واشنطن تدفع باتجاه طي صفحة التوتر بين سوريا وإسرائيل
دمشق - تشير دعوة المبعوث الأميركي توماس باراك إلى سوريا اليوم الخميس إلى اتفاق عدم اعتداء بين دمشق والدولة وإسرائيل، إلى سعي إدارة الرئيس دونالد ترامب طي صفحة التوتر بين الطرفين ما يفتح المجال لتطبيع العلاقات، في وقت تضع السلطة الجديدة نصب عينيها دفع عجلة التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار بعد 14 عاما من اندلاع نزاع مدمر.
وفي اتفاق يعد الأعلى قيمة بعيد رفع العقوبات الأوروبية والأميركية، وقعت دمشق مع ائتلاف ضم شركتين قطرية وأميركية وشركتين تركيتين في وقت لاحق مذكرة تفاهم للاستثمار في مجال الطاقة بقيمة سبعة مليارات دولار.
وقالت الخارجية السورية في بيان إن "هذه الخطوة تجسد أولويات الدولة في إعادة الاعمار وتعزيز أمن الطاقة، وتظهر الانفتاح على الشراكات الاقليمية والدولية".
وبعد تعيينه في منصبه، وصل الدبلوماسي الأميركي الذي يتولى منصب سفير واشنطن لدى أنقرة، إلى دمشق، في خطوة أعقبت فتح البلدين صفحة جديدة من العلاقات بعيد رفع العقوبات الاقتصادية إثر قطيعة استمرت منذ عام 2012.
وأعرب باراك في تصريح بثته قناة "العربية" السعودية، عن اعتقاده بأن "مشكلة إسرائيل وسوريا قابلة للحل وتبدأ بالحوار"، مقترحا من دمشق البدء بـ"اتفاق عدم اعتداء" بين الطرفين.
وإثر حضوره حفل توقيع مذكرة التفاهم للاستثمار في مجال الطاقة، كتب باراك على منصة إكس "بعد أسبوع فقط من إعلان الرئيس ترامب رفع العقوبات، قمنا بالإفراج عن مليارات الدولارات من الاستثمارات الدولية لسوريا".
ومنذ إطاحة الرئيس بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، شنّت إسرائيل مئات الضربات على مواقع عسكرية في سوريا، مبررة ذلك بالحؤول دون وقوع الترسانة العسكرية في أيدي السلطات الجديدة. وطالت غاراتها الأخيرة الشهر الحالي محيط القصر الرئاسي على خلفية أعمال عنف ذات طابع طائفي.
كما توغلت قواتها داخل المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجولان، والواقعة على أطراف الجزء الذي تحتله الدولة العبرية من الهضبة السورية وتتقدم قواتها بين الحين والآخر إلى مناطق في عمق الجنوب السوري.
وكان الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أكد مرارا أن سوريا لا ترغب في تصعيد مع جيرانها، ودعا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل وقف اعتداءاتها. وأشار الشهر الحالي في باريس إلى أن دمشق تجري عبر وسطاء مفاوضات غير مباشرة مع الدولة العبرية بهدف تهدئة الأوضاع.
وجاءت تصريحات باراك بعد رفعه الخميس بحضور وزير الخارجية السوري اسعد الشيباني العلم الأميركي في دار سكن السفير الأميركي في دمشق، القريب من مقر السفارة.
وكان روبرت فورد آخر دبلوماسي شغل منصب السفير الأميركي في دمشق، حين اندلع النزاع السوري منتصف مارس/آذار 2011. وفرضت بلاده عقوبات على مسؤولين سوريين بعد شهر من اندلاع الاحتجاجات السلمية، احتجاجا على قمعها بالقوة.
ومطلع يوليو/تموز 2011، تحدى فورد السلطات بزيارته مدينة حماة (وسط) التي كان الجيش قد حاصرها إثر تظاهرة ضخمة. وأمطره المتظاهرون بالورود الحمراء، ما أثار غضب دمشق التي اتهمت واشنطن بالتدخل في التحرك ضد السلطات ومحاولة تصعيد التوتر.
وعدّت الخارجية السورية فورد من بين عدد من السفراء الأجانب "غير المرحب" بهم، قبل أن يغادر سوريا "لأسباب أمنية" مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2011. وتدهوت إثر ذلك العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ومنذ سقوط الأسد تحسّنت العلاقات تدريجيا بين البلدين. والتقى الشرع والشيباني باراك في نهاية الاسبوع في مدينة إسطنبول على هامش زيارتهما تركيا، في إطار جهود دمشق "لإعادة بناء العلاقات الاستراتيجية" مع واشنطن، وفق الرئاسة السورية.
وأعلن ترامب الأربعاء رسميا تعيين باراك مبعوثا إلى دمشق. وقال، وفق منشور لوزارة الخارجية، على منصة إكس "يدرك توم أن ثمة إمكانات كبيرة للعمل مع سوريا على وقف التطرف، وتحسين العلاقات، وتحقيق السلام في الشرق الأوسط".
وجاء ذلك بعدما التقى ترامب الشرع في 14 مايو/أيار في الرياض، حيث أعلن رفع العقوبات التي كانت مفروضة على دمشق.
وخلال اللقاء، حضّ الرئيس الأميركي الشرع على تطبيق خطوات عدة بينها "توقيع اتفاقات ابراهام مع إسرائيل"، والتي طبّعت بموجبها الإمارات والبحرين والمغرب علاقاتها مع الدولة العبرية في 2020.
ومنذ وصوله إلى دمشق، أكد الشرع مرارا أن سوريا لا ترغب في تصعيد مع جيرانها، ودعا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل وقف اعتداءاتها. وأشار الشهر الحالي في باريس إلى أن بلاده تجري عبر وسطاء "مفاوضات غير مباشرة" مع الدولة العبرية بهدف تهدئة الأوضاع.
وتأمل السلطة الجديدة، بعد 14 عاما من اندلاع نزاع مدمر، جذب الاستثمارات في مختلف القطاعات لا سيما بعد رفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات المفروضة على سوريا.
وورثت إدارة الشرع بنى تحتية متهالكة ومؤسسات عاجزة عن توفير أدنى الخدمات الرئيسية، في وقت تصل ساعات التقنين منذ سنوات الى عشرين ساعة يوميا.
وبعد إطاحة الأسد، عاد 1.87 مليون سوري فقط، من لاجئين ونازحين، إلى مناطقهم الأم، بحسب المنظمة الدولية للهجرة التي أشارت إلى أن "نقص الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية يشكل التحدي الأبرز" أمام عودتهم. ولا يزال نحو 6.6 ملايين شخص نازحين داخليا، وفق المصدر ذاته.
ومع رفع العقوبات الغربية عن سوريا، لا سيما الأميركية، تعوّل السلطات الجديدة على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة إعادة الإعمار، والتي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار.