وفاة مرشد الإخوان بالنيابة تفتح الباب لصراعات جديدة

إبراهيم منير قاد جبهة لندن في مواجهة جبهة اسطنبول بقيادة محمود حسين في أسوأ أزمة تعصف بتنظيم الإخوان، بينما لم يتضح ما إذا كانت وفاته ستضع حدا للنزاع بين الجبهتين أم ستؤججها بمجرد تعيين خليفة للقائم بأعمال المرشد العام الراحل .

لندن - نعت جماعة الإخوان المسلمين في بيان إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام للجماعة المصرية وأمين عام تنظيمها الدولي، الذي توفي اليوم الجمعة في لندن، عن عمر تجاوز 85 عاما، فيما تفتح وفاته الباب لنزاع جديد على خلافته وسط صراع آخر لم يهدأ بين جبهة لندن التي كان يقودها منير وجبهة اسطنبول التي يقودها محمود حسين.

وتحيل وفاته أيضا إلى ضابية المشهد لدى الإخوان مع تحول المحور التركي القطري صوب مصالحات مع دول الجوار الإقليمي المناوئة لتنظيم الإخوان والتي صنفته على قوائمها للتنظيمات الإرهابية.  

ومن المتوقع أن يجتمع مجلس الشورى العام للجماعة وهو أعلى هيئة رقابية للبحث في من سيخلفه، وبالتالي بحث الأقدر على قيادة جبهة لندن في مواجهة جبهة اسطنبول، بينما تعيش الجماعة المحظورة في عدد من الدول العربية والخليجية، أزمة داخلية وانشقاقات حادة وثنائية في مجمل هيكلها، شق تابع لجبهة الراحل إبراهيم منير وآخر تابع لجبهة محمود حسين.  

وكان منير وهو مصري الجنسية يقيم في الخارج منذ ستينات القرن الماضي فيما كانت الجماعة تواجه ضغوطا من النظام المصري حينها وكان شخصية مثيرة للجدل في صفوف التنظيم إلى أن تولى في العام 2020 منصب القائم بأعمال الجماعة في خضم أكبر أزمة تعصف بالإخوان مع بروز شقين.

في الغرف المغلقة يبدو أن أنقرة تريد أن يسوي الإخوان مشاكلهم بعيدا عنها حتى لا تغضب السعودية والإمارات بعد أن فتحت صفحة جديدة في العلاقات معهما

ودخل القائم بأعمال المرشد الذي توفي الجمعة في نزاع مع محمود حسين الذي يقيم في اسطنبول وهو من القيادات البارزة التي لجأت إلى تركيا الحاضنة لتنظيم الإخوان والتي دخلت في عداء مع النظام المصري بعد أن عزل الجيش في 2013 بقيادة عبدالفتاح السيسي (الرئيس الحالي) وقدمت دعما سخيا للقادة الفارين إليها ودعمت شق اسطنبول في مواجهة جبهة لندن.  

وبلغت الأزمة داخل جماعة الإخوان ذروتها في يوليو/تموز 2022 حين أصدرت الجماعة بيانا أعلنت فيه سحب العضوية من إبراهيم منير و13 آخرين من الموالين له وبررت القرار بعدم التزامه  بفرارات مؤسسات التنظيم الشرعية وتشكيل هيئات موازية لتلك المؤسسات.

وأورد البيان حينها أسماء 13 من أعضاء مجلس الشورى العام الذين دعموا انشقاق إبراهيم منير وتشكيل مجلس شورى مواز للمجلس الشرعي.

ورسمت تلك الخلافات والانشقاقات بداية مواجهة أرخت بظلال ثقيلة على التنظيم الذي يكابد للملمة شتاته مع تعثر مشروع التمكين وسقوطه في أكثر من منطقة عربية فقد انهار المشروع في السودان مع سقوط نظام عمر البشير الذي عزله الجيش في 2019 على وقع احتجاجات ضخمة استمرت لأشهر طويلة، ثم في تونس بعد عزل الرئيس التونسي قيس سعيد منظومة الحكم التي كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية وصولا إلى المغرب حيث شكلت الهزيمة المذلة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي بعد عقد من الحكم، ضربة قاصمة للإخوان في المنطقة.

وفي الوقت ذاته يواجه حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان متاعب كبيرة وانشقاقات أضعفت شعبيته بينما يستعد لخوض انتخابات تشريعية ورئاسية حاسمة ومصيرية ستحدد مستقبله السياسي.

كما تغير المزاج السياسي التركي على وقع مصالحات يسعى إليها النظام مثقلا بأزمة اقتصادية حادة ومخاوف من عزلة إقليمية، فطوى صفحة سنوات من التوتر مع الإمارات والسعودية وهما من الدول التي حظرت جماعة الإخوان المسلمين وصنفتها إرهابية، بينما تخطو أنقرة باتجاه مصالحة مع مصر بعد سبع سنوات منى القطيعة بسبب الموقف التركي من عزل النظام المصري لجماعة الإخوان من الحكم ومحاكمة وملاحقة قادتها وأعضائها قضائيا.

