هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه.. الليبرالية العلمية (5)‎‎

أي مسمى تطلقه على التجربة الإيرانية كدولة دينية أو مؤسسة، سيكون وصفا لنموذج رجعي قائم على الخوارق ولا مكان له في عالم اليوم.

يتساءل السيد هاشم الحيدري داعية الولي الفقيه في العراق: "لماذا ليس من حقنا كمؤمنين بالإسلام وهو دين الله، دين متكامل، تبيانًا لكل شيء، الإسلام يقود الحياة. لماذا نحن لا نسعى بالبيان، لا اكراه، لا قوة. بالبيان، بالتثقيف، بالتبليغ، بالتفكير، بالتواصي، السعي الى حكومة اسلامية في العراق، الى نظام إسلامي في العراق، ليس كوبي (استنساخ) عن الجمهورية الاسلامية، نحن لا نتحدث عن الكوبيات والاستنساخ، هذه عقائدنا قبل إنتصار الثورة الاسلامية، القرآن قبل 1400 سنة طرح؛ الإسلام يقود الحياة"(1).

إجابةً على تساؤل السيد هاشم الحيدري أقول:

لو أن تجربة الحكم الشيعي في ايران حققت نجاحًا عبر:

- شكل أكثر تطورًا من الديمقراطية؛

- تحديث علمي متميز عالميًا؛

- نظام اقتصادي يحقق طفرات تنافس أفضل الأقتصاديات العالمية؛

لما اضطررت يا سيد هاشم لتلافي اتهامك باللاوطنية أو العمل لصالح دولة أخرى بالضد من الدولة التي تحمل جنسيتها ولغة من لغاتها الرسمية، فأنت إنما قلت "نظام إسلامي في العراق، ليس كوبي عن الجمهورية الاسلامية، نحن لا نتحدث عن الكوبيات والاستنساخ" لتلافي التهمة والتخوين والشُبهة، ولو أن تجربة الحكم الشيعي في ايران حققت نجاحات واضحة ومتميزة في المؤشرات الثلاثة آنفة الذكر لدعوتَ وبكل ثقة واطمئنان شيعة العراق "لتقليد" شكل وتطبيق نظام حكم ولاية الفقيه في ايران، ولكنك تعلم جيدًا أن تجربة دولة ايران تحت حكم ولاية الفقيه لا تصلح أن تكون نموذجًا يُحتذى به ويُقلَّد.

يا سيد هاشم؛ لستَ وحدك في هذا التناقض، تناقض إصرار بعض رجال الدين على التبشير بالثوابت ومنها إقامة دولة دينية مقابل انعدام أو استحالة إقامة دولة دينية تكون بين السماء والأرض في سمو وجودة نظامها. فالسيد منير الخباز وهو أحد الألسن الناطقة بإسم المرجع الأعلى السيد السيستاني وقع في ارباك عندما وجِّهَ له السؤال التالي: "كيف نجمع بين تفانيكم في مناقشة وردّ نظريات بعض الملحدين في حين تكرر منكم في أكثر من موقف الإشادة بالدولة المدنية والتي هي بالطبع قِبال الدولة الدينية، وإنها الأنسب لهذا الزمان والأصلح له، بل ونسبتم هذا للمرجع الأعلى سماحة السيد السيستاني حفظه الله تعالى. ما صحة هذا النسب للسيد السيستاني. ثانيًا؛ أليس هذا تناقضًا سيدنا، من جهة تدافعون عن الدين ومن جهة أخرى تدعون الدول التخلي عن الدين؟"

أنحبس صوت السيد الخباز لثوان وجال ببصره كالمتحيّر، وبشيءٍ من الانفعال أجاب بالنفي ثم برر التناقض لتنوع المجتمعات العراقية وواقع استحالة اخضاع كل التنوع العراقي تحت حكومة اسلامية، ورجع الى رأي أحد الفقهاء الشيعة المشاهير الذي يعتقد بأن الدين يقود الحياة، وظل السيد ينتقل في دوامة تناقض ولم يركن الى قول واحد واضح قاطع: "ما طرحه السيد السيستاني حكومة مدنية وليست دولة مدنية، هناك فرق بين المصطلحين، ويصير خلط بين المصطلحين (...) فرقٌ بين أن تطرح الدولة المدنية وبين أن تدعو لحكومة مدنية بقيدين ذكرهما؛ حكومة مدنية تحترم حقوق الإنسان وتحترم ثوابت الإسلام. لماذا؟ لأشرح الآن؛ الأساس هو دولة قائمة على الدين، هذا هو الأساس، أن تقوم دولة دستورها الدين برؤية إمامية، لأن هذا ما نعتقد بصحته، ولكن؛ إذا لم يمكن ذلك كما في مجتمع العراق لتعدد الأديان والمذاهب والأحزاب وتنافر القوى، هنا السيد السيستاني يقول إذا لم يمكن ذلك فيوجد حل عقلائي ثاني وهو حكومة مدنية مُنتخبة من قِبل الشعب، وليس فصل الدين عن الدولة"(2).

يا سيد منير الخباز، لو أن الحوزة أقامت مؤسسة دينية لا تناهزها مؤسسة عالمية في رعاية وتطوير الطائفة لما اضطررتَ للوقوع في هكذا موقف محرج.

كلاكهما؛ الحيدري والخباز، واقعان في إحراج تسويق النموذج. فالحيدري يُسوِّق لنموذج دولة، والخباز يُسوِّق لنموذج مؤسسة. والنموذجان ولِدا بعقل ومنطق قديم، وتطبيق رجعي، ورواية ضخمة تنسب لرموز قديمة وخوارق علمية، ولكنها رواية لم تصمد أمام العلوم العصرية والتقنيات الدقيقة والتخصصات العلمية، وهكذا تعرّت عقلية ومنطق الأقدمين والتطبيق الرجعي في ميدان المواجهة مع التقدم العصري، وأحرِجَ السيدان وهما يُسوِّقان لعقيدة التناقض المتهافت.

إشارات

(1) مقطع فيديو بعنوان: "السعي الى اقامة حكومة إسلامية"، نُشِرَ على صفحة فيسبوك | السيد هاشم الحيدري بتاريخ 31 اكتوبر 2022.

(2) مقطع يوتيوب بعنوان: توضيح رأي السيد السيستاني في الدولة المدنية | السيد منير الخباز.