البصرة.. سلطة الإسلام السياسي والاحتجاجات

الاحتجاجات بينت هذه المرة ومن خلال حرقها لمقار الأحزاب الإسلامية بأن اكسير مظلومية الشيعية قد نفذ او أصبح خارج الصلاحية وأن الظلم الطائفي الذي تمارسها سلطة الأحزاب الإسلامية إذ حول فيروسات ما قبل التاريخ إلى وحش اسمه داعش في المناطق الغربية ليس الا محاولة لطمس الظلم الاجتماعي المتمثل بالفساد الإداري والمالي العاتي.

بقلم: سمير عادل


عندما تُحّرَقْ مقار الأحزاب الإسلامية دون استثناء، من حزب الدعوة والفضيلة وتيار الحكمة وعصائب اهل الحق وحزب الله ومنازل عدد من القيادين الإسلاميين، يعني استبدلت الجماهيرالشعار الذي رفعته في احتجاجات تموز 2015 "باسم الدين باكونا الحرامية"، بشكل عملي الى انهاء عمر هذه الأحزاب وسلطتها الطائفية والفاسدة المتسلطة على رقاب المجتمع. وعندما تدخل رموز اخرى من القوى الإسلامية للتعبير عن تضامنها مع الاحتجاجات العادلة للجماهير مثل السيستاني والصدر، يعني هناك محاولات حثيثة لإنقاذ سفينة الإسلام السياسي من الغرق. واي كان التضامن اللفظي مع الجماهير التي اكتوت بحرارة الصيف وازكمت انوفها رائحة النفايات والقذارات وقصم ظهرها بالفقر والعوز، فعلى كل واحد من هؤلاء اما اعلان البراءة من العملية السياسية، والإعلان بسوق كل شخصيات ورموزها وقادتها ووزرائها ووكلاء الوزراء والمدراء العامين لهذه الأحزاب الى المحاكم العلنية بتهم الفساد والسرقة امام المجتمع كما حصل مع الجهاد الكفائي، او على الاقل التزام الصمت واتخاذ الموقف الحيادي بدل من ذر الرماد في العيون. فطوال اكثر من عقد ونصف شبعنا من تشدقات التضامن واعميت عيوننا اطلاق المقولات والعبارات التي لا تسمن ولا تشبع مثل المجرب لا يجرب، والشلع قلع، والان نسمع شعار "انتصار ثورة الجياع"، في الوقت الذي كان وزرائهم يتبوؤون المناصب الحكومية لمدة ثلاثة دورات متتالية ومناصب في مجالس الحكومات المحلية دون ان ينظفوا شارع واحدا ويعبدوا طريق واحدا او يجدوا فرصة عمل لعابر سبيل، علاوة على ذلك فأن جزء من الميزانية تذهب الى وزارة الاوقاف والشؤون الدينية لتسمين اصحاب العمائم البيضاء والسوداء الطفيليين على حد سواء.

اهازيج النصر لحكومة العبادي في الذكرى الاولى لطرد داعش من الموصل، لم تسعف شخص العبادي نفسه عندما طوق المتظاهرين فندق شيراتون في مدينة البصرة الذي جاء اليه لتهدئة المتظاهرين، ويهتفون ضده "برا برا". وكالعادة اطلق العبادي عدد من التبريرات السخيفة لانقاذ ما يمكن انقاذه، الاول عندما قال في بيانه بأن حكومته كانت منشغلة بالحرب على الارهاب لذلك ادارت ظهرها لتوفير الخدمات والقضاء على البطالة، متناسيا، وماذا عن ولايتين متتاليتين لأمينه العام لحزبه الدعوة؟