قد تكون لندن أفضل مكان بالنسبة لتركيا ليعالج تنظيم الإخوان مشاكله الداخلية، فالمحور التركي القطري عدل بوصلته صوب مصالحات مع الجوار الإقليمي ولا يبدو أنه مستعد راهنا لتحمل أعباء إضافية

وتوقفت جلسات الحوار بين أنقرة والقاهرة بسبب خلافات سياسية بعيدة في الوقت الراهن عن ملف الاخوان وتتعلق أساسا بالتمدد التركي في ليبيا وبنزاعات على مكامن النفط والغاز في شرق المتوسط.

لكن الحكومة التركية بدأت قبل أشهر تضييق الخناق على الإخوان ومنصاتهم الإعلامية في اسطنبول لإرضاء الجانب المصري وتسريع خطوات التقارب بعد أن فتحت قنوات دبلوماسية.

كما عدلت المصالحة مع إسرائيل مسار العلاقات بين تركيا وحماس الإسلامية الفلسطينية التي سارعت بمجرد بدء أنقرة خطوات للتقارب مع تل أبيب، إلى العودة لحضن دمشق بعد عشر سنوات من القطيعة بحثا عن تموقع ضمن محور المقاومة بقيادة إيران للإبقاء على شريان الدعم المالي بعد انقطاع الدعم التركي.

وترسم هذه المتغيرات الجيوسياسية ملامح ومصير النزاع بين جبهتي لندن واسطنبول، فالشق الثاني بات يواجه على الأرجح وضعا صعبا في ظل إدارة تركيا ظهرها للتنظيم ولقياداته على أراضيها مدفوعة بمخاوف من العزلة السياسية وفي سياقها البراغماتي بحثا عن متنفس لأزمتها الاقتصادية.

ولم يكن تحرك جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير قبل أشهر من رحيله، بمعزل عن هذه التطورات فقد بادر على ضوء الموقف التركي مستغلا وضعا غير مريح لخصمه محمود حسين لتعزيز جبهته و تشكيل هيئة عليا بديلة لمكتب الإرشاد التابع لجبهة إسطنبول.

وقام إبراهيم منير بتشكيل الهيئة في إطار مواجهة جبهة محمود حسين، التي تتمسك بمواقعها التنظيمية كأعضاء سابقين في مكتب الإرشاد.

ترسم متغيرات جيوسياسية ملامح ومصير النزاع بين جبهتي لندن واسطنبول، فالشق الثاني بات يواجه على الأرجح وضعا صعبا في ظل إدارة تركيا ظهرها للتنظيم ولقياداته على أراضيها

وتتمسك جبهة حسين بمواقعها التنظيمية كأعضاء في مكتب الإرشاد، بينما يقدم أعضاء في جبهة لندن أنفسهم كمسؤولين عن بعض الأقسام بعد أن قام إبراهيم منير بتشكيل هيئة عليا للإخوان استبعدت الأعضاء السابقين من جبهة اسطنبول.

وبعد وفاة منير لم يتضح ما إذا كان ذلك سينهي الصراع أم يؤججه، إلا أن معظم التقديرات تشير إلى مواجهة جديدة وأكثر شراسة فشق لندن لن يبدي أي استعداد للتنازل، بينما يبدو أن شق اسطنبول فقد إلى حدّ كبير الدعم الذي يحتاجه من تركيا.

وفي الغرف المغلقة يبدو أن أنقرة تريد أن يسوي الإخوان مشاكلهم بعيدا عنها حتى لا تغضب السعودية والإمارات بعد أن فتحت صفحة جديدة في العلاقات معهما وتسعى لاستقطاب استثمارات خليجية ضخمة لإنعاش اقتصادها المتعثر.

وقد تكون لندن أفضل مكان بالنسبة لتركيا ليعالج تنظيم الإخوان مشاكله الداخلية، فالمحور التركي القطري عدل بوصلته صوب المصالحات مع الجوار الإقليمي والجغرافي ولا يبدو أنه مستعد في الوقت الراهن لتحمل أعباء إضافية، بينما يؤكد توجه حماس للحضن السوري هذا الاحتمال.

وقد فشلت مبادرات سابقة في إنهاء الصراع بين إبراهيم منير ومحمود حسين ومن غير الوارد أن يحيد من سيتولى منصب المرشد بالنيابة خلفا للراحل منير، عن مساره طالما أن وضع جبهة اسطنبول يزداد ضعفا مع كل خطوة تخطوها تركيا باتجاه تعزيز علاقاتها مع الدول العربية والخليجية التي تصنف الإخوان تنظيما إرهابيا.