هيئة تحرير الشام تعيد تسويق نفسها كحركة معارضة وطنية

الغارات الأميركية تستهدف قادة الفصائل الجهادية وتترك الجولاني زعيما متنفذا في شمال سوريا.

واشنطن – قالت دراسة أعدتها مؤسسة جيمس تاون الأميركية أن أمير هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، عمل لعدة سنوات على إعادة تسويق جماعته كحركة وطنية سورية معارضة للرئيس بشار الأسد، محاولا الابتعاد بالجماعة عن أصولها في القاعدة.

وذكر الباحث تامي لين بالاسيوس في الدراسة "أن التغيير في آليات عمل الجماعة وطريقة تقديمها لنفسها في المنطقة، لم يمنع تواصل دعم جهود هيئة تحرير الشام لمصالح التنظيم الإقليمية وأهدافه الاستراتيجية العالمية الأوسع."

وكشفت الدراسة عن تعاون محتمل بين الهيئة والولايات المتحدة مما ساعد واشنطن على تسجيل نجاحات مثل القضاء على خليفة داعش الثاني أبو إبراهيم الهاشمي القريشي وغيره من قادة تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة في شمال غرب سوريا خلال السنوات القليلة الماضية.

وكان دعم الهيئة لجهود القوات الأميركية مباشرا في بعض الحالات، واتيح خيار التعاون بسبب نبذ الجولاني العلني للقاعدة، حتى وإن لم تُبعد القاعدة نفسها عن هيئة تحرير الشام.

ولم تعد هيئة تحرير الشام تتبع القاعدة مباشرة، لكن تاريخا طويلا يجمعها بفصيل "حراس الدين" المتشدد الناشط ضمن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. ومن هذه المجموعة نفسها بالذات بعثت هيئة تحرير الشام. ويتواصل ارتباط فيلق حراس الدين الوثيق والرسمي بالقاعدة.

وأبقت العلاقات المتبادلة مع تنظيم القاعدة الصراع بين هيئة تحرير الشام وحراس الدين محدودة حتى ربيع 2020. لكن تحرّكات الجولاني منذ ذلك الحين منحت الهيئة ميزة تنافسية على حراس الدين، وكان ذلك بمساعدة غارات طائرات الولايات المتحدة المسيّرة التي استهدفت قادة الفصيل.

وقال لين بالاسيوس "يمكن أن ترجع ضربات الطائرات دون طيار إلى تعاون الجولاني مع الأميركيين."

وعملت هيئة تحرير الشام وحراس الدين على احباط تقدم القوات الداعمة للحكومة السورية في 2019 و2020. لكن الطرفين أصبحا في سباق على الشرعية والتمتع بالسيطرة على السكان في محافظة إدلب الأوسع.

وهيئة تحرير الشام تنظيم أكبر من فصيل حراس الدين، وتمكنت من ضمان انتصارها في المواجهات خلال أحداث أبريل ويونيو 2020. وكانت هيئة تحرير الشام حينها تشن حملة للسيطرة الكاملة على المساحة المدنية في إدلب من خلال اعتقال الصحفيين من جهة وأعضاء حراس الدين الرئيسيين من جهة أخرى. وكان رد فعل حراس الدين عسكريا، مما تطلب في النهاية وساطة الحزب الإسلامي التركستاني الموالي للقاعدة في أواخر يونيو 2020.

وصرّحت القاعدة خلال ذلك بأنها تواصل اعتبار مقاتلي هيئة تحرير الشام من "الإخوة". وانتقدت علنا "العنف بين الإخوة" في محاولة للتوسط في السلام بين المجموعتين المتحاربتين.

ويشير التصريح والجهود إلى كون هيئة تحرير الشام حليفة للتنظيم وذات دور يخدم هدف القاعدة طويل الأجل المتمثل في الهيمنة الإقليمية.

وتراقب الولايات المتحدة العلاقة التي تربط هيئة تحرير الشام بتركيا، والتي تحددها مصلحة أنقرة في السيطرة على الحدود السورية التركية. لكن عليها أيضا أن تراقب نشاط أعضاء هيئة تحرير الشام على المستوى المحلي.

وكانت الولايات المتحدة متساهلة مع هيئة تحرير الشام، ولا تمانع من تقديم الجولاني لتنظيمه كحركة معارضة لحكم الأسد، وربما بُني هذا القرار على أساس أن الهيئة تساعد في استئصال مقاتلي حراس الدين الأكثر تشددا وستحارب داعش في شمال غرب سوريا. ويدلّ هذا المنظور على أن الجولاني انفصل بالفعل عن ماضيه الجهادي، مما دفع الولايات المتحدة إلى تخفيف ضغط مكافحة الإرهاب في تعاملاتها مع مقاتليه.

لكن الاعتدال لا يبرز بنفس القدر على كافة مستويات هيئة تحرير الشام. وتواصل قوات الأمن التابعة للهيئة اعتقال الأفراد ومحاكمتهم وتعذيبهم واحتجازهم وقتلهم ضمن تطبيق علني للشريعة الإسلامية وممارسة السيطرة في إدلب. وقد تستمر عناصر حكومة الظل التابعة لهيئة تحرير الشام، وحكومة الإنقاذ السورية والوزارات والمديريات التابعة لها، خلال ذلك في التأثير على السكان واجبارهم على اتباع التفسير المتشدد للشريعة.

وتحكمت الهيئة بالسكان من خلال كيان امني اسمه "الفلَاح" عوّض دوريات الحِسبة. وشهد تقليص صلاحياته خلال سنة 2021 ضمن حملة الاعتدال التي اعتمدتها الهيئة، وتقرر في النهاية استبدال الكيان بـ"الشرطة الأخلاقية" الجديدة التي خففت من تدخلها في الشؤون المدنية بشكل كبير.

ويمثل الموقف من هيئة تحرير الشام وعلاقتها بحراس الدين أولوية تستحق للمراقبة، خصوصا ما يتعلق بعلاقتهما بالقاعدة ضمن عملية إعادة تقييم للوضع في شمال سوريا.

ويصبح هذا الأمر ملحا أكثر خاصة بعد تصنيف الولايات المتحدة لزعيم حراس الدين، سامي محمود محمد العريدي، "إرهابيا عالميا". وتشير جهود اعتقال هيئة تحرير الشام لقادة حراس الدين خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2022 إلى تحول من التعايش الجهادي المتبادل إلى الرغبة في نيل الرضا الغربي.

وقال لين بالاسيوس "لكن هذا لا يعني انعدام احتمالية احترام المقاتلين من المستوى المنخفض والمتوسط ​​في هيئة تحرير الشام لعلاقاتهم السابقة مع متشددي حراس الدين والتصرف بما يتماشى مع أيديولوجية الفصيل الجهادية."