ورطة الشيعي (6)

التشيع يمعن في لوم الاتباع والاشارة إلى الطاقم السري في منظومة الإيمان.

هكذا أرادها مؤسس ديانة الإسلام ودوّنها كمادة دستورية ثابتة في مؤلَفه؛ كتاب المسلمين المُقدس، وهو لم يتطرق لتفاصيل تفصل بين المؤمنين الخُلّص والمؤمنين المُشركين، ففكرة الله في الإسلام وبشهادة الأب المؤسس (أو الآباء) محاطة بشوائب وتعتريها الشوائب ومنطلقها شائب. هي فكرة في أصلها ضبابية، هُلامية، ولكنه ألقى باللائمة على الأتباع وجعل العيب فيهم. لماذا؟ لتظل الفكرة المجهولة مُنزهة عن النقص "نظريًا" ويُبتلى الأتباع بالنقص "عمليًا"، وهذا ما تبلور كواحدة من أسس عقائد هذه الأمة النافقة منذ لحظة التأسيس.

المادة الكتابية المعنية:

"وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُون" [سورة يوسف: 106].

وحال اغلب المسلمين في نظر الفقهاء ضحالة في التفقه أو انعدامه والجهل بقواعد التراث وشروطه ومعارفه، ولهذا أغلب الناس عوام، وعوام الناس هم: "عامَّة النَّاس، النَّاس العادِيُّون، خلاف الخاصّة". أما بخصوص عوام المسلمين فقد فرّق كمال الدين بكرو بين المسلم الواعي وعوام المسلمين: إن الفرق بين المسلم الصادق الواعي وبين عوامِّ المسلمين كالفرق بين مؤمن آل فرعون وبين عامة بني إسرائيل، فالأول كان يكتُم إيمانه وهو في قصر فرعون، وقد نجَّى الله به موسى –عليه السلام- من القتل المحقَّق، وقال الله تعالى فيه: "وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ" [القصص: 20].

أما هؤلاء الغُثاء الجُهَلاء، وهم ألوف مؤلَّفة، فبعد أن انشقَّ لهم البحر بأمر الله تعالى، وأغرق الله لهم فرعون وجنوده، وأنقذهم من الإبادة الجماعية، إذا بهم يطلبون من نبيهم موسى -لمَّا رأوا في طريقهم عبَدة الأصنام- أن يتخذ لهم صنمًا يعبدونه! وقال الله فيهم: "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}[الأعراف: 138] (1). هذا دين الفقهاء مع عوام المسلمين وعقيدتهم العملية في التعامل معهم، فالفقهاء كطبقة تنظر لنفسها على إنها طبقة علمية تحجب رأيها بعامة عقائد الناس وتدينهم وطقوسهم، ومن يشذ عن هذه التقية الداخلية يلقى وبالًا وحربًا كما حدث مع السيد محمد حسين فضل الله لأنه انكر حادثة كسر ضلع الزهراء المشهورة في تراث الديانة، ورغم أن الحادثة ليست من أصول الدين والعقيدة إلا أن مُنكرها يُنبذ عند الشيعة، وهذا ما أعنيه ببقاء الفكرة المجهولة مُنزهة عن النقص "نظريًا" ويُبتلى الأتباع بالنقص "عمليًا"، ورغم أن الفكرة المُقدسة مجهولة من ناحية حقيقة وجودها أو حدوثها إلا إنها كالشائبة المُقدسة لا يُسمح لأحد بنقدها أو التشكيك بها وذلك ليظل التابع هو الملوم والموَبّخ والقاصر والمُقصّر في اثباتها واقناع كل سكان الكوكب بأنها حقيقة وحق، أما الجهة الدينية الرعوية فتلتزم بالتقية مع العدو ومع التابع، فالتابع مشوب العقيدة والتديّن بشهادة المادة الكتابية المعنية:

"وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُون".  فقِبال "أكثرهم" تكون "أقلهم" وهذه الأقلية هي الأعلم والمرفوع عن بصرها الغطاء والمستنيرة بنور الله وملائكته ورسوله والأئمة وآخرهم الإمام المتواري عن انظار "أكثرهم" والظاهر أمام أنظار "أقلهم" إذ أن "أقلهم" هم طاقمه السري، وهذه شهادة عن هذه العقيدة:

"ليس كل الدين مُتمثل في الحوزات العلمية، الحوزات العلمية لها دور، الفقهاء لهم دور، هم فريق، طاقم، الرواديد طاقم، المشاعر الحسينية لها دور، لكن ليس الجهاز الديني كُله هذا، هناك قسم من الجهاز الديني السماوي سري، خفي، وهذا بنص القرآن الكريم، ليست الشرعية تمتلكها المُعلن من الدين، المراقد المطهرة جانب مُعلن من الدين، الكعبة المكرمة جانب مُعلن من الدين، الحوزات العلمية جانب مُعلن من الدين، المراجع جانب مُعلن من الدين، المواكب الحُسينية والرواديد والخطباء جانب مُعلن من الدين، وهناك جانب سري في الدين ’مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ‘ ليس كل الطاقم الديني مُعلن"(2).

هل تعرّفت عزيزي الشيعي على ما يخفيه الشيخ الفقيه محمد السند وغيره من الفقهاء وتلك الجوانب السرية من الدين التي يقصدون، أم إنك جاهل بها كباقي العوام الذين هم "أكثرهم" المُستهزأ بهم من قِبل "أقلهم" وهم الخواص؟

عزيزي الشيعي المتورط؛ هل قلبك مطمأن ونفسك مرتاحة وأنت تتبع هكذا دين؟

في حال اكتساب فعل الإيمان، وهو اجتهاد ذهني في الدين والغيبيات يستتبعه موقف نفسي وقلبي. على الرغم من هذا الفعل الذهني ومشاقه واشتباهاته ومصاعبه في مقامات الأدلة والاستدلال وفرز الصحيح عن غيره في كتب التراث واقوال الفقهاء؛ إلا أن القرآن يقول: "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُون" فكيف بك عزيزي الشيعي وأنت لا تتبع قرآنًا ولا سُنة مُنقحة ولا منهاج للأئمة مُصحَح ومُنقَح ولا تواظب على فقيه تُقلده وتتبع آراءه؟

عزيزي الشيعي المتورط: لو كُنتَ في قمة الإيمان فأنت في قائمة أنصاف المشركين، وفي حالتك التي أنت عليها كواحد من العوام فأنت منبوذ مُحتقر في نظر طبقة الفقهاء وذلك الطاقم السري، والمحل لا يتسع الآن لأعرِّفُكَ بالطاقم السري الديني...

في كِلا الحالتين أنت متورط.

هناك اقتراح يطرحه الآثاريون مفاده أن عدم تبسيط نظم الكتابة الغابرة كان بفعل اعتراض كهنة بلاد الرافدين ومصر القديمة وذلك بدافع الاحتكار ولبقاء الأنظمة الكتابية صعبة لا يفهمها ويستعملها إلا طبقة الكُهان المتشبثون بمناصبهم وبالتالي يكون فهمها واستعمالها متعسرًا على عامة الناس!

---------------------

(1) مقال صغير بعنوان: الفرق بين المسلم الواعي وبين عوام المسلمين.

نت، موقع رابطة العلماء السوريين.

تاريخ النشر: 12 ابريل 2021.

(2) مقطع يوتيوب بعنوان: الطاقم الديني السري في شخصية الخضر مع موسى(ع)-الشيخ محمدالسند (دام ظله).