التطرف والتطرف المضاد.. الحوثيون والقاعدة

الحوثيون كجماعة دينية لا تحارب القاعدة وبقية المجموعات المتطرفة الأخرى انتصاراً لقيم التعايش والحرية ونبذ العنف والتطرف وترسيخاً للنظام والقانون، بل ترسيخاً لتطرف آخر وعنف أكثر تنظيماً تمارسه جماعة الحوثي وبالتالي فهدف الحوثيون هو احتكار العنف لا القضاء عليه ونشر تطرفهم الخاص باعتباره الرسالة السماوية الصحيحة ومن هنا تبدأ ردة الفعل السلبية والأضرار الكارثية لقيام مجموعة دينية بواجبات الدولة.

بقلم: علي البخيتي

"لكل فعل رد فعل يساويه في الشدة ويعاكسه في الاتجاه"، ذلك هو قانون إسحاق نيوتن الثالث للحركة، وهذا القانون ينطبق حرفياً على واقعنا اليوم في اليمن فيما يتعلق بانتشار الفكر المتطرف. فعلى عكس من نظرة الكثير من الدبلوماسيين الغربين الإيجابية للحوثيين فيما يتعلق بقدرتهم على انهاء وجود القاعدة في مناطق سيطرتهم الا أنه يغيب عنهم الأثر العكسي لهذه الميزة والسلبيات الجمة التي تنتج عنها.

الحوثيون كجماعة دينية لا تحارب القاعدة وبقية المجموعات المتطرفة الأخرى انتصاراً لقيم التعايش والحرية ونبذ العنف والتطرف وترسيخاً للنظام والقانون، بل ترسيخاً لتطرف آخر وعنف أكثر تنظيماً تمارسه جماعة الحوثي، وبالتالي فهدف الحوثيون هو احتكار العنف لا القضاء عليه ونشر تطرفهم الخاص باعتباره الرسالة السماوية الصحيحة، ومن هنا تبدأ ردة الفعل السلبية والأضرار الكارثية لقيام مجموعة دينية بواجبات الدولة.

صحيح أن القاعدة وتفرعاتها ضعفت كثيراً بل تلاشت تماماً في كثير من مناطق سيطرة الحوثيين شمالاً، لكنها وجدت بيئة خصبة للانتشار في الوسط والجنوب، مستغلة البعد الطائفي للحرب في اليمن والذي رسخته جماعة الحوثي عبر تبنيها لمنهجها الديني في حكم مناطق سيطرتها وعملها على تغيير الواقع المذهبي مستخدمة مؤسسات وإمكانات الدولة واصباغ الحياة العامة بلون طائفي واحد وفرض خصوصيتها على بقية أفراد المجتمع، بالإضافة الى تغيير المناهج الدراسية والسيطرة التامة على كل منابر الخطابة الدينية والسياسية والمجتمعية والقبلية والفضاء الاعلامي وتحويل كل ذلك الى أدوات لنشر فكر الجماعة.

ما يتصوره البعض من قضاء الحوثيين على القاعدة لا يعدو عن كونه عملية ازاحة فقط لتلك المجموعات الى مناطق أخرى وحواضن أكثر انسجاماً معها، ولا يخفى على المتابع أن هناك تطور ملحوظ في تكوين وتكتيك تنظيم القاعدة وتفرعاته منذ سيطرة جماعة الحوثي على السلطة في صنعاء، حيث طرأ تحول ملموس في علاقة تلك التنظيمات بالمجتمع، فبعد أن كانت مغضوب عليها من المجتمع وغالبية القبائل عندما كانت في مواجهة مع الدولة ومؤسساتها الرسمية ما قبل 2014م أصبح ينظر لها كجماعات "مقاومة" وطنية لسلطة الحوثيين الطائفية ما أنتج بيئة اجتماعية حاضنة لتلك المجموعات مكنها من استقطاب الكثير والاحتماء بذلك المجتمع لمواجهة أي جهات محلية أو دولية تحاربها.

الطور الجديد لتلك المجموعات المتطرفة وحصولها على ثقة المجتمع بوصفها الأقدر على مواجهة الحوثيين واصباغ صفة "المقاومة" عليها مكنها من الانتشار أكثر وبديناميكية مريحة وسريعة وفي نفس الوقت يصعب تمييزها عن البقية وهذا يُعقد استهدافها، فالكل يعمل تحت نفس اللافتة "المقاومة".

كما أن هناك تطور آخر أكثر خطورة، حيث تمكنت تلك المجموعات من الدخول وبقوة الى الوحدات العسكرية والأمنية الرسمية، بعد قرار دمج فصائل "المقاومة" في المؤسسات الرسمية التي يديرها الرئيس هادي أو تلك التي تحت سيطرة الإمارات، وهنا تحديداً تم التغطية على تلك المجموعات بالبدلة الميري الرسمية، وستبقى تلك الوحدات مفخخة بتلك المجموعات لسنوات طويلة ولا يمكن فصلها الا عبر انشاء وحدات جيش وأمن جديدة يتم خلالها فحص كل عنصر على حدة على صعوبة والكلفة العالية لتلك العملية.

إن استمرار سيطرة الحوثيين على مقاليد الحكم في صنعاء له نتائج كارثية على مختلف الجوانب، وان اقتصر حديثي في هذا المقال على علاقة ذلك بالقاعدة وبقية المجموعات المتطرفة، فحكم جماعة طائفية للعاصمة اليمنية منح تيارات متطرفة أخرى ثلاثة حصون تمكنت من الاحتماء والذوبان فيها، حصن المقاومة، وحصن المجتمع، وحصن المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية الرسمية.. وأنا هنا لا أغفل دور بعض الجهات الحكومية والشخصيات الرسمية والجهات الإقليمية كذلك في توظيف تلك المجموعات واستخدامها كذراع طويلة لها معتقدين أنه يمكن السيطرة عليها، متناسين تجربة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في دعم حركات الجهاد الأفغاني ضد السوفيت وفي الأخير انقلب السحر على الساحر، وهذا ما سيحث –بل وقد حدث في أماكن كثيرة داخل اليمن وان بشكل محدود- خلال سنوات قليلة قادمة وسنكون أمام أفغانستان جديدة في اليمن وبالأخص في الجنوب والوسط.