هل يقود جنبلاط جهود وساطة للتهدئة بين الشرع والدروز؟
دمشق - يسعى الزعيم الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، إلى لعب دور محوري في التهدئة وتعزيز الاستقرار في البلاد، وذلك على خلفية الأحداث السوداء في منطقتي صحنايا و أشرفية في ريف دمشق. جنبلاط، الذي يحظى بمكانة بارزة في السياسة اللبنانية، يُعد من بين الشخصيات التي تسعى جاهدة إلى دعم سوريا في تجاوز أزماتها الداخلية، وخاصة في المناطق التي تمثل تنوعًا دينيًا وطائفيًا، مثل الطائفة الدرزية.
ويعتقد بشكل واسع أن الزعيم اللبناني الدرزي يقود جهود وساطة غير رسمية للتهدئة بين الدروز والسلطات الانتقالية الحالية لنزع فتيل الازمة.
وخلال الأسبوع الماضي، شهدت مناطق أشرفية صحنايا و جرمانا توترات أمنية بالغة الخطورة بعد انتشار تسجيل صوتي منسوب لأحد أبناء الطائفة الدرزية، يتضمن إساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. هذا الحادث أدى إلى اندلاع مواجهات أسفرت عن سقوط ضحايا من المدنيين وعناصر الأمن، ما جعل الوضع يزداد تأزماً في مناطق يقطنها العديد من أبناء الطائفة الدرزية. ورغم هذه التوترات، تمكّنت السلطات السورية من استعادة الأمن في المنطقة بفضل التنسيق مع وجهاء المنطقة، بما في ذلك القيادة الدرزية، والذين ساهموا في تهدئة الأوضاع.
وفي هذا السياق، قام وليد جنبلاط بزيارة دمشق الجمعة حيث التقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في قصر الرئاسة. خلال اللقاء، تطرق إلى التوترات الأخيرة في صحنايا، وأكد على ضرورة التعاون بين مكونات الشعب السوري لضمان استقرار البلاد. كما شدد على أهمية دور الدولة السورية في الحفاظ على الأمن وحماية المواطنين، معربًا عن أسفه للخسائر البشرية التي نجمت عن الأحداث الأخيرة.
وتتمثل العلاقة بين وليد جنبلاط والحكومة السورية الانتقالية في حالة من التعاون المستمر، حيث يعتبر جنبلاط من أول الشخصيات السياسية العربية التي زارت دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الاول 2024. وقد التقى حينها بـالالشرع، وهو ما يعكس عمق التعاون بين الرجلين والرغبة المشتركة في إعادة بناء العلاقات بين لبنان وسوريا في مرحلة ما بعد الأسد.
ومنذ فترة كانت هناك علاقات ودية بين جنبلاط ودمشق، فقد كان دائمًا من المدافعين عن ضرورة الحوار والتواصل بين مختلف القوى والمكونات السورية، بما في ذلك الطائفة الدرزية. جنبلاط أيضًا قد عبّر في أكثر من مناسبة عن شكره لجهود الحكومة السورية في ملف القبض على قتلة والده، كمال جنبلاط، الذي اغتيل خلال الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1977. في زيارة سابقة إلى دمشق، أشاد جنبلاط بالجهود السورية في هذا السياق، حيث تم القبض على إبراهيم حويجة، المسؤول عن اغتيال والده، وهو ما يعكس مدى تأثير العلاقات الطيبة بين جنبلاط والحكومة السورية.
وفي معرض حديثه عن الأوضاع في سوريا، حذر جنبلاط من محاولات إسرائيل لاستغلال الأقليات في سوريا كأداة للـ تقسيم وإضعاف الدولة السورية مشيرا إلى أن الطائفة الدرزية، التي تمثل إحدى المكونات المهمة في نسيج المجتمع السوري، تعد من الركائز الأساسية للاستقرار في البلاد.
وأكد على ضرورة حماية وحدة سوريا ومنع محاولات التفتيت التي قد تؤدي إلى مزيد من الفوضى في المنطقة. هذا التحذير يتماشى مع رؤية جنبلاط للأمن الإقليمي ودوره في مواجهة المخططات الإسرائيلية التي تسعى لزرع الفتنة بين المكونات السورية.
بالإضافة إلى ذلك، عبّر جنبلاط عن ارتياحه للانفتاح العربي والدولي على الدولة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد. جنبلاط يرى أن هذا الانفتاح سيسهم في تعزيز استقرار سوريا، وبالتالي سيكون له تأثير إيجابي على استقرار لبنان، الذي يواجه بدوره تحديات سياسية وأمنية.
ويعكس هذا التوجه رغبته في استعادة العلاقات الطبيعية بين لبنان وسوريا، خاصة بعد فترة من القطيعة السياسية التي شهدتها العلاقات بين البلدين نتيجة للتدخلات الإقليمية والتحديات الداخلية في سوريا.
من جانب آخر، أشار جنبلاط إلى الدور الهام الذي يلعبه المكون الدرزي في مؤسسات الدولة السورية، مشددًا على ضرورة أن يكون لهم دور رئيسي في بناء سوريا الجديدة. وقد لاقى كلام جنبلاط تقديرًا من الرئيس السوري الانتقالي، الذي أشاد بدور الطائفة الدرزية في مراحل مفصلية من تاريخ سوريا، وخاصة في إطار المقاومة الوطنية ضد الاحتلالات والمخططات الخارجية.
من خلال هذه التحركات والتصريحات، يبدو أن وليد جنبلاط يسعى إلى التهدئة في سوريا والمساهمة في استقرار البلاد بعد فترة طويلة من التوترات والصراعات. بالإضافة إلى دوره كحلقة وصل بين مختلف المكونات الطائفية السورية، فإنه يعبر عن إرادة قوية في تعزيز الوحدة الوطنية، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الاستقلالية الوطنية في مواجهة الضغوط الخارجية.
وفي سياق متصل حضّت الأمم المتحدة السبت اسرائيل على "الوقف الفوري" لهجماتها على سوريا.
وأدان المبعوث الأممي إلى دمشق غير بيدرسن "بشدة انتهاكات إسرائيل المتواصلة والمتصاعدة ضد سيادة سوريا، بما في ذلك الغارات الجوية المتعددة على دمشق ومدن أخرى".
وأضاف في منشور عبر منصة إكس "أدعو إلى الوقف الفوري لهذه الهجمات، وإلى أن تمتنع إسرائيل عن تعريض المدنيين السوريين للخطر، وأن تحترم القانون الدولي وسيادة سوريا ووحدتها وسلامتها الإقليمية واستقلالها".