثيين. هذا الامر ليس ممكنا في غياب محاولة جدّية لإعادة تشكيل \"الشرعية\" التي يفترض ان تكون موجودة في اليمن وليس في فنادق الرياض وغير الرياض.

ما على المحكّ في اليمن كبير. هذا يتطلب قبل ايّ شيء إعادة تجميع القوى القادرة على مواجهة \"انصار الله\" فعلا بدل التلهي في معارك جانبية في وقت لا همّ للاخوان المسلمين الذين يشاركون في هذه المعارك سوى منع حصول أي حسم. هذا عائد الى حسابات خاصة بالاخوان الذين كانوا يسيطرون دائما على جزء من الجيش اليمني (الفرقة الاولى المدرّعة مثلا). هذا ما كانت عليه الحال في الحروب الست التي خاضها علي عبدالله صالح مع الحوثيين بين 2004 و2010. كان هدف الاخوان تجميع السلاح وتخزينه للقضاء على علي عبدالله صالح يوما.

بعد دفعة الصواريخ الأخيرة التي وجهت الى الاراضي السعودية، لم يعد مجال لاي مزاح. توضحت الصورة تماما. كشرت ايران عن انيابها اكثر. ردت سريعا على زيارة محمد بن سلمان لواشنطن ومدن أميركية أخرى. لا بدّ من توقع ردود إيرانية أخرى في مناطق مختلفة. ردود تصدر عن طرف تعوّد على الّا يجد من يردّ على تحدياته وعلى مشروعه التوسعي القائم على استخدام أدوات محلّية في هذه الدولة العربية او تلك. بين هذه الأدوات الميليشيات المذهبية غير الايرانية والصواريخ الباليستية التي بدأ الاميركيون يأخذونها على محمل الجدّ اكثر فاكثر.