هل تنجح ميركل في إصلاح ما أفسده أردوغان لحل الأزمة الليبية
برلين - تسعى الدول الأوروبية وأطراف إقليمية منذ سبتمبر الماضي لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية من خلال مؤتمر دولي تدعمه الأمم المتحدة سيعقد في يناير ببرلين إلى أن تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليقوض كل تلك الجهود بفرض سياسة الأمر الواقع حتى يتسنى له الخروج بنصيب وافر من غاز المتوسط.
وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية اليوم الاثنين إن المستشارة أنجيلا ميركل بحثت الجهود الرامية للتوصل إلى حل دبلوماسي للصراع الليبي خلال اتصالين هاتفيين منفصلين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال المتحدث "تم الاتفاق على الحديث مرة أخرى لتعزيز الجهود الدبلوماسية" مضيفا أن ميركل بحثت أيضا التطورات في سوريا مع أردوغان وبوتين خلال المكالمتين اللتين أجريتا أمس الأحد.
وحذر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من أن الصراع الليبي يهدد بانزلاق البلاد إلى الفوضى وتحولها إلى سوريا أخرى، في الوقت الذي كشفت فيه تقارير إعلامية عن تسريع أنقرة لوتيرة إرسال "مرتزقة" من الفصائل السورية التي تدعمها إلى طرابلس للمشاركة في القتال إلى جانب حكومة الوفاق التي فشلت ميليشياتها في صد تقدم قوات الجيش الوطني الليبي.
ويعتزم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا اليوم الاثنين، تقديم مقترحا للبرلمان للحصول على تفويض لإرسال قوات إلى ليبيا، في خطوة مستعجلة حيث كان من المقرر أن ينظر البرلمان في هذا الطلب يومي 8 و9 يناير.
وتأتي هذه الخطوة استجابة لطلب رسمي تقدمت به حكومة الوفاق بطرابلس، للحصول على دعم عسكري تركي جوي وبري وبحري.
وقالت وكالة "بلومبرغ" للأنباء السبت الماضي إن "الاقتراح ربما يتم طرحه في البرلمان في 30 ديسمبر الجاري، قبل أسبوع من الموعد المقرر وربما يُجرى التصويت في الثاني من يناير المقبل".
ونقلت وكالة الأناضول التركية في وقت سابق عن مصادر داخل حزب العدالة قولها إن الجمعية العامة للبرلمان قد تجتمع لمناقشة التفويض الخميس المقبل 2 يناير بدلا من الموعد السابق الذي حدده أردوغان في يومي 8 و9 من نفس الشهر.
وحسب وسائل إعلام تركية فإن المعارضة ستسعى لتقويض طلب العدالة والتنمية، حيث سيجتمع جاويش أوغلو مع ثلاثة من قادة أحزاب المعارضة الاثنين.
وتأتي الخطوات المتسارعة للبرلمان التركي في ضوء تقدم قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر نحو طرابلس، حيث استهدفت هذا الأسبوع ولأول مرة بضربة مباشرة عناصر جديدة أتت من سوريا عبر مطار إسطنبول وانضمت لميليشيات مدينة مصراتة.
الاتفاق الذي وقعه فائز السراج مع أردوغان عقد الأزمة الليبية أكثر وزاد من الانقسامات الداخلية في الوقت الذي كانت تسعى فيه الأمم المتحدة لبناء تفاهم دولي
وتنظّم الأمم المتحدة مؤتمراً دولياً في برلين في يناير لوضع حدّ للخلافات الدولية بشأن ليبيا وفتح المجال أمام حلّ سياسي للنزاع الذي يمزّق البلاد.
ويأتي الحراك الأوروبي لمنع تأزم الوضع في ليبيا أكثر وعجزها عن منع قوافل المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها في ظل انتشار السلاح بين الميليشيات والإرهابيين.
وقال مسؤول أوروبي شارك في "منتدى روما للمتوسط" الذي عقد بداية الشهر الجاري في إيطاليا، إن الاتفاق الذي وقعه فائز السراج مع أردوغان "عقد الأزمة الليبية أكثر وزاد من الانقسامات الداخلية، في الوقت الذي كانت تسعى فيه الأمم المتحدة لبناء تفاهم دولي".
وإلى جانب الاتفاق الذي سعى لفرضه أردوغان، عطل الانقسام الأوروبي حول الأزمة الليبية انعقاد المؤتمر الذي دعت له ألمانيا منذ أشهر محذرة من سيناريو مماثل لسيناريو الحرب السورية.
وتحدثت وسائل إعلامية ألمانية في وقت سابق عن عزم ميركل زيارة تركيا الشهر المقبل لبحث موضوع تدفُّق اللاجئين بالتزامن مع نزوح مئات الآلاف من المدنيين في إدلب إلى المناطق الحدودية مع تركيا.
وذكرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أن هدف الزيارة هو مناقشة اتفاق اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، لافتة إلى أن الخطوة جاءت تخوفاً من موجة جديدة من اللاجئين بسبب "الحرب" الدائرة في سوريا.
وسبق أن هدد أردوغان بلدان الاتحاد الأوروبي بفتح حدود بلاده أمام تدفق المهاجرين على أوروبا إذا أدانت هجوم الجيش التركي الذي نفذ في أكتوبر الماضي ضد الأكراد شمال سوريا، قائلا إن بلاده لن تتمكن من استقبال موجة لاجئين جديدة بسبب استضافتها 3.7 مليون لاجئ سوري سترسلهم إلى أوروبا ما لم تقدم بروكسل مساعدات إلى أنقرة.
وأشار في تصريحاته السابقة إلى أن انعكاسات ضغوط الهجرة نحو تركيا ستؤثر على جميع البلدان الأوروبية وخاصة اليونان.
وكانت تركيا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين الذين يهدفون إلى العبور إلى أوروبا لبدء حياة جديدة، لا سيما أولئك الفارين من الحرب والاضطهاد.
ووقعت تركيا والاتحاد الأوروبي اتفقا في عام 2016 ينص على استضافة أنقرة للاجئين من سوريا مقابل دعم مالي.
وتخشى البلدان الأوروبية من حرب ليبية وشيكة إذا تدخلت تركيا عسكريا فيها ستنتهي بموجة نزوح ستغرقها بآلاف المهاجرين الذين يشكلون عبئا إضافيا عليها تسعى لتفاديه منذ سنوات على ضفاف المتوسط.
ويعيش في ألمانيا التي تحملت العبء الأكبر من طوفان اللاجئين السوريين خلال سنوات الحرب الدائرة في بلدهم إلى اليوم، حتى نهاية عام 2018 أكثر من 745 ألف سوري، من بينهم حولى 551 ألف طالب لجوء.

وبينما كانت دول التكتل الأوروبي الأربع المعنية (فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا) تبحث حلا سياسيا يجمع طرفي الصراع الليبي، تدخل الرئيس التركي مباشرة في الصراع بإبرام اتفاق عسكري وأمني مع حكومة الوفاق أجج الصراع حول البحر الأبيض المتوسط وقوض عملية السلام في البلاد الغارقة في فوضى السلاح منذ 2011.
ومن المقرر أن يزور وزراء خارجية الدول الأوروبية الأربع مع بداية العام الجديد طرابلس على أمل إنقاذ مسار مؤتمر برلين.
وتبدو الاتصالات بين أنقرة وبرلين تسير نحو حث أنقرة على عدم التسرع في تصويت البرلمان لمنع اندلاع حرب وشيكة في منطقة المتوسط، قبل توجه وزرائها إلى ليبيا في محاولة من برلين لإنقاذ مؤتمرها الدولي.
والأسبوع الماضي طلب أردوغان مشاركة تونس والجزائر وقطر في مؤتمر برلين، وقال خلال زيارة غير معلنة قام بها الأربعاء الماضي إلى تونس أمام نظيره التونسي قيس سعيد، أنه طلب من ميركل وبوتين أهمية مشاركة قطر وتونس والجزائر في قمة برلين.
وأتت الزيارة بعدما وقعت تركيا اتفاقاً مع حكومة الوفاق الشهر الماضي، بهدف إنشاء منطقة اقتصادية خالصة تمتد من ساحل تركيا الجنوبي على البحر المتوسط إلى الساحل الشمالي الشرقي الليبي.
وتقول أنقرة إن الاتفاق يهدف إلى حماية حقوقها بموجب القانون الدولي، وأنها منفتحة على توقيع اتفاقات مماثلة مع دول أخرى على أساس "تقاسم عادل" للموارد.
ويرى مراقبون إن أردوغان سعى بكل الطرق إلى تقويض مؤتمر برلين أولا من خلال زيارته إلى تونس لفرض سياسة الأمر الواقع بعد الاتفاق الأمني والعسكري مع حكومة السراج، حتى يصبح محور تركيا وقطر الطرف القوي في المعادلة الليبية.
وثانيا من خلال عقد قمة روسية تركية في الثامن من يناير قالت أنقرة إنها تهدف ظاهريا إلى تدشين خط الغاز الروسي التركي "ستريم تركيا" الذي سيصل إلى دول جنوب أوروبا كبلغاريا وكرواتيا. لكن أساسها تفاهمات سياسية ستجري لمناقشة إرسال قوات تركية إلى ليبيا.
وكان رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، قد أعلن في مقابلة نُشرت الأحد أن بلاده تريد المشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا في يناير برعاية الأمم المتحدة.
وقال ميتسوتاكيس في مقابلة مع مجلة "تو فيما" الأسبوعية اليونانية، "لا نريد مصدر عدم استقرار في جوارنا. نريد إذاً أن تكون لنا كلمة بشأن التطورات في ليبيا". وأضاف "نريد أن نكون جزءاً من الحلّ في ليبيا لأن ذلك يعنينا أيضاً".
وأكد ميتسوتاكيس "طلبت وسأفعل ذلك مجدداً لزيادة التأكيد، أن نشارك في المؤتمر في برلين".