الدروز الى أين؟

عروبة الدروز قبل كل شيء، ولن يستطيع النظام تطويعهم لقتل إخوانهم السنة.

لا شك ان الموحدين الدروز يمرون في "محنة" سياسية. فهل يدفعون اليوم ضريبة التزامهم التاريخي بعروبتهم ووطنيتهم التي كللت تاريخ قادتهم الكبار؟

سلطان باشا الأطرش رفع اول علم عربي في سوريا، وامير العروبة شكيب أرسلان كان اول من نادى بالوحدة العربية، وكمال جنبلاط كان الزعيم العربي الأول الذي غرس مبادئ العروبة في هذه الشريحة التوحيدية العربية الأصيلة من لبنان الى سوريا الى الأردن وفلسطين. فهل باتت العروبة والوطنية اليوم تهمة ومذمة؟ وهل هذه المبادئ كانت سببا لاغتيال او إعدام او تهميش كبار قادتهم؟

هل العروبة والوطنية بات بديلها اليوم، تعميم "قانون القومية" الذي أقره الكنيست الإسرائيلي، في العالم العربي؟ وهل استبدلت الشعارات "الشعبوية-البعثية" مثل شعار "امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" بـ"قانون القومية المذهبية" من المحيط الى الخليج؟

سلطان الأطرش الذي ثبت اسم "جبل العرب" بدلا من جبل الدروز تأكيدا لعروبة الجبل واهله وقاد ثورة ضد الإستعمار الفرنسي تحت شعار "الثورة العربية السورية الكبرى" رافضا تسميتها بـ"الثورة الدرزية"، عٌوقب من قبل النظام البعثي الأسدي فهمّشه والغاه من قاموس البعث ورفض حتى زيارته طيلة اربعين سنة من حكمه.

الكراهية والحقد والضغينة ربما هي ميزة من ميزات البعث الأسدي وربما بقي في ذاكرته احتجاج السويداء وجبل العرب بقيادة سلطان الأطرش، ضد حافظ الأسد لطرده واعتقاله الضباط الدروز بعد الانقلاب الذي قاده سليم حاطوم وادّى الى إعدامه من قبل نظام الأسد. وللتذكير بادبيات نظام البعث الذي يفترس حتى رفاقه ورفاق السلاح، مثلهم في ذلك مثل الذئب الذي يتقدم قطيعه.

في عقيدة آل الأسد يجب تصفية الأقوى لأنه يشكّل خطرا عليه وقتله واجب بعثي وتاريخهم وتاريخ بعثهم يشهد والأمثلة كثيرة. وللإنصاف "لا طائفية" في الإغتيال السياسي في عقيدتهم.

مكانة كمال جنبلاط العربية والعالمية ومكانته المميزة وسط الموحدين الدروز كأقوى زعيم درزي وعربي وعالمي كانت أحد أسباب اغتياله بقرار مباشر من حافظ الأسد لتاثيره الكبير على دروز سوريا، ولمكانته الرفيعة عند كل قادة العرب والعالم ولعلافته وتأثيره وتأثره بمنظمة التحرير الفلسطينية وقضية فلسطين. وهو الذي اختير باجماع عربي امينا عاما لـ"الجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية". وبسبب هذه المكانة التي لم يحظ بها اي زعيم عربي، قرر حافط الأسد إغتياله.

وتابع الأسد الصغير سياسة والده واكمل نهجه. ففي العام 2000، دعم البدو التابعين لمخابرات النظام السوري فحرضهم على الإعتداء على اراضي الدروز في جبل العرب. ثم قام بزيارة السويداء بعد انطلاقة الثورة السورية عام 2011، لكسب ودّ الدروز وتحريضهم على جيرانهم السنة في درعا لكن المؤامرة جرى تطويقها بفضل جهود وليد جنبلاط وعقّال مشايخ السويداء. لكن النظام ردّ على وأد الفتة كعادته باغتيال شيخ "مشايخ الكرامة" وحيد البلعوس. ومجزرة السويداء مرتبط بموقف رجال "مشايخ الكرامة".. الذين رفضوا التجنيد الإجباري لقتال سنّة سوريا.

واليوم كلف البدو ذاتهم بـ"مجزرة السويداء" تحت مسمّى "داعش" الذي هو أحد فروع مخابراته في جبل العرب الذين نقلهم الى البادية بطائرات روسية. والمجهول – المفهوم تورط الروس بالمذبحة.. لماذا؟! فالدروز لم يٌزعجوا يوما الروس.

تماسك الدروز طالما ازعج الأسدين. لذلك حاولوا ياستمرار جرّهم للإقتتال فيما بينهم اثناء وبعد خروجهم المذل عام 2005. وردا على دور وليد جنبلاط الأساسي في ذلك، حاول ازلام ومخابرات النظام السوري اغتياله أكثر من مرّة. وهم اليوم في صلب تعقيد تشكيل الحكومة اللبنانيّة. لكن الدروز الأوفياء كانوا دائما عندما تتهدد طائفتهم تزداد وحدتهم ويعرفون كيف يحمون قيادتهم السياسية.

هوية الدروز عربية وصوتهم عربي وتاريخهم كان وسيبقى عربيا ولو كره الكارهون، ميزة الدروز انهم لم يتقوقعوا ولم يعيشوا عقدة الأقلية، فملعبهم أوسع مما يظن البعض، والهوية العربية تستحق منهم التضحية. و"المحنة" العربية مهما طالت فهي حتما الى زوال. وخاسر كل من يراهن على تخلي الدروز عن هويتههم العربية والوطنية، فالكيانات الطائفية لم تكن ولن تكون بديلا للعروبة.

اليوم وحدة الموقف والصف تحدّد مصير الدروز. وانتصار الكيانات والدويلات الطائفية والعنصرية لن تغيّر التاريخ المجيد ولن يهزم الهوية الوطنية والعربية لا "قانون القومية" الإسرائيلي ولا قانون التطويع والترهيب السوري.

ونتمنى أن لا يراود البعض في لبنان الرهان مجددا على أحلام عودة إحياء "حلف الأقليات" البغيض. والرهانات الخاطئة كلّفت حربا أهلية وثلاثمائة ألف قتيل ودمار لبنان.

وأخيرا، على العهد "القوي" الإستماع الى صوت العقل، لا صوت النظام المجرم. فصوت المخابرات لن يحمي عهدكم القوي. ولتكن القوة بذاكرتكم ان كانت لا تزال حيّة.

الوحدة، ثم الوحدة ثم الوحدة.. وحدها تحمي الموحدين فلا تضيّعوا البوصلة.. طريق العروبة واضح ومعروف، وطريق العمالة والإرتهان معروف.. فاختاروا.