هل أعلن الرئيس التونسي 'الحرب' على الكارتيلات؟

قيس سعيد بدا في تصريحات متكررة أحدثها أمس الأحد، واضحا وحازما في توجيه رسالة بمضمون واحد وإلى عناوين معلومة دون أسماء وأن المواجهة معه ستكون لها أثمان.  
الرئيس التونسي يعفي مدير ديوان الحبوب من مهامه
قيس سعيد يرسم خطوط وحدود المواجهة مع الكارتيلات وأثمانها
الرئيس التونسي كان دقيقا في عباراته ورسائله للكارتيلات

تونس  - رسم الرئيس التونسي قيس سعيد في الفترة الأخيرة وفي أكثر من تصريح حدود وخطوط المواجهة والكلفة التي سيدفعها من يعمل ضد المصلحة العامة، بينما يخوض معارك على أكثر من جبهة لجهة مكافحة الفساد وتفكيك الكارتيلات التي تشتغل لمصلحتها لا للمصلحة العامة تحت غطاء شرعي وقانوني، مرسلا بذلك أكثر من رسالة في أكثر من اتجاه.

وبدا سعيد أكثر حزما وأكثر دقة في حديثه حين كرر مرارا عبارة الكارتيلات في تصريحاته التي ينظر لها البعض على أنها خطاب شعبوي ويراها معظم التونسيين حربا حقيقية يخوضها الرئيس بلا هوادة.

وتذهب رسائل سعيد إلى أبعد من كارتل المخابز العصرية الذي حمّله وآخرين - تلميحا وتصريحا - المسؤولية عن افتعال أزمة الخبز بالإخفاء (الاحتكار) أو بالتجارة الخفية غير الشرعية في الدقيق المدعوم والذي يكلف خزينة الدولة أموالا طائلة خاصة منذ 24 فبراير/شباط 2022 مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا الذي رفع أسعار الحبوب بنحو ثلاثة إلى أربعة أضعافها ومعها سعر العلف وكل المواد الغذائية المستوردة.

تصريحات الرئيس التونسي تشير بوضوح إلى أنه عازم على تفكيك الكارتيلات المؤثرة التي تهيمن على مصادر ايرادات مهمة وتتحكم في الأسعار وتتقاطع في أهدافها مع شركاء لها في مؤسسات الدولة.

سعيد كان قد وجه قبل أيام في لقاء مع رئيس الحكومة الجديدة أحمد الحشاني بمواجهة التعطيل الإداري ومحاسبة المقصرين والمتراخين عن أداء واجباتهم الوظيفية وتعطيلهم لمصالح المواطن.

توجيه لا يمكن النظر إليه بمعزل عن "جبهة القتال لتحرير تونس" بمعنى الحرب المعلنة على الفاسدين وعلى المجمعات التي تهيمن عليها غالبا عائلات معروفة وترتبط بعقود شراكة مع الدولة.

والواضح أن الرئيس يعني ما يقوله وأن عباراته التي لطالما خلقت جدلا في الشارع التونسي، دقيقة وموجهة وأن حديثه عن الفساد ليس المعني به فقط من نهب واختلس المال العام وليست الرشاوى ولا الرخص والعمولات بل أولائك الذين يعملون تحت غطاء شرعي وقانوني لكن خدمة لمصالحهم لا خدمة للمصلحة العامة.

وبدا أن سعيد عمد منذ البداية في حديثه عن كارتل المخابز العصرية إلى إرشاد الشعب إلى ما يعنيه وأن لا حصانة لهؤلاء من المحاسبة وفقا لمقتضيات القانون وأن المعني بالمتابعة والمحاسبة هي الكارتيلات وممارستها التي تجري تحت غطاء قانوني.

ولم يذكر الرئيس التونسي الكارتيلات بالأسماء ولم يشر إلى العائلات التي تسيطر مثلا على قطاع البترول أو غيره من القطاعات الحيوية وكيف استفادت لعقود على حساب المصلحة العامة.

إلا أن رسالته تبدو مضمونة الوصول لعناوينها وشخوصها المعنوية والمادية ولم يكن بحاجة لذكرها بالاسم لأنها معلومة وأثير حولها في سنوات ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 جدل واسع وأسئلة حول ثروات راكمتها تحت غطاء قانوني.

وكان واضحا وحازما أيضا في أنه ماض في مساره المعلن بالقول "نحن اليوم على جبهة القتال من أجل تحرير تونس ولا أبالغ بأنّ هناك من يعمل على أن تكون تونس رهينة إرادة غيرها في حين أنّ القرار في تونس هو قرار الشعب وليس قرار أيّ جهة أخرى".

ويعرف الكارتل اصطلاحا وفق موسوعة ويكيبيديا بأنه "اتفاق غالبا ما يكون مكتوبا بين عدد من المشاريع تنتمي إلى فرع معين من فروع الإنتاج لأجل تقسيم الأسواق أو تنظيم المنافسة مع الإبقاء على شخصية كل مشروع من الناحيتين القانونية والاقتصادية، بحيث لا تندمج مع بعضها كما هو الحال بالنسبة لاتفاقيات الترست التي تتنازل فيها المشاريع عن استقلالها.

وحسب المصدر ذاته، يختلف الكارتل عن الشركة القابضة في أن هذه الشركة تقوم على أساس من المساهمة الفعلية في رؤوس الأموال للشركات التابعة والتعاون بين الشركات أعضاء المجموعة دون احتكار معلن أو مغطى.

وبالعودة إلى تصريحات الرئيس التونسي أمس الأحد، فإن الرجل كان واضحا في رسائله وتحذيراته، فكان لافتا تأكيده على أن المواجهة معه ستكون لها أثمان وهي رسالة وجهها لمن يعملون في القطاع العام تحديدا ممن سيثبت تورطه في الاشتغال مع الكارتيلات ضد المصلحة العامة.   

ثالوث الأزمات ومفاتيحها

وفي خطوة يمكن أن ينظر إليها على أنها تأتي في سياق مقاومة الكارتيلات وقصقصة أجنحة شركائهم في مؤسسات الدولة أو المقصرين أو المتسببين في جزء من الأزمة الراهنة بتفرعاتها، قرر قيس سعيد اليوم الاثنين إنهاء مهام بشير الكثيري، الرئيس المدير العام لديوان الحبوب وتكليف سلوى بن حديد حرم الزواري بمهام الرئيس المدير العام للديوان.

وجاء في بيان نشرته صفحة الرئاسة التونسية على حسابها بفيسبوك، أن رئيس الجمهورية دعا وزيرة العدل إلى إثارة تتبعات جزائية ضد كل المحتكرين في مجال توزيع الحبوب وسائر المواد الأخرى التي شهدت ارتفاعا غير مسبوق للأسعار وذلك طبقا لما ينص عليه المرسوم عدد 14 لسنة 2022 المؤرخ في 20 مارس 2022 المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة.

 

وقد تكون هذه الخطوة واحدة من سلسلة خطوات قادمة قد يعلن عنها الرئيس التونسي في سياق تفكيك الكارتيلات وتطهير مؤسسات الدولة من الفساد.

وليس ثمة ما يشير في بيان الرئاسة التونسية إلى شبهات فساد تتعلق بمدير ديوان الحبوب الذي أنهى سعيد مهامه، لكن المؤسسة المكلفة بواحدة من أكثر الشؤون حساسية في تونس والمسؤولة عن التوزيع والاستيراد والتخزين وبالتالي عن جزء كبير من الأمن الغذائي للتونسيين (ديوان الحبوب) هي اليوم محط الأنظار والتساؤل عن طريقة اشتغالها وعلاقاتها بالكارتيلات.

ويعتقد محللون أن ديوان الحبوب (يتبع وزارة الزراعة) وديوان التجارة (يتبع وزارة التجارة) والمطاحن ثالوث قادر على إنتاج الأزمات في تونس وقادر أيضا على انتاج الحلول. ويبقى ذلك بحسب الطريقة التي يشتغل بها ولمصلحة من، مصلحة الدولة أم مصلحة الكارتيلات.