فهل كان هو الاخر منشغلا مثل العبادي بالحرب على الارهاب، ام انه مشى على خطى زعيمه وطبق ما كان يطبقه عندما اخفى 1700 ملف فساد ولم يقدمها الى القضاء بحجة عدم استغلالها للدعاية الانتخابية، او كان يخفيها الى يوم العوز مثل المالكي الذي كلما هدده أحد خصومه في العملية السياسية، يزمجر ويوعد بأن لديه ملفات لو يفتحها لقلب العراق راسا على عقب. اما المبرر الاخر فهو وجود مجموعة صغيرة من المندسين في التظاهرات قامت بالتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة، الا ان العبادي لم يصعقه قتل أحد المتظاهرين بدم بارد وجرح عدد منهم، ولم يتفوه بكلمة واحدة، فيما اذا كانت لجنته الاستخباراتية اشارت ايضا الى ان نفس المجموعة هي التي قتلت وفتحت النار على المتظاهرين، ام ستقيد ضد مجهول اسوة ببقية الجرائم التي ترتكبها احزاب الإسلام السياسي من عمليات خطف وسرقة وقتل.

على الصعيد الاعلامي والدعائي، فلم تسعف كل اكاذيب المفوضية والامم المتحدة وحتى دخول ترامب على خط الدفاع على الانتخابات بالإشادة بها ونجاحها. فلقد فضحت الاحتجاجات كل تلك الدعايات حول الانتخابات وبينت ان الجماهير بغريزتها الفطرية لن تنطل عليها تلك المسرحية الهزيلة، وان التغيير لن يأت عبرها وانها كسرت الطوق التي حاولت اسرها.

هكذا بينت الاحتجاجات هذه المرة ومن خلال حرقها لمقار الأحزاب الإسلامية، بأن اكسير "مظلومية الشيعية" قد نفذ او أصبح خارج الصلاحية، وأن الظلم الطائفي الذي تمارسها سلطة الأحزاب الإسلامية، اذ حول فيروسات ما قبل التاريخ الى وحش اسمه داعش في المناطق الغربية ليس الا محاولة لطمس الظلم الطبقي. فالعامل والعاطل عن العمل، والملايين من الجماهير في مدن الموصل والرمادي وتكريت وبعقوبة تعيش نفس معاناة الجماهير في مدن البصرة والعمارة والناصرية والنجف والحلة والديوانية مع شكل اخر من الظلم وهي الظلم الطائفي. اي ان الجماهير في المنطقة الجنوبية التي هتفت في شوارع مدنها وسمت سلطة المنطقة الخضراء بدواعش المنطقة الخضراء، لا تفرق بين احزاب الإسلام السياسي سواء كانت في السلطة او في المعارضة وبغض النظر عن لباسها الطائفي.

تتزامن هذه الاحتجاجات، مع الذكرى الاولى لطرد داعش من الموصل، وما زالت الجثث تحت ركام خرائب المدينة، وما زال هناك ملايين النازحين يقبعون في المخيمات، وما زالت المعاناة النفسية والمادية في اوجها، بينما القوى المصنفة نفسها بالكتل السنية تتصارع في اجتماعاتها ولقاءاتها على المناصب الحكومية والمراكز السياسية، وكأن امر الاحتجاجات لا يعنيها، وان العراق مقسم الى ضيعات او اقطاعيات طائفية، وان ما حدث لأهالي الموصل والمناطق التي داستها داعش غير مسؤولة عنها، وان عمليات السرقة والفساد وافقار الجماهير في مناطقها هي من مسؤولية احزاب الإسلام السياسي الشيعي، بينما هي بريئة مثل براءة الذئب من دم يوسف.

إن وصول هذه الاحتجاجات الى تحقيق مطالبها مرهون بمسألتين، الاولى عدم الانجرار والخداع وراء القوى الاحتياطية لسلطة الإسلام السياسي مثل العشائر والتيار الصدري وغيرهما، اذ كما تقدمت الجماهير بدك مواقع السلطة المذكورة يزج الصدر انصاره في التظاهرات للالتفاف عليها مثلما حدث في تظاهرات تموز 2010، وحول مطالب توفير الخدمات والقضاء على البطالة الى تغيير المفوضية المستقلة للانتخابات ونال ما يريده، والمسألة الثانية طرح بديلها لسلطة الإسلام السياسي وهي تشكيل سلطة المحلات والمناطق والمصانع عن طريق انتخاب ممثليها الجماهيريين.