يوتوبيا الشعر الحديث: كيف بنى الشعراء العرب والفرس مدينتهم الفاضلة؟
كشفت دراسة مقارنة حديثة أجرتها الباحثة رضوى محمد يونس سيد لنيل درجة الدكتوراه عن صورة "اليوتوبيا" في الشعر العربي والفارسي، وذلك من خلال مقارنة أدبية نقدية بين أربعة من أبرز شعراء العصر الحديث هم، نازك الملائكة، وأحمد عبد المعطي حجازي من العرب، وأحمد شاملو وفروغ فرخزاد من الفرس.
وقد تناولت الدراسة كيف تشكلت صورة المدينة الفاضلة في أشعار هؤلاء الشعراء، ومدى ارتباطها بالتحولات النفسية والاجتماعية والسياسية والفكرية التي عاشها كل منهم.
أظهرت الدراسة أن الدوافع النفسية لعبت دورًا محوريًا في تكوين صورة اليوتوبيا، حيث لجأ الشعراء إلى الحلم بعالم بديل كرد فعل طبيعي على الشعور بالضياع، والاغتراب، وفقدان المعنى. وقد مثّلت اليوتوبيا لديهم شكلًا من أشكال المقاومة الداخلية التي تسمح بتخيل الذات في حالة مثالية، أكثر اتساقًا مع قيمهم الإنسانية.
أما الدوافع الاجتماعية، فكانت حاضرة بقوة، إذ عبّر الشعراء عن رفضهم للواقع المتأزم في مجتمعاتهم، متطلعين إلى مدن تسودها العدالة والانتماء والكرامة. وقد أظهر التحليل وجود ارتباط قوي بين الشعور بالاغتراب الاجتماعي وتخيّل فضاءات بديلة تمنح الإنسان إحساسًا بالوجود والتكامل.
كما تناولت أيضا البعد السياسي، مؤكدة أن كلاً من أحمد عبد المعطي حجازي وأحمد شاملو قد استثمرا الحلم اليوتوبي في التعبير عن التمرد على الظلم والسعي نحو الحرية والعدالة، بينما بدت اليوتوبيا لدى نازك الملائكة وفروغ فرخزاد أكثر اقترابًا من البعد النفسي والذاتي منها إلى الطرح السياسي المباشر.
ولم تغفل الدراسة السياق الفني، حيث رصدت استخدام تقنيات الزمان والمكان في تشكيل اليوتوبيا، وكيف يتماهى المكان الشعري مع الخيال، ومدى ارتباط الزمان بفكرة التغيير والتحول، وهو ما يعكس سمات القصيدة الحديثة. كما استخدم الشعراء ثنائية اللون والضوء كعناصر رمزية تعكس الرؤية الحلمية لعالم أفضل، خاصة في الشعر الفارسي الذي وُظِّفت فيه الرموز الطبيعية بشكل كثيف.
وفي سياق البُعد الديني، حيث وظّف الشعراء العرب الموروث الإسلامي – من آيات قرآنية وشخصيات دينية – لربط اليوتوبيا بالمفاهيم الروحية والتشريعية، فيما حملت اليوتوبيا لدى الشعراء الفرس بعدًا صوفيًا قائمًا على الإيمان والبعث الأخروي.
أما الأسطورة، فظهرت كأداة فنية ورمزية موازية للواقع، عبّر من خلالها الشعراء عن مشاعر اليأس والأمل، وعبّدوا بها الطريق نحو اليوتوبيا. وقد بدا تأثير البعد الفلسفي واضحًا في تصوراتهم، بين من تبنّى رؤى الفلاسفة الكلاسيكيين عن المدينة الفاضلة، ومن أعاد صياغتها وفق منظور خاص، يعكس التجربة الذاتية والبيئة التاريخية.
وقد اختتمت الباحثة دراستها بعدد من التوصيات العلمية، من أبرزها:
- إجراء دراسات مقارنة بلغات وآداب أخرى لفهم صورة اليوتوبيا في سياقات ثقافية متعددة.
- الاستفادة من مناهج النقد الثقافي والاجتماعي لفهم تأثير السياقات المحلية على تشكيل اليوتوبيا.
- توظيف التكنولوجيا الرقمية لإنشاء قواعد بيانات شعرية متخصصة.
- دراسة الأثر المتبادل بين الأدب العربي والفارسي في هذا السياق.
- التوسع في بحث حضور اليوتوبيا في الأدب الشعبي والأسطوري.
وتُعد هذه الدراسة إسهامًا نقديًا جديدًا في فهم البعد الإنساني العميق الذي يتجلى في الشعر، حيث لا تكون اليوتوبيا مجرد "مدينة خيالية"، بل بناءً شعريًا يعكس توق الإنسان الدائم إلى الحرية والكرامة والضوء.
جدير بالذكر أن رضوى محمد يونس حاصلة على دكتوراه في الأدب المقارن من كلية الآداب جامعة أسيوط، كما تحمل رضوى ماجستير في الأدب المقارن من نفس الجامعة عنوان الرسالة "الصورة الشعرية بين أحمد رامي ونيما يوشيج دراسة مقارنة"، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة أسيوط. وهي ومحاضر مركزي بالهيئة العامة لقصور الثقافة وعضو مجلس إدارة نادي الأدب بأسيوط، رضوى شغوفة بالمجال الأكاديمي والبحث العلمي وتسعى دائمًا لربط المعرفة النظرية بالواقع الثقافي والمجتمعي، وهي صاحبة بودكاست "تقدرى" وهي منصة صوتية تعنى بقضايا المرأة وتبرز صوتها وتجاربها في الحياة.