هل صار الخبث الأميركي هو الحل؟
مَن ينهي الحرب في أوكرانيا؟ من المستبعد أن يكون الرئيس الروسي قادرا على إنهائها وإن كان راغبا في ذلك. مَن يبدأ الحرب لن يكون هو دائما مَن ينهيها. الحرب التأديبية تحولت إلى حرب شاملة، شاركت فيها أطراف دولية لا أعتقد أن بوتين كان غافلا عما تضمره لروسيا من عداء. وهنا المقصود روسيا القوية، القادرة على أن تكون موجودة في اللحظات الحرجة التي يمر بها العالم من حولها. اما روسيا الراكدة الحائرة التي لا تقوى على تدبير شؤونها داخليا فهي المرغوب بها. ولأن بوتين أعاد روسيا إلى مكانها الطبيعي قوة عظمى تضع يدها على مناطق نفوذها كما هو الحال في سوريا من غير أن تتعرض لأي نوع من المساءلة الدولية وحقها محفوظ في مجلس الأمن الدولي فقد صار مطلوبا أن تسقط في هفواتها الصغيرة وتتعثر بالصغائر.
روسيا دولة عظمى غير أن ذلك لا يؤهلها إلا للاستمرار في حرب، صارت تبدو مفروضة عليها بالرغم من أنها ليست كذلك. حرب ليست على المقاس الروسي ولا هي في حجم أوكرانيا التي صارت بمثابة جبهة أوروبية في القتال ضد روسيا. تلك أزمة أوروبية بقدر ما هي أزمة روسية. ومثلما تشعر روسيا بالتعب فإن أوروبا ليست مستعدة للاستمرار في حرب تقع على أراضيها. كانت أوروبا تصدر الحروب التي تقع على أراضي الآخرين فإذا بها تدفع ثمن تكلفة حرب، فرضت عليها هي الأخرى.
يبدو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كما لو أنه بطل حرب. وهو في ذلك انما يمثل دور المهرج. القناع الذي تختبئ وراءه الإدارة الأميركية. كانت الولايات المتحدة في حاجة إلى مَن يعينها على إعادة العالم إلى أجواء الحرب الباردة. عرض زيلينسكي خدماته بطريقة رخيصة يغلب عليها الطابع العنصري. ذلك ما شجع الولايات المتحدة على أن ترى فيه رجلها المناسب في وقت استثنائي كانت فيه روسيا تعزز انتصارها في سوريا مؤكدة أنها أن تفعل ما تشاء في مناطق نفوذها. غلب الاستعراض الفطنة السياسية. ولكن الدول الكبرى كلها تفعل ذلك ولم تكن روسيا استثناء.
كان زيلينسكي على موعد مع قدره الذي وضعه على الحدود بين عالمين. ولكن ما ذنب أوكرانيا التي لا يفكر أحد فيها؟ سؤال لا أهمية له ما دامت كل الأطراف المساهمة في الحرب قد أثبتت عدم رغبتها في إيقافها. الحرب ضد روسيا هي الهدف بدلا من أن تكون هناك حرب روسية على أوكرانيا كما خطط بوتين. هناك مَن يقول إن بوتين قد تم استدراجه ليقع في فخ أوكرانيا. كان زيلينسكي مستعدا لكي يصنع من بلاده فخا. وقف إلى جانب بابا الفاتيكان ببدلته العسكرية. تلك صورة للمستقبل. فالممثل السابق سيكون يوما ما رئيسا سابقا في بيته أو في السجن.
ليست أوكرانيا دولة غريبة عن روسيا. كانت أوكرانيا جزءا من الاتحاد السوفييتي التي تحكمه روسيا وهناك مقاطعات روسية فيها. لذلك من الصعب تخيل أن تتحول أوكرانيا دولة عدوة لروسيا. بمكنها أن تكون مستقلة. وهو ما جرى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. ولأنها جارة لروسيا فقد كان مطلوبا منها أن تكون حريصة على الأمن القومي الروسي. ذلك خط أحمر ينبغي عدم المساس به. غير أن زيلينسكي انزلق بها إلى هاوية، شعرت روسيا معها بالخطر. صحيح أن أوكرانيا جزء من أوروبا ولكنها قبل ذلك جارة روسيا. على هذا الصعيد هل تملك أوروبا القدرة على إيقاف الحرب التي تدمر جزءا منها؟
حتى اللحظة لم تُظهر أوروبا أية رغبة في انقاذ أوكرانيا إلا من خلال ما تقدمه من أسلحة ومعونات إنسانية. أما وقف الحرب فإنه خيار لا تملك القدرة على طرحه بسبب تبعيتها إلى الولايات المتحدة البعيدة عن تداعيات الحرب. تلك واحدة من أكثر لحظات أوروبا لعنة بعد الحرب العالمية الثانية. لا تملك قارة التنوير القدرة على إدارة شؤونها بنفسها. ما الذي ينتظره العالم وروسيا تقف عاجزة أمام عجز أوروبي يزداد وضوحا؟
هل احتكرت الولايات المتحدة قرار وقف الحرب في أوكرانيا؟ تلك لحظة جهنمية. لقد احترقت أوكرانيا وتم إنهاك روسيا واستنزفت ثروات دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عبثا في حرب، كان بطلاها ممثل هزلي ورجل مخابرات لم يملكا لغة حوار مشترك يفلتا ببلديهما من خلالها من الخبث الأميركي.