هل نحن مستعدون لمواجهة كوارث نووية؟

يقف العرب في حالة غياب كامل ونقص الاستعدادات أمام مخاطر المواجهة المتصاعدة بين روسيا والغرب.

يمر العالم بظرف حرج سياسيا وعسكريا، تشحذ روسيا من جهة اسلحتها التقليدية والمتطورة، وتجري اختباراتها وخططها الاستراتيجية على ارض أوكرانيا، وفي ذات الوقت تلوح باللجوء الى السلاح النووي تجاه اي تحرك اميركي او اوروبي معاد لها.

ومن جهة أخرى تحرك الولايات المتحدة اسطولها العسكري ليأخذ وضعية الاستعداد لأقصى المخاطر المحتملة، فيما تدعوا بعض الاصوات المتشددة الى ضربة نووية استباقية تشل القدرات الروسية وتضمن تفوقا على الارض.

قبل ايام تحرك النزاع خطوة اضافية نحو المزيد من التصعيد، اذ تم تفجير انبوب نورد ستريم، وتشير اصابع الاتهام الى تورط الولايات المتحدة، فهي المستفيد الاول، اذ تخشى اميركا من الاقتراب الاوروبي الروسي على خلفية الحاجة الى الغاز مع اقتراب فصل الشتاء، وهي الورقة التي يمكن ان تتسبب في انهيار الحلف الاميركي الاوروبي ضد روسيا.

هذا التقارب مرفوض أميركيا، فهي من جهة تسعى منذ بداية الازمة الى رهن الاقتصاد الاوروبي للاقتصاد الاميركي، ومن جهة أخرى تحميل الدول الاوروبية تكلفة الحرب مع اوكرانيا، وهو الامر الذي لن يتحقق الا مع تصاعد العداء بين اوروبا وروسيا.

هذه التطورات السريعة في مجريات الحرب حقيقية، وتناقش من قبل الحكومات الاوروبية بالكثير من الجدية، بما فيها تفاصيل الاستعداد لاي كوارث بشرية قد تقع نتيجة اتساع رقعة الحرب، وضرورة تأمين الحاجات الاساسية لبقاء السكان في أمان نفسي وجسدي، وعلى رأسها تحديد مراكز صالحة للإيواء.

تحسبا لاندلاع حرب نووية بادرت السويد إلى تشييد 65 ألف ملجأ تحت الأرض حتى العام 2018 تكفي لاستيعاب 8 ملايين شخص، مجهزة لاستقبالهم في حال اندلاع اي حرب نووية محتملة.

في سويسرا الملاجئ النووية مجهزة لاستيعاب جميع السكان، مع توفير مساحة 3 أمتار مكعبة لكل فرد للحصول على ما يكفي من الهواء، وهناك توصيات محددة من الحكومة بشأن إدارة الطعام في حالة الاستخدام، مع تلبية جميع الاحتياجات، بما في ذلك توفير الإنترنت.

ومع ذلك فهناك انتقادات واسعة النطاق بعدم جاهزية الدول الاوروبية بما يكفي للحرب النووية، ومخاوف شديدة من عجز الحكومات عن توفير مستلزمات الحياة في ظل الحرب، وعلى الرغم أن شن هجوم نووي أمرا ليس امرا يسيرا، لكنه محتمل، وهو ما يدفع الدول الغربية للعمل على تأمين حياة المدنيين.

في المقابل يبدو العالم العربي غائبا تماما عن تطورات الاحداث، فالانظمة العربية تتابع ما يحدث اعلاميا مثل مواطنيها، بصمت وترقب، فلم نلحظ اي مبادرة عربية لاستيعاب تطورات الازمة الدولية وارتداداتها الكارثية المرتقبة على دول المنطقة.

من المتوقع ان يدخل الاقتصاد العالمي في حالة من الكساد الاستثنائي على خلفية الحرب، وقد تنهار على اثرها العديد من أنظمة الحكم وتفقد قدرتها على الصمود امام الضغوط الاقتصادية المتزايدة، وامام تداعيات النزاعات الكبرى مثل الحرب العالمية.

وتشير بعض التقارير الغربية الى احتمال وصول بعض الدول الى ما تحت خط الفقر، وهي على موعد مع الندرة الحادة في الموارد الاساسية، وقبل عام واحد فقط دخلت العديد من الدول العربية في ازمة غذائية نتيجة وقف جزئي لا يذكر لحركة الاستيراد والتصدير على خلفية تفشي فايروس كورونا.

ثمة دول غنية ومتمكنة ماليا مثل دول الخليج العربي، لكنها لم تظهر اي نوع من الاستجابة للتحديات القادمة، على الرغم من ان عموم منطقة الخليج قابلة للموت الجماعي لعدم وجود المياه العذبة وندرة الموارد الغذائية، ومعاناتها ربما تكون مضاعفة.

لقد انفقت دول الخليج مليارات الدولارات على التسليح والتدريب والتشغيل والعمليات العسكرية، قدرت في العام 2017 بما يقارب الـ 100 مليار دولار، بينما كان الاولى ان تجهز ملاجئ نووية آمنة بهذه المبالغ المهدورة قادرة على ان تستوعب كل سكان الخليج في حال اندلعت الحرب لا قدر الله.

كما يمكن لهذه المبالغ أن تحول صحراء الخليج القاحلة الى مصدر تأمين كامل للموارد الغذائية، لكن اغلب الاراضي وزعت لأغراض تنفيعية واهملت التنمية ربما بسبب رغبة تضامنية الحكومة والتاجر المحلي في استمرار حركة استيراد البضائع من الخارج، واغلاق الباب امام كل صور الاكتفاء الوطني.

ففي الوقت الذي رفعت فيه دول اوروبا استعداداتها الى درجة اليقظة النووية، وأقر الاتحاد الأوروبي "خطة الإنقاذ السريع" وهو برنامج معد للتعامل مع الكوارث الكبرى التي قد تصيب الاتحاد الأوروبي بما فيها الهجمات النووية وحماية المواطنين من أي مخاطر محتملة، فان دولنا لا تزال مشغولة في قضايا فرعية وهامشية، وينخر فيها الفساد، وكأنها تعيش خارج الكوكب.

السياسيون واصحاب القرار تركز همهم الاساسي في الصراع على الحكم او حمايته من الاخطار، وفي زيادة ارباحهم وحصصهم المالية، والدخول في سباق اغنى العوائل والشخصيات في العالم، وامّنوا لهم اماكن اقامة في اميركا والدول الاوروبية في حال ما اضطروا للهروب او الخروج من الدولة.

لكنهم لم يحسبوا حسابا ان الخطر الاكبر للحرب النووية سيكون في قلب اميركا والعواصم الاوروبية، وانهم تاخروا كثيرا في الاستعداد داخليا للمستقبل بسبب ضيق افقهم السياسي وعدم اهليتهم على ادارة الشأن العام وهو ما يطرح سؤالا على كفاءة القادة السياسيين في التصدي للكوارث، وعن مصير المدنيين الذين من المفترض أن يحميهم هؤلاء القادة؟

حتى وسائل الاعلام الرسمية في الدول العربية لم تقرر حتى هذه الساعة الارتقاء بمهامها الاعلامية الى مستوى الحدث، وانما استمرت على رتمها التقليدي كإعلام غائب عن الوعي، مهمته ان يجمل انجازات الزعماء دون ان يحمل اي هدف أو يواكب الحدث